نشرت صحيفة لوموند الفرنسية؛ تقريرا إثر فوز حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية في الانتخابات التشريعية في
ميانمار، وقالت إن هذه الانتخابات، التي تعد خطوة هامة في تاريخ بلد ظل لعقود تحت حكم العسكر، لم تكن ديمقراطية بأتم معنى الكلمة، بما أن
المسلمين الروهينغا حرموا من حقهم في التصويت، وسط تجاهل محلي ودولي لقضيتهم.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن أونغ سان سو كيي، زعيمة الحزب الحاصل على الأغلبية البرلمانية، حائزة على جائزة نوبل للسلام رغم أنها في بلد تضطهد فيه الأقلية المسلمة، ولم تتخذ أي موقف مدافع عن هؤلاء المضطهدين والمحرومين من حق المواطنة.
وأفادت الصحيفة بأن بين ما 800 ألف ومليون و300 ألف مسلم من الروهينغا يعيشون حاليا في إقليم أراكان غرب
بورما، وسط غالبية بوذية تقدّر 51 مليون نسمة، يمثلون 90 في المئة من الشعب البورمي.
ويقول المؤرخون إن أجداد الروهينغا هم تُجار ومقاتلون من أصول مختلفة، بين عرب ومغول وأتراك وبنغال، كانوا قد اعتنقوا الإسلام في القرن الخامس عشر.
ولكن تسمية الروهينغا في ميانمار مثيرة للجدل، ذلك أن الرواية الرسمية التي تتبناها السلطة تعتبر أن الروهينغا لم يعرف لهم وجود قبل الخمسينيات، وأن ظهورهم في البلاد مع تزامن الاحتلال البريطاني للمنطقة، ما يدعم موقف الحكومة بأنهم مهاجرون غير شرعيين قدموا من بنغلادش.
وذكرت "لوموند" أن الحكومة الدكتاتورية العسكرية وضعت قانونا في سنة 1982، ينص على سحب الجنسية من الروهينغا، كما أنها لم تعترف بهم من ضمن الـ135 مجموعة عرقية بورمية، مدعية أنها لا تعترف إلا بالعرق البورمي الذي كان موجودا قبل الاحتلال البريطاني سنة 1823.
وأضافت الصحيفة بأنه تحت ضغط الدول الغربية والأمم المتحدة؛ قبلت الحكومة سنة 2014، وعلى مضض، بوضع مخطط عمل يقوم على منح الروهينغا الحق بالحصول على وثائق تثبت مواطنيتهم، لكن الإدارة البورمية تتعمد نسبتهم لبنغلادش، لتتملص من تعهداتها بعد ذلك وتعتبرهم مهاجرين غير شرعيين.
وأشارت الصحيفة إلى أن الحكومة البورمية مؤخرا قامت بإلغاء بطاقات الهوية المؤقتة التي أعطيت للأقلية المسلمة هناك، لتحرمهم عمدا من حقهم في التصويت في الانتخابات التشريعية، التي أقيمت في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر.
وقد نشرت اللجنة الأوروبية تقريرا؛ وثّقت فيه معانات مسلمي الروهينغا، قالت فيه إن السلطات تحرمهم من أبسط الحقوق البشرية مثل الغذاء والتعليم والصحة، وقالت أيضا إن منطقة أراكان تعيش توترا حادا بين
البوذيين والأقلية المسلمة هناك، حيث يسيطر البوذيون بالقوة والإرهاب على مقدرات وموارد المسلمين".
وقال التقرير إن الحكومة البوذية تنتهك حقوق الإنسان وتقوم بجرائم ضد الروهينغا، حيث تفرض عليهم قيودا عدة، منها أنهم يمنعون من السفر بدون تصريح من السلطات، كما لا يسمح لهم بالعمل خارج قراهم، ويمنعون أيضا من الزواج بدون إذن مسبق من السلطات، في الوقت الذي يدرس فيه البرلمان البورمي إمكانية إصدار قانون جديد؛ يفرض على الأزواج ممارسة طقوس وعبادات غريبة عن دينهم الإسلامي، حتى يحصلوا على ترخيص بالزواج.
وقالت الصحيفة إن الإرهاب والعنف الذي تمارسه السلطات البورمية، بدعم من رجال الدين البوذيين وأتباعهم، ضد مسلمي الروهينغا، أدى إلى اندلاع أعمال عنف أودت بحياة أكثر من 200 مسلم، وهروب أكثر من 140 ألفا من منازلهم، لينتقلوا للعيش في مخيمات في أوضاع مزرية.
وقد اتهمت منظمة هيومن رايتس واتش السلطات البورمية والجماعات البوذية بإقليم أركان بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بعد هجمات مشتركة قاموا بها ضد أحياء وقرى المسلمين في تشرين الأول/ أكتوبر 2012، بهدف ترهيب الروهينغا وحملهم على مغادرة الإقليم.
وأكدت منظمة هيومن رايتس وتش أن السلطات البورمية شاركت في تدمير مساجد المسلمين، وفي أعمال عنف واعتقالات طالت مسلمي الإقليم، ولم تقف السلطات عند هذا الحد بل منعت وصول المساعدات الإنسانية للفارين من جحيم الأزمة.
وأضافت الصحيفة بأن السلطات البورمية تمارس الإبادة الجماعية ضد الروهينغا، لتضعهم أما خيارين، إما الموت أو الهروب من قمع الآلة العسكرية البورمية، حيث سجّل فرار العديد منهم منذ 1978 ليعيشوا في مخيمات أقيمت لهم في بنغلادش.
وفي ظل ما يعيشه الروهينغا اليوم، أقيمت انتخابات تشريعية، اعتبرت الأمم المتحدة أنها زادت من تهميش الأقليات الدينية في بورما، حيث حرمتهم السلطات من حقهم في التصويت، ومنعتهم حتى من أن ينخرطوا في جمعيات أو أحزاب سياسية، أو حتى أن ينضموا إلى أحزاب قائمة، كما منعت ممثليهم من الترشح لمقاعد برلمانية.
وقالت لوموند إن أزمة الروهينغا لم يتم التطرق لها خلال الحملات الانتخابية للأحزاب البورمية، خوفا من الغالبية البوذية في البلاد، ذلك أن الراهب البوذي المتطرف ويراثو يو مازال ينشر خطابا خطيرا، يحرض فيه على قتل المسلمين.
وفي الختام قالت الصحيفة إن أونغ سان سو كيي، زعيمة الحزب الحاصل على الأغلبية البرلمانية، خيّرت عدم التطرق إلى مسلمي الروهينغا، خوفا من أن تخسر أصوات ناخبيها البوذيين الذي يمثلون أغلبية الناخبين، في الوقت الذي صرّح فيه حزبها بأنه سينظر في وضعية الروهينغا منزوعي الجنسية.