علق مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، سايمون هندرسون، على اجتماع الرئيس
أوباما مع
الملك سلمان في الرياض، بأنه من المرجح أن تكون هذه رحلة أوباما الأخيرة إلى المملكة العربية
السعودية خلال فترة رئاسته.
وقال هندرسون في مقالته التي نشرها "موقع واشنطن": "إن مثل هذه اللقاءات بين زعماء الدول عادة ما تُستغل لإجراء مناقشات بشأن المصالح المشتركة، وليس حول جداول أعمال مفصلة. والسؤال الشائع هو: هل يشاطر الحلفاء الرؤية ذاتها الاستعارية؟".
واستدرك بالقول: لكن في ظل العلاقات القائمة حاليا بين الولايات المتحدة والسعودية، سوف يكون أكثر إثارة للاهتمام رؤية ما إذا كان بإمكان الحليفين أن يشيرا ظاهريا إلى أنهما ما زالا ينظران إلى الأمور بالطريقة ذاتها.
وأضاف هندرسون أنه وعلى الرغم من أنه قد تم الترويج للزيارة على أنها بمثابة جهد لبناء تحالف بين البلدين، إلا أنه من المحتمل أيضا أنها سلّطت الضوء على مدى تباعد واشنطن والرياض في السنوات الثماني الماضية. وبالنسبة لأوباما، تشكل الحرب ضد تنظيم الدولة القضية الأساسية في الشرق الأوسط؛ فهو يريد أن يكون قادرا على الاستمرار في العمليات العسكرية تحت غطاء تحالف إسلامي واسع، تُعد فيه السعودية عضوا بارزا. وبالنسبة لعائلة آل سعود، تشكل إيران المسألة المهمة؛ فالصفقة النووية، التي تم التوصل إليها في العام الماضي، لا تمنع من ناحية العائلة المالكة الوضع النووي الناشئ الذي تتمتع به إيران، بل تؤكده. والأسوأ من ذلك، تنظر واشنطن إلى إيران كحليف محتمل في الحرب ضد تنظيم الدولة. على حد تعبير أحد المراقبين الذي مقره واشنطن منذ فترة طويلة.
ونوه إلى أن "السعودية أرادت صديقا اسمه الولايات المتحدة. وبدلا من ذلك اختارت الولايات المتحدة إيران صديقا لها. والنتيجة زيادة غيرة السعودية".
وتابع هندرسون حديثه قائلا: "على الرغم من المخاطر المحتملة، فمن المؤكد أن كلا الجانبين قد أعد قوائم "أسئلة" قاما بطرحها خلال هذه الزيارة. ومن المحتمل أنه قد تمت إثارتها أثناء اجتماعات جانبية، نظرا لقيام العاهل السعودي بمنح المزيد من صلاحياته لولي العهد الأمير محمد بن نايف، وبصورة خاصة لابنه، ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. فبالإضافة إلى القضايا المتعلقة بتنظيم داعش وإيران، من المرجح أن تكون المحادثات قد شملت اليمن أيضا، حيث إن المملكة متورطة بشكل متزايد في الحرب الدائرة في تلك البلاد، وإن كان هناك أمل في التوصل إلى سلام عن طريق المحادثات. وقد كان الأمير محمد بن سلمان البالغ من العمر 30 عاما المحاور الذي لا غنى عنه في المحادثات، ومن المتوقع على نحو متزايد أن يصبح ملكا عاجلا وليس آجلا، على الرغم من أن الخلافة الاسمية المعمول بها حاليا في المملكة هي تسليم الخلافة أولا إلى ابن عمه الأمير محمد بن نايف. ويُعرف عن محمد بن سلمان بأنه يروج لرؤيته حول نهضة السعودية كدولة عصرية، مع انتقال اقتصادها بعيدا عن تبعية النفط.
هل تغير موقف أوباما؟
وأكد أنه لا يبدو أن موقف أوباما تجاه المملكة العربية السعودية قد تغير منذ خطابه عام 2002، ومن المؤكد أنه كان من الصعب تجاهل تصريحاته عن حكام المملكة. وقد كانت انتقادات الرئيس لـ"ما يسمى حلفاء" أمريكا موضوعا متكررا في قصة الغلاف لمقالة جيفري غولدبرغ في مجلة "ذي أتلنتيك" بعنوان "عقيدة أوباما". وبدأت المقالة التي ضمت 19,000 كلمة بتراجع أوباما من "خطه الأحمر" بعد قيام قوات بشار الأسد باستخدام غاز السارين ضد المدنيين في عام 2013، وهو الحدث الذي صدم حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأجبرهم على إعادة النظر في ما تعنيه الضمانات الأمنية الأمريكية في الواقع، تلك التي وصفها أوباما بأنها قرار جعله يكون "فخورا جدا".
وطرح هندرسون تساؤلا مفاده: لماذا قرر أوباما إجراء المقابلة مؤخرا، بدلا من نيسان/ أبريل 2017، على سبيل المثال؟ إن ذلك يشكل لغزا للكثيرين، الذين يرون أن المقابلة تضر بمصداقية دبلوماسيته. فالمقالة تلقي سحابة سوداء على اجتماعات أوباما في الرياض، وتجعل الابتذال من تصريحاته العلنية أقل إقناعا. فالتعاون في مكافحة الإرهاب، على سبيل المثال، كان على الأرجح عنصرا رئيسيا في المحادثات، ولكن في مقابلته مع مجلة "ذي أتلنتيك"، تساءل أوباما عن "الدور الذي يلعبه حلفاء أمريكا من العرب السنة في التحريض على الإرهاب المناهض للولايات المتحدة"، فقد كتب غولدبيرغ: "من الواضح أنه منزعج؛ لأن المعتقد التقليدي في السياسة الخارجية يجبره على معاملة السعودية كحليف".
ونقل عن غولدبرغ قوله: عندما سأل رئيس الوزراء الأسترالي الجديد مالكولم تيرنبول، الرئيس الأمريكي في العام الماضي، "أليس السعوديون أصدقاءك؟" ابتسم أوباما، وقال: "الأمر مقعد".
الإدارة الأمريكية تفضل خصوم السعودية
وأكد هندرسون أن شكوكية أوباما قد تغلغلت في إدارته بالكامل. ووصل الأمر إلى نقطة يخشى فيها المسؤولون السعوديون من أن الإدارة الأمريكية تفضل خصومهم في طهران على حليفهم منذ فترة طويلة. وكتب غولدبيرغ: "في البيت الأبيض هذه الأيام، يسمع المرء أحيانا مسؤولين في «مجلس الأمن القومي» تحت رئاسة أوباما وهم يذكرون الزوار بوضوح بأن الغالبية العظمى من الخاطفين في أحداث 11/9 لم يكونوا إيرانيين، بل سعوديين". وعندما أشار الكاتب إلى أوباما بأنه إذا ما وقع نزاع مع ايران ليس من المرجح أن يدعم الرئيس الأمريكي السعودية بصورة غريزية بنفس قدر الدعم الذي حصلت عليه من أسلافه، "لم يعترض" أوباما على هذا الوصف، وفقا لغولدبرغ.
واستدرك بالقول: "ببساطة، لا يبدو أن أوباما يشاطر رأي الكثير من زعماء الشرق الأوسط بأن جمهورية إيران الإسلامية تريد تقليص النفوذ الأمريكي وتغيير ميزان القوى في المنطقة".
وأشار هندرسون إلى أن القادة السعوديين يخشون بشكل متزايد من أنه ليس لدى الرئيس الأمريكي أي اهتمام بتقييد طموحات إيران الإقليمية. وكان السطر الواحد الذي ربما ولّد الصدمة الأكثر تأثيرا في الرياض عند نشر مقالة "ذي أتلنتيك" هو عندما حثّ أوباما إيران وخصومها "على إيجاد وسيلة فعالة للمشاركة في المنطقة وإقامة نوع من السلام البارد".
وأوضح أنه ليس لدى السعودية أي اهتمام في مشاطرة العالم العربي مع عدوتها اللدودة. فهي ترى إيران دولة تتحدى قيادتها للعالم الإسلامي، وتقوّض مكانتها في العالم العربي. ونظرا للاتفاق النووي مع إيران وانتعاشها من إنتاج النفط، فإن مكانة الرياض كزعيمة لعالم الطاقة هي الأخرى مهددة أيضا، حتى لو استغرق الوقت أعواما، إن حدث ذلك على الإطلاق، قبل أن تتمكن إيران من منافسة مكانة السعودية كأكبر مصدر للنفط في العالم.
خلاف الشرق الأوسط سبب التوتر
وشدد هندرسون على أن وجهات النظر المختلفة جذريا حول الشرق الأوسط المذكورة هنا قد تكون سببا في التوتر القائم بين الرياض وواشنطن، ولكن من المحتمل أن يكون أوباما والملك سلمان قد واجها مشكلات أخرى عندما جلسا وجها لوجه في العشرين من نيسان/ أبريل. هذا، ويتم بعناية تصميم الاجتماعات مع العاهل السعودي البالغ من العمر 80 عاما لحجب -بعيدا عن النظرات الفاحصة على الأقل- العجز المتزايد الذي يعاني منه الملك سلمان. وكان أوباما قد واجه بالفعل هذا الوضع. فعندما جاء إلى الرياض في كانون الثاني 2015، لتقديم التعازي على وفاة الملك عبد الله، أجرى محادثة مع الملك سلمان، لكن العاهل السعودي لم يستمر فيها، وابتعد عنها بكل بساطة، وعلى حين غفلة. وقد حاول بعض المساعدين الاعتذار عن ذلك، بقولهم إن العاهل السعودي يحتاج إلى تأدية فريضة الصلاة. وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، عندما زار الملك سلمان البيت الأبيض، جلب معه ابنه المفضل، محمد بن سلمان، للتحدث نيابة عنه.
وأشار إلى أنه خلال معظم الاجتماعات، يحتفظ الملك سلمان بشاشة كمبيوتر موضوعة أمامه وتعمل كملقن، وغالبا ما يتم حجبها بالزهور. وخلال زيارة وفد أمريكي مؤخرا، ابتكر الديوان الملكي حيلة أخرى، بقيام العاهل السعودي بقضاء وقته خلال الاجتماع وهو ينظر إلى شاشة تلفزيون عريضة تتدلى من السقف. وكان مساعد في أحد جوانب الغرفة ينقر موضوع النقاش وبشكل سريع على لوحة مفاتيح الحاسوب.
نقاش إلزامي
ووفقا لهندرسون، يُرجح عدم تمكّن رئيسي الدولتين من تجنب مناقشة تفسيراتهما المتنافسة لأحداث 9/11 عندما كان 15 من أصل 19 شخصا من منفذي الهجمات سعوديين. وقد تم إحياء هذه القضية من خلال دعوات في الكونغرس الأمريكي لنشر 28 صفحة ناقصة من تقرير أحداث 9/11، التي ظلت سرية، ويُفترض أن سبب ذلك هو تجنب إحراج الحكومة السعودية؛ بسبب احتمال وجود صلة بين الخاطفين ومسؤولين سعوديين. وقد تم تأكيد استمرار حساسية الرياض تجاه هذه النقطة خلال عطلة نهاية الأسبوع المنصرم، عندما حذرت الرياض بأنها ستقوم ببيع أصول أمريكية تقدر بمئات مليارات الدولارات اذا أقر الكونغرس الأمريكي مشروع قانون يسمح بأن تكون الحكومة السعودية مسؤولة أمام المحاكم الأمريكية عن أي دور في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001.
وأكد أنه من الصعب التنبؤ بمجرى الأمور حول هذا الموضوع. ولكن كما كتبتُ للمرة الأولى في افتتاحية في صحيفة "وول ستريت جورنال" في آب/ أغسطس 2002، هناك الكثير جدا في الروابط القائمة بين الخاطفين وبيت آل سعود، فقد نقل ذلك المقال قصة من "مجلة يو إس نيوز أند وورلد ريبورت" بتاريخ 9 كانون الثاني/ يناير، بعنوان "مدفوعات أميرية"، قال فيها مسؤول سابق في إدارة الرئيس كلينتون إن اثنين من كبار الأمراء السعوديين كانوا يدفعون الأموال لزعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، منذ التفجير الذي وقع في الرياض عام 1995، والذي أسفر عن مقتل خمسة مستشارين عسكريين أمريكيين.
ولفت إلى أن مسؤولين سعوديين نفوا بشدة ذلك الادعاء، حيث اقتُبس عن وزير الخارجية الحالي عادل الجبير قوله: "أين الدليل؟ لا أحد يقدم دليلا. ليس هناك أي اثر مستندي".
واستشهد هندرسون بما كتبه سابقا في صحيفة "وول ستريت جورنال" عام 2002: "تتبعتُ الأدلة وسرعان ما وجدتُ مسؤولين أمريكيين وبريطانيين أخبروني بأسماء اثنين من كبار الأمراء. وكان هذان الأميران يستخدمان أموالا سعودية رسمية -وليس أموالهما- لتسليمها لبن لادن؛ لكي يسبب مشاكل في أماكن أخرى، وليس في المملكة. وقد وصلتْ المبالغ المتعلقة بذلك إلى "مئات ملايين الدولارات"، واستمرت بعد حوادث 11 أيلول/ سبتمبر. ومؤخرا سألتُ مسؤولا بريطانيا عما إذا كانت المدفوعات قد توقفت. فقال إنه يأمل ذلك، ولكنه ليس على يقين من توقفها".
وأوضح أنه إذا كانت القيادة السعودية تأمل بإصلاح علاقاتها مع الولايات المتحدة، فيجب أن تجد وسيلة لإنهاء الأمور المتعلقة بمثل هذه الأسئلة. ولكن الانتقادات الحادة التي وجهها الرئيس الأمريكي في مجلة "ذي أتلنتيك" هي التي تجعل التقارب إلى المستويات السابقة للعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية الحميمة التي كانت قائمة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية مستحيلا، على أي حال.
وأكد هندرسون على أن الرئيس الأمريكي لم ينو السفر إلى الرياض للتوقيع على شهادة وفاة العلاقات بين البلدين. ومع ذلك، ربما بشرت إدارة أوباما بقيام عهد جديد في العلاقات بين واشنطن والرياض يكون أكثر بعدا، ويشوبه الشك، مقارنة بما كان عليه الوضع في السنوات الماضية. وبطريقة أو بأخرى، كانت هذه رحلة تاريخية.