علق الكاتب روبرت فيسك في صحيفة "إندبندنت" على تصريحات الدول الغربية من أن "
الحضارة" الغربية كفيلة في النهاية بهزيمة
تنظيم الدولة، مشيرا إلى أن التاريخ يشير إلى أمر مخالف لذلك.
ويبدأ فيسك بالقول إن "هتلر، الذي كان شريرا، وقدم مثالا سيئا، وكان نظامه شيطانيا، ولكن الرايخ الألماني دمر، وانتهت النازية، وقتل الفوهرر نفسه في رماد الكابوس الأوروبي الذي خلقه. وانتصرت في النهاية الديمقراطية وحقوق الإنسان، وانتصر الأخيار، فيما خسر الأشرار. فقد علمت الحرب الثانية الغرب أن الخير ينتصر في النهاية على الشر، وهو ما تدرسه كتب التاريخ والأديان، التي تعلم الحب والتواضع والإيمان والتمسك بالعائلة. وإذا كان هذا هو الحال، فلماذا لا نتمسك بالمبدأ الأساسي، أيا كنا ليبراليين أو لا أدريين، القائل إن العنف والتعذيب والوحشية لن تنتصر على قوة وشجاعة الحق؟".
ويضيف الكاتب أن "تنظيم الدولة هو كيان شرير يذبح معارضيه، ويقتل المدنيين، ويقطع رؤوس الأبرياء، ويغتصب الأطفال ويستعبد النساء. وهو تنظيم تخريبي، ولهذا، وبحسب ما يقول الأمريكيون، فإنه سينتهي. وكانت رسالة وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر، الذي انتقد القوات
العراقية التي قامت بالهروب أمام تقدم مقاتلي التنظيم واضحة، وهو يحاضر على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ولم أكن أصدق سذاجته، حيث كانت رسالته هوليوودية بشكل واضح (الحضارة تنتصر دائما على
البربرية)".
ويتساءل فيسك قائلا: "هل هذا هو الواقع؟"، ويعود الكاتب إلى ما بدأ به بالحديث عن هتلر، الذي هُزم، لكن حليف الغرب ستالين انتصر. فالثورة البلشفية عام 1917 أدت إلى ولادة الديكتاتورية والجوع الجماعي، الذي أدى إلى مقتل الملايين والبربرية، وحكم شرق أوروبا لمدة 70 عاما.
ويشير المقال، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الرومان أبعدوا "البرابرة" عن مناطقهم مدة ألف عام، لكن القبائل القوطية انتصرت في النهاية. مع أن روما البربرية المعروفة بالصلب والتعذيب والذبح، وما يفعله تنظيم الدولة الآن كله، باستثناء صور الفيديو، كانت هي المنتصرة لألف عام.
وتذكر الصحيفة أن أتيلا الهوني قد دمر كل شيء يقع ما بين بلاد فارس والبحر المتوسط. وظل جنكيز خان يتقدم بالقتل لمدة ثلاث سنوات ما بين 1227-1230، وهي مدة أطول مما يفعله تنظيم الدولة حتى الآن. ودمر حفيده هولاكو بغداد، مع أن الجنرال البريطاني أنغوس مود استعاد ذاكرته عندما دخل بغداد عام 1917، وجلب معه "الحضارة" إلى بلاد الرافدين.
ودعا فيسك كارتر إلى قراءة بيانات الجنرال مود لأهل بغداد "منذ أيام هولاكو، حكم السكان ديكتاتوريون غرباء، وانهارت قصوركم، وأصبحت خرابا، وأصبحت حدائقكم يبابا، فيما آن أجدادكم وأنتم تألمتم من ألم القيد"، ويرى الكاتب أنه كلام يشبه ما يتحدث عنه تنظيم الدولة. ولكن مود يرى أن الطغيان استمر 700 سنة، أي من هولاكو حتى نهاية الدولة العثمانية.
ويدعو فيسك القارئ إلى قراءة ما حدث، بعد "أن جلبنا الحضارة مرة أخرى إلى بغداد، عندما غزونا وبطريقة غير قانونية العراق عام 2003".
ويقول الكاتب: "فما بين الزيارات للمشرحة وخيام العزاء كان السكان الغاضبون يقولون لنا إن الحرية التي جلبناها لهم أدت إلى الفوضى. فمع أنهم كرهوا صدام حسين، الذي ذبح معارضيه، وفرض عليهم 24 عاما من (البربرية)، لكنه أعطاهم على الاقل الأمن. وقالوا لنا لو كان لديكم أطفال فهل تريدون عودتهم من المدرسة سالمين أم تريدون عودتهم مقتولين؟. فأيهما تفضل الحرية الامن؟ الديمقراطية أم صدام؟".
ويفيد فيسك بأن مئات الآلاف من العرب السنة الخائفين من الحكومة العراقية، التي يسيطر عليها الشيعة، ومن قيام المليشيات الشيعية بذبحهم، ومن الديكتاتوريين العرب الذين قمعوهم، قد وجدوا على ما يبدو الأمن في ظل تنظيم الدولة.
ويبين الكاتب أنه لا توجد حرية بالمعنى الذي نعرفه، ولكن السنة العراقيين في بيروت يسافرون بشكل منتظم إلى مناطق تنظيم الدولة في الرقة، حيث لا يتعرض لهم أحد، ويتركون لممارسة أعمالهم، وزيارة عائلاتهم، والسفر بحرية، طالما أنهم لا يدخنون أو يتعاطون المسكرات وزوجاتهم ملتزمات بالحجاب، وهو ما طبقته حركة طالبان في أفغانستان ذاته.
ويشير فيسك إلى أن التنظيم أصدر بطاقات هوية، ولدى حرس الأنهار قوارب جديدة، ويتم جمع الضرائب، ويقول: "نعم العقوبات بربرية، ولكن هذا لا يعني قيام (الخلافة الإسلامية) بغزو الحضارة".
ويتساءل الكاتب هنا عن صدق رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الذي يتحدث عن القيم البريطانية، وفي الوقت ذاته يعبد المال القادم من دول النفط. وينتقد كعادته السعودية، ويقول إنها تعتقل خلايا تنظيم الدولة النائمة في السعودية. لكنها، أي السعودية، تخوض حربا ضد الحوثيين في اليمن. ويكتب بسخرية عن محاولات كاميرون وكارتر استعادة كلمات الحضارة والقيم البريطانية، وفي الوقت ذاته يدعمان قوى غير حضارية.
ويختم فيسك بالإشارة بكلام ساخر إلى أنه لا يستبعد لاحقا من قيامه الغرب بتقسيم تنظيم الدولة إلى متشددين ومعتدلين. وعندها يمكن التعامل مع الجناح الليبرالي في تنظيم الدولة، وعقد صفقات معه، وهذا كله باسم الحضارة وقتال البربرية.