تعذر علي حضور المؤتمر العاشر لحركة
النهضة التونسية، ومن كل قلبي أتمنى لهذه الحركة في تونس التوفيق والسداد.. لقد تعرفت على قائدها الفذ، وعلى أهم رجالاتها، وسنحت لي لقاءات، وجولات في ربوع تونس؛ أظهرت لي ما توفر في هذه الحركة من قامات عظيمة، صنعت تاريخاً مُشرفا، من حمل الدعوة والنضال الوطني.
ولكني لست مع "موضة" الضجيج، والعجيج التي أصبحت من لوازم العقل المسلم في هذا العصر، والتي ترسل في الفضاء غبارا من العواطف، والدعاوى والشعارات، تَحُولُ دونَ النظرِ العميق، والتقييم الدقيق، وفحص البيّنات قبل ابتلاع الدعاوى!
الفصلُ، أو التمييزُ بين الدَعَوي والسياسي في نشاط الحركة الإسلامية المعاصرة، هي مقاربةٌ نظّر لها الإمام أبو الحسن الندوي - رحمه الله - مُبكرا؛ ناصحاً ومرشداً، وتفردت الحركة الإسلامية في المغرب، بصياغة نموذج "رسالي" تَنَزّلت فيه هذه المقاربة على تؤدةٍ، ومُكث.
هناك خصوصية مغربية، وأعراف قُطرية أخص؛ وفّرَت لفصائل الحركة الإسلامية في المغرب، الأرضية المناسبة، لإرساء ذاك النموذج، والفضاء الأمثل لنمو هذه المقاربة دون تكلف ولا تعسف. والتغافل عن معرفة تلك الخصوصيات، والأعراف خللُ بنيوي في منهجية الاجتهاد الحركي، بخاصة بين بلدين يقفان على طرفي النقيض في بعض تلكم الخصوصيات.
في تقديري؛ التمييز بين المهمتين الجليلتين، في وسط "مدرسة" تأسست على شمول الفكر، واستهداف كل مناحي الحياة بالإصلاح، ليس أمرا لائحيا تنظيما يتخذ برفع الأيادي وعد الأصوات، فالتمييز التخصصي "ثقافة"؛تُصنع وتتبع وليس قرارا؛ يُعَد ويتخذ!
ما حدث داخل أروقة حزب النهضة - بحسب فهمي - ليس تمييزا بين المهمتين، إنما هو محاولة متأخرة للتخفف من أثقال تاريخية، أمام عقبة سياسية كؤود، وخصم سياسي لدود، وانحياز لغرس فسيلة تركية في تربة تونسية؛ نتمنى أن تثمر ما ينفعُ الناسَ، أو تترك ظلاً وارفا - على أقل تقدير - يتفيأ الدعاة ظله، وسط هجير "العولمة" والمحاولات الدولية لتدجين بيت القصيد؛ وهو ما سُمّيَ بدهاء "الإسلام السياسي".
الحركة الإسلامية في تونس شجرة مباركة، راسخة الجذور، باسقة بالخير، ولن تضيرها محاولات التجديد، فالبحث عن مقاربات تحمي الدعوة وتبني الأوطان - وإن لم تستكمل شروطها - خير من الجمود المقيت، والوقوف موقف العاجز أمام السياقات التاريخية، والاجتماعية، والسياسية، التي يمور بها العالم اليوم.