نشرت صحيفة "لكسبرس" الفرنسية، تقريرا حول استراتيجية
تنظيم الدولة، بين مركزية اتخاذ القرار ولا مركزية التنفيذ، تحدثت فيه عن توسع تهديدات التنظيم خارج مناطق سيطرته، ونقلت فيه آراء المؤرخ المختص في تاريخ الشرق الأوسط، جون بيار فيليو، الذي قام بتحليل هذه الاستراتيجية التي تستغل أخطاء ونقاط ضعف الدول الغربية لتحقق النجاحات.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن تنظيم الدولة تبنى بشكل رسمي الهجمات الأخيرة على سوسة والكويت، وقال إنها تأتي بمناسبة مرور سنة على إعلان "
أبو بكر البغدادي" خليفة لما يعدّونه "دولة الخلافة الإسلامية" في الموصل. فيما لم يتبنَّ التنظيم إلى حد الآن الهجوم الذي شهدته فرنسا بشكل متزامن مع الهجمات الأخرى.
وذكرت أن الهجمات التي استهدفت
تونس والكويت، الجمعة الماضي، وليبيا واليمن والسعودية قبل ذلك، يهدف تنظيم الدولة من خلالها لبث الرعب بين سكان هذه البلدان، وإعلان وجوده بشكل أقوى وأكثر قسوة من التنظيم المسلح المنافس في هذه المناطق، وهو تنظيم القاعدة.
وأضافت أن الهجوم الذي شهده مصنع للمواد الكيميائية في فرنسا يوم الجمعة الماضي؛ قد يشهده مستقبلا مركز تجاري أو مدرسة، "فخيال التنظيم لا حدود له، ولا تستطيع أي دولة التصدي لجميع التهديدات المحتملة، إلا إذا ما أصبحت دولة بوليسية، وقامت بمصادرة حقوق المواطنين في سبيل توفير الأمن، وحتى في هذه الحالة، فإن التنظيم سيستغل انتهاك الحريات الشخصية لتأليب بعض الغاضبين على الدولة".
لذلك؛ فقد اعتبرت الصحيفة أن الحل قد يتمثل في التوقف عن السعي للتصدي لكل عملية إرهابية على حدة، والبدء في وضع خطة شاملة تسمح للحكومات دائما باستباق خطوات التنظيم، "بما أن قوته تكمن أساسا في قدرته على استغلال أخطاء ونقاط ضعف أعدائه، وتحقيق عنصر المفاجأة".
وبحسب الصحيفة؛ فإن تنظيم الدولة هو مجموعة من الشبكات المترابطة، ذات التسلسل الهرمي للقيادة، فهناك دائما من يعطي الأوامر في جميع مناطق سيطرته، والذي يكون عادة على اتصال بالقيادات المركزية في
سوريا والعراق، والمبدأ الأساس للتنظيم هو "مركزية اتخاذ القرار ولامركزية التنفيذ"، وهو ما يترك المجال للأفراد والمجموعات المسلحة المبايعة للتنظيم، في كل أنحاء العالم، للارتجال وتطبيق مخططاته بأي طريقة متاحة لهم.
وتابعت: "لذلك؛ فإن
خطر التنظيم بات يتجاوز الرقعة الجغرافية المحدودة التي يسيطر عليها بين سوريا والعراق، وقد وصل بالفعل للكثير من الدول الأوروبية، من خلال القيام بعمليات مسلحة، إضافة إلى عمليات تجنيد المقاتلين، الذين يقدر عددهم بخمسة آلاف مقاتل منتشرين بين سوريا والعراق، من مختلف الجنسيات الأوروبية".
وقالت إن الولايات المتحدة مسؤولة عن تنامي هذا الخطر الذي يترصد الدول الأوروبية، وذلك بسبب غزوها
العراق في سنة 2003، وظهور المجموعات المسلحة التي شنت عدة هجمات على الدول المشاركة في الغزو، مثل هجمات مدريد في آذار/ مارس 2004، وهجمات
لندن في تموز/ يوليو 2005.
وأضافت أن تغاضي الولايات المتحدة عن تواجد هذه المجموعات على اختلاف أهدافها، ومراهنة الرئيس الأمريكي على "الجيوش الوطنية" في دول الشرق الأوسط، بينما يعلم الجميع أن هذه الجيوش لا هم لها سوى الدفاع عن الأنظمة الاستبدادية القائمة؛ ساهم في تزايد قوة هذه المجموعات.
وأشارت إلى ما فعله الجيش العراقي في معركة الموصل ضد تنظيم الدولة، في حزيران/ يونيو 2015، عندما انسحب بشكل غير منظم، رغم أن عدد مقاتليه كان يفوق التنظيم بعشرات الأضعاف، تاركا وراءه ما قيمته مليارات الدولارات من العتاد والأسلحة، التي قدمتها الولايات المتحدة كمساعدات للجيش العراقي، منها ما يقارب الألفي "هامفي"، وهي العربات المصفحة التي أصبحت فيما بعد عنصرا أساسيا في جميع هجمات التنظيم.
وانتقدت الصحيفة تردد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بعد مرور أكثر من شهرين على سقوط الموصل وإعلان التنظيم عن دولته، ليعلن بعد ذلك عن تكوين تحالف دولي ضد تنظيم الدولة تقتصر مهمته على توجيه ضربات جوية دون التدخل على أرض المعركة.
وأضافت الصحيفة أن التنسيق الجاري بين قوات الأسد وإيران من جهة، وبين التحالف الدولي من جهة أخرى، لتنسيق الضربات الجوية والتحركات الميدانية ضد تنظيم الدولة في سوريا والعراق؛ كان نفعه أكثر من ضرره للتنظيم، حيث قام باستغلال ذلك للترويج للطائفية في البلاد، عبر اتهام الغرب بمساعدة الأكراد ضد العرب، وتوفير الدعم للشيعة ضد السنة، لينجح بذلك في تجنيد أعداد كبيرة من الشباب السني.
وذهبت إلى أن نظام الأسد لا يمثل خطرا حقيقيا ضد تنظيم الدولة، فقد وجه أقل من 10 بالمئة من ضرباته العسكرية ضد التنظيم، بينما كانت بقية الضربات موجهة ضد الجيش الحر والمجموعات الثورية، حيث يعمل الجانبان (نظام الأسد وتنظيم الدولة) على تركيز ضرباتهما ضد تحالف قوى الثورة، وقد شهدت المعارك الميدانية عدة ضربات مشتركة ضد عدوهما المشترك، وهو القوى الثورية المعتدلة.
وأكدت أن تحالف القوى الثورية المعتدلة في سوريا؛ هو الطرف الوحيد القادر على إنهاء الخلافات الطائفية في المنطقة، بين العرب والأكراد، وبين الشيعة والسنة، "ولذلك يجب توفير الدعم العاجل له لطرد مقاتلي تنظيم الدولة من محافظة الرقة، كبداية لإنهاء تواجده في سوريا".
وفي الختام؛ قالت "لكسبرس"، إنه بينما يخطط تنظيم الدولة لعمليات كبرى في الدول الأوروبية لدفعها للتدخل العسكري الميداني في مناطق التنظيم، مثلما حدث سنة 2003؛ فإن الدول الغربية تصر على عدم الدفع بجنودها على الأرض، والاكتفاء بالحديث عن توفير الدعم للدول المتضررة، مثل تونس، التي يمثل نجاح الانتقال الديمقراطي فيها كابوسا بالنسبة للتنظيم.