نشرت صحيفة المانيفستو الإيطالية تقريرا حول ردة فعل مسلمي
إيطاليا بعد هجمات باريس، وقالت إنهم خرجوا بأعداد غفيرة في مظاهرات في مدينة روما، ليقولوا بكل وضوح إنهم ضد
الإرهاب، وقد شارك الشباب والنساء بكثافة في هذه التحركات؛ لرفض ربط الدين الإسلامي بجرائم تنظيم الدولة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن عددا كبيرا من
المسلمين الإيطاليين، تجمعوا خلال هذا الأسبوع في ساحة "سانتي أبوستولي" في روما، وكانوا يحملون معهم مظلاتهم بسبب هطول الأمطار بغزارة، وقد حضر المسلمون بأعداد غفيرة؛ للوقوف ضد الإرهاب، وإظهار تضامنهم مع عائلات الضحايا في باريس. ورحب الحاضرون بالنائبة "لاورا بولدريني"، التي تلت عليهم رسالة وجهها إليهم الرئيس الإيطالي "سيرجيو ماتاريلا"، حول مسألة الهجمات الإرهابية.
وذكرت مراسلة الصحيفة أن المصورين والصحفيين هرعوا فجأة إلى منطقة أخرى خلف مكان المظاهرات، ليتكشفوا مصدر الضوضاء التي انبعثت فجأة، ليتبين لهم أن مجموعة كبيرة من الشباب المسلم الذين كانوا يحملون لافتات عديدة، جاؤوا من عدة مناطق قريبة وبعيدة؛ من أجل إظهار لحمتهم في مواجهة الإرهاب، وكان بين هؤلاء الشابة منال وأختها زينب، اللتان كانتا تلبسان الحجاب.
وذكرت الصحيفة أن منال وزينب اللتين تنحدران من تونس، درستا البيولوجيا في الجامعة الإيطالية، وكانتا طيلة
المظاهرة ترددان الشعارات الرافضة للإرهاب، بل إن زينب كانت تقود الهتافات، وكان الناس يرددون وراءها شعارات، مثل: "ارفعوا أصواتكم، قولوا لا للإرهاب".
ولاحظت الصحيفة أن صوت منال كان أثناء الهتافات مليئا بالمشاعر، وكانت دموعها على وشك أن تنهمر، ولكنها واصلت الهتافات التي تعبر عن قضية الشباب المسلم في إيطاليا. واعتبرت الصحيفة أن هذه الشابة المسلمة تعبر بصدق عن النموذج الحقيقي للإسلام، المناقض لنموذج "حسناء آيت بولحسن"، التي يرجح أنها قامت بتفجير نفسها أو قتلت من قبل القوات الخاصة خلال مداهمة للشرطة الفرنسية في حي "سان دوني".
ونقلت الصحيفة عن منال قولها: "نعم أنا أرتدي الحجاب، نعم أنا مسلمة، وأقوم بذلك باختياري، وأنا أذهب إلى الجامعة وأركب الحافلات والقطار والمترو، وأحيانا بعض الناس عندما يرونني يحبسون أنفاسهم وينظرون إلي باستغراب كما لو كنت على وشك تفجير نفسي، ولكنني أبتسم في وجوههم وأحيانا أضحك لهم، لأنني لست من المتأثرين بتنظيم الدولة، وسلوكي هذا يزيل التوتر لديهم".
كما أضافت منال: "أنا إيطالية، وأحب إيطاليا، وأحب البيتزا، وإذا أراد تنظيم الدولة مهاجمة بلادي فعليه أن يبدأ بي أنا أولا، فأنا مستعدة للدفاع عنها، ومستعدة أيضا للموت من أجلها، فنحن مسلمون وفي الوقت ذاته إيطاليون، وأنا متضامنة أيضا مع سوريا ومالي. إنهم يريدون خلق قطيعة بين المسلمين وغيرهم، ويريدون عزلنا في منازلنا، ولكن هذه بلادي، وأنا سأبقى فيها".
كما تحدثت الصحيفة مع ميمون الهاشم، وهو إيطالي من أصل مغربي يحمل علم أوروبا، ويرتدي في الوقت ذاته الكوفية الفلسطينية، التي يقول إنه أحضرها خلال رحلة الحج في مكة، وهو ينشط الآن في مسجد في أحد سجون إيطاليا.
ويقول ميمون: "في السجن أنا أساعد المسلمين وغيرهم من بقية الأديان، لأننا كلنا أبناء إبراهيم. وهؤلاء المتورطون في الإرهاب ليسوا مجاهدين، إنهم مجرد مجرمين، ولا يعرفون شيئا عن القرآن، والجهل يسيطر عليهم".
واعتبر ميمون أن الإرهاب لا مكان له في إيطاليا، لأن المسلمين يقفون ضده ولا يتركون له مجالا، ويقومون بأنشطة دينية وثقافية لا تترك مجالا للفكر المتطرف، حيث توجد في إيطاليا العديد من المراكز الثقافية التي ينشط فيها المسلمون، كما أنهم يتمتعون بعلاقات جيدة مع الدولة الإيطالية، ويتعاونون مع الأجهزة الأمنية.
وقالت الصحيفة إن مجموعة أخرى من المتظاهرين من أصل بنغالي وصلوا إلى هذه المظاهرة في روما بحماس كبير، حاملين لافتات وشعارات باللغتين الإنجليزية والإيطالية، تدين بربرية تنظيم الدولة وجرائمه في سوريا وباريس والعراق، كما تدين أيضا التطرف بكل أشكاله في ميانمار وبنغلادش.
ولاحظت الصحيفة أن مجموعة أخرى من المتظاهرين الذين جاؤوا من ضاحية "توربينياتارا" القريبة من روما، والمعروفة بكونها تضم ثلاثة آلاف مسلم وتوجد فيها أربعة مساجد، لم يصطحبوا معهم النساء، بسبب هطول الأمطار، وبسبب مخاوفهم من وقوع اعتداءات عنصرية بعد هجمات باريس.
ولكن الصحيفة أكدت وجود عدد كبير من النساء من مناطق أخرى في هذه المظاهرة، على غرار السيدة حياة، التي جاءت مع صديقاتها وابنتها، والتي عبرت عن قناعتها بأن الشعب الإيطالي شعب طيب، وأن النظرة السلبية التي انتشرت مؤخرا حول الإسلام سببها بعض وسائل الإعلام التي تنشر خطاب الكراهية والانقسام.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن الناشط خالد شوقي، المنتمي للحزب الديمقراطي الإيطالي، الذي يعدّ أول نائب مسلم في تاريخ إيطاليا، ألقى الخطاب الختامي في هذه المظاهرة التي اعتبرها حدثا تاريخيا، وحث خلاله الجموع الغفيرة على الوقوف ضد استغلال الدين وضد التشدد الذي يعزز مناخ انعدام الثقة ويعطل التعايش في البلاد.