أبو كرتونة...
يدخل عايش سعيد الشهير بأبو كرتونة على مهران بيه، رئيس مجلس إدارة إحدى شركات القطاع العام، في أول لقاء يجمعهما بعد انتخابه عضوا ممثلا للعمال في المجلس الإداري. يمسح أبو كرتونة على حذائه المغبر وهو منبهر بمكتب الرئيس.
مهران بيه: أهلا وسهلا. إيه ده يا أخي؟
يعيد أبو كرتونة المسح على حذائه معتقدا أن هذا ما يعنيه الرئيس.
أبو كرتونة: وعهد الله أنا ماسحها قبل ما أدخل على سعادتك. بس لا مؤاخذة بقا الكاوتش بتاعها بيقفش في الوحلة.
مهران بيه: مسح إيه يا راجل. إنت ازاي توقف ع الباب ثانية واحدة؟ إنت دلوقتي عضو مجلس إدارة. يعني تفتح الباب وتدخل من غير استئذان.
يدعوه للجلوس بلطف ويخاطب مساعده زكي.
مهران بيه: اتفضل يا سيد عايش.. إيه يا زكي، إنت ليه منفذتش ايلي طلبتو منك؟
زكي: ملحوقة يا مهران بيه.. اتفضل (وهو يمد ورقة لأبو كرتونة).
أبو كرتونة: إيه ده لا مؤاخذه، تذكرة سيما؟
زكي: لأ. ده شيك بمبلغ 200 جنيه.
وقع المفاجأة باد على وجه أبو كرتونة.
مهران بيه: توصل البنك تصرفه وتنزل دغري على أي محل قطاع عام تشتري لنفسك شوية هدوم تليق بمركزك الجديد. إنت راجل عضو مجلس إدارة.
زكي: مهران بيه اختارك إنت بالذات علشان تقود المجموعة بتاعتك وذلك لنزاهتك ودرايتك الكاملة بمصالح الشركة والعاملين فيها. عاوز يحطك في البريستيج بتاعك.
أبو كرتونة: في الإيه؟
زكي: البريستيج بتاعك.
مهران بيه: طبعا. أهم شيء البريستيج. إنت عضو مجلس إدارة .. يعني مصير الشركة واللي فيها بيكون بين إيديك.
زكي: (وهو يمد له قلما) اتفضل امضي.
أبو كرتونة: أمضي على إيه لا مؤاخذة؟
زكي: على استلامك شيك ب200 جنيه.
أبو كرتونة: أهه ده الإمضا ولا بلاش.
زكي: فيه إِمَضْ جاية كثير. إنت الآن عضو مجلس إدارة.. يعني مفيش حد يمكن يؤثر على تفكيرك.
مهران بيه: ولا قراراتك؟
زكي: إنت مسؤول عن الأغلبية.
على إثر تصدر حزب العدالة والتنمية
المغربي قبل أربع سنوات لنتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في المغرب تفاعلا مع المد "الثوري" الذي كان يميز تلك اللحظة التاريخية "التي هرمنا من أجل بلوغها" في دول الجغرافيا العربية، سئل السيد عبد الاله بنكيران، رئيس الحزب، في أول ندوة صحفية تلت إعلان النتائج عن إمكانية تقبله لبس ربطة العنق، فأجاب بديبلوماسية أنه سيفعل ذلك لمقابلة الملك عند تكليفه بتشكيل الحكومة لكنه لا يضمن الاستمرار في الفعل بعدها. مرت أربع سنوات كاملة ولم تفارق الربطة عنق رئيس الحكومة وكأنها قدر محتوم، والخوف كل الخوف أن تخنقه كما تكاد تفعل متطلبات "الإصلاح". لم يكن
عبد الإله بنكيران وحده من لبس ربطة العنق وغير "خياط الحي" بالتردد على أفخم محلات الأزياء بل سبقه وزراؤه في ذلك، كما هجرت نساء الحكومة أسواق الأحياء الشعبية لشراء أغطية الرأس وعوضنها بمنتوجات دور الأزياء العالمية.
وفي خضم ذلك توزعت الأقلام يمنة ويسرة لتوقع على القرارات، التي سٌوِّقت على أن المرحلة تفرضها ولو ضربت القدرة الشرائية للطبقات الاجتماعية الأهش في مقتل، ولتدبج البيانات المبشرة بالخير والنماء وتأصيل العدل والمساواة وحقوق الأفراد والجماعات. لقد كانت الدولة في حاجة ماسة إلى من يبيض اختياراتها السياسية والاقتصادية في ظل التوجه الجديد للمنطقة بعد استنفاذ اليسار لمهمته التي أوكلت إليه ذات "تناوب توافقي" كان من أبرز شعاراتها استمرار الحفاظ على توازنات البنك الدولي ومختلف المؤسسات المانحة، وعدم الانجرار وراء "مطاردة الساحرات". وهي سياسات لم تتغير قيد أنملة في عهد ما بعد "الربيع" بل استبدلت بصيغ أخرى من قبيل إصلاح صندوق المقاصة وتقليص التوظيف العمومي و"عفا الله عما سلف". ولأن التفكير خارج الصندوق والابتعاد عن الحلول الأسهل التي تتخذ من استنزاف "جيوب المواطنين" سبيلا وحيدا لسد العجز المزمن في الميزانيات من المحرمات، فقد شُغِل "مسؤول الأغلبية" وشَغَل نفسه بإرادته في حروب صغيرة قيمية وهوياتية تسمح له بتصريف منسوب الغضب لدى بعض من مؤيديه ولدى قطاع عريض من الشعب دون إضرار بالمصلحة العليا للدولة بالطبع. كما صار كل هم "مسؤول الأغلبية" البحث عن التوافقات وتقديم التنازلات إنقاذا لما تبقى من الولاية الحكومية حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
خليل بعد التعديل...
بعد ترقيته مديرا للفرع الرئيسي للبنك يعقد السيد خليل أول اجتماع بالأطر العليا هناك حيث يقدم رؤيته للمرحلة الجديدة تحت عهدته:
خليل: بسم الله الرحمن الرحيم. أني راجل منظم وأحب الانضباط في حياتي.. طول عمري آجي أول موظف وأمشي آخر موظف..معنديش محسوبيات، مافيش تنازلات لأن ده أموال بنك يا إخواننا وأي تهاون فيها معنديش يامّا ارحميني.. بقطع الرقبة على طول، على طول أقطعها.. طبعا ده ميمنعش أن لكل مجتهد نصيب. أنا عمري ما بخلت على موظف كفء ونشط في العمل أبدا..
كان شعار محاربة
الفساد شعارا للحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية. وظل شعار مكافحة التحكم، رديف الاستبداد في أدبيات "الربيع العربي"، التيمة الأساسية التي بنا عليها رئيس الحكومة برنامج عمله أو هكذا بدا للمتابعين. لكن التحكم صار مجسدا في شخص إلياس العماري، نائب رئيس حزب الأصالة والمعاصرة، الذي اتهمه بنكيران بالسعي لإفساد الحياة السياسية والتدخل في الشؤون الداخلية للأحزاب وتوجيهها، وكفى الله المؤمنين شر القتال.
في الواقع، رأينا كيف توالت الوقائع التي بينت كيف أن ادعاء مكافحة الفساد والوقوف ضد التحكم لم تكن غير شعار لم يصمد كثيرا في مواجهة حقائق "
الحكم" وتدبير الشأن العام. فقد رضخ حزب العدالة والتنمية لطلب إقالة رئيس فريقه في مجلس المستشارين، وقام بتجريد برلمانيه عن وجدة من كل مهامه الحزبية تنفيذا ل"تعليمات" صدرت عن جهات "مجهولة" لن تكون غير جهات التحكم التي بٌنِيَ عليها خطاب المواجهة الافتراضية وتأسس. وبين هذا وذاك طُلِب من الداعية السعودي محمد العريفي الإحجام عن إلقاء محاضرة بالمغرب حول "دور القرآن في بناء الإنسان"، بينما فتحت فيه المقرات، بنفس البلد، لسيد القمني ليصول ويجول بمحاضراته خلال شهر الصيام. وفي جانب الممارسة الحكومية التي حصنها الدستور الجديد بكثير من الصلاحيات، لم تتوفر للسابقين في المنصب، رأينا كيف سُحِبت الاختصاصات في مجالات التعليم ولغة التدريس به والتنمية القروية وصندوقها والطاقة وتدبيرها دون أن يحرك ذلك لدى مدعيي مواجهة التحكم غير إصدار أنين الألم وتسويقه داخل المقرات الحزبية ليس إلا. إنه نوع من الإحساس بالنقص من مواجهة الأعيان ومريدي ما يسمى بالدولة العميقة لا يزال مسيطرا على كثير من محدثي تجربة الحكم.
خليل بعد التعديل مرة أخرى..
بعد أن عرف خليل بمتطلبات وتحديات المنصب الجديد، لم يجد غير صديقه كمال للاستنجاد به.
كمال: إيه؟ مالك؟ متاخد كده ليه أيها الفتى الريفي الساذج؟
خليل: وقعة، وقعة يا أبو كمال يا خويا.
كمال: خير؟
خليل: اترقيت.
كمال: الله يخرب عقلك. وده تبقى كارثة؟ رقوك عملوك إيه؟
خليل: تخيل.. رقوني وبقيت مدير الفرع الرئيسي للبنك.
كمال: برافو. والله تستاهل يا خليل.
خليل: شغلانة أنا مش قدها يا كمال..
كمال: متقولش كده يا خليل.. دادي الباشا كان دايما يهزقني بيك..
خليل: أيوه.. بس إنت أبوك وجدك باشوات يا أبو كمال. يعني تنفع مدير بنك ورئيس وزراء كمان... عربية وتلفون وسكرتارية وعلاقات عامة وايشي وفود أجانب.. يعني لازم المظهر والأبهة... وحفلات الكوكتيل.. وأنت عارف أخوك ملوش في الشرب والمسخرة ده.
كمال: إوعى تكون جاي أعلمك المسخرة؟
خليل: مسخرة إيه يا أبو كمال؟ أنا جاي لك يا أخي علشان تروقني...
كمال: واضح أنك عايز تطوير. لا ده بدلة مدير بنك، ولا ده كرفاطة مدير بنك، ولا ده جزمة مدير بنك. إنت منظرك ولا زبال في البلدية.
لقد صار" البريستيج"، كما قال زكي لأبو كرتونة، أهم ما يشغل وزراء الحكومة المغربية في انتظار الحصول على التقاعد، بعد انتهاء التكليف الوزاري مباشرة، وإن كان لا يتعدى "زوج فرنك" والعهدة على الوزيرة المنتدبة المكلفة بالماء شرفات أفيلال، أما التحكم فهم ناصريه ورموزه الجدد بلا منازع. أليس السيد عبد الإله بنكيران من استنكر على صحفي، في بداية ولايته، الحديث في موضوع تقاعد الوزراء وخاطبه: هل تريد أن يتحول الوزير بعد انتهاء مهمته إلى حارس سيارات؟
ملحوظة: أبو كرتونة فيلم من إنتاج 1991 وإخراج محمد حسيب. أما خليل بعد التعديل فأُنتج قبله بأربع سنوات وأخرجه يحي العلمي، و"البطولة" في الاثنين كانت لمحمود عبد العزيز. في الأول عاد أبو كرتونة للتحالف مع عمال الشركة لإنقاذها من الإفلاس والتصفية، وفي الثاني عاد خليل إلى بيته وأبنائه بعد مغامرة عاطفية قصيرة مع سكرتيرته التي فرضت سلطتها عليه فتنة وجمالا.