فريق من يدَّعون المقاومة والممانعة، ومن يبيعون هذا الوهم إلى الشعوب العربية، والذين نجحوا في السابق في الضحك على شعوبنا، يبدو أنهم الآن وصلوا إلى درجة من إفلاس أخلاقي، فقد انكشفت ألاعيبهم، وسقطت أقنعتهم؛ ففي زمن الثورات التي قامت في بعض الدول العربية انكشف معدن هؤلاء.
فالمبادئ، يا هؤلاء، لا تتجزأ إذا كنتم تقفون مع حق الشعوب في الحرية والعدالة والحياة الكريمة. الشعب السوري عبر وبطريقة سلمية مطالبا بهذه الحقوق، واستمر في ذلك مدة تزيد على العام، وبسبب وحشية نظام الأسد، انزلقت البلاد إلى مشهد دموي، وأصبحت مرتعا للتنظيمات الإرهابية، بسبب إرهابية النظام ذاته.
أين كان هؤلاء وقت سلمية الثورة السورية بالتعبير والوقوف إلى جانب تلك المطالب، أو على الأقل تقديم النصيحة للنظام السوري الذي يساندونه بأن يقدم تنازلات حقيقة تجنب البلاد الوصول إلى ما وصلت إليه الآن؟
لقد سكتوا، بل إن بعضهم برر بأن ما يفعله النظام هو من المقاومة والممانعة ضد القوى الاستعمارية وإسرائيل، وكلنا يعرف أن نظام الأسد الأب والابن كان الحارس الأمين على جبهة الجولان، وهذه الجبهة -كما هو معروف للجميع- هي طريق المقاومة الحقيقية، ويملك النظام السوري مشروعية وطنية وسياسية لاستعادتها، لكن كانت قوات الجيش السوري تعبث في مناطق عربية، كما حدث في لبنان، الذي أطبقت على أنفاس شعب لبنان لمدة قاربت 30 عاما، وخرجت منه بشكل مهين وذليل.
أتفهم أن يكذب علينا بعض السياسيين من بعض الدول العربية، بوقوفهم إلى جانب نظام بشار الأسد، كما يفعل حسن نصر الله، ويطل علينا من شاشات التلفزيون مبرراً ومحللاً انحياز حزبه إلى جانب هذا النظام الدموي، فهو يعرف -وعلى قناعة تامة- أن سقوط نظام الأسد هو بالنهاية سقوط لحزبه وأسطوانته المشروخة بخطاب ممانعة ومقاومة مخضب بدماء أبناء الشعب السوري، ولكن المصيبة والمستفز -باعتقادي- هو ما تناقلته وسائل الإعلام أخيرا عن الإعلامية التونسية كوثر
البشراوي، في مقابلة لها على إحدى القنوات التلفزيونية السورية من تقبيل "بسطار جندي سوري".
كلنا يعرف أن الإعلاميين والصحافيين يجب أن يكونوا على درجة من الحيادية في الموضوعات المطروحة، أو على الأقل أن يكونوا منطقيين وعقلانيين في طرحهم للقضايا التي يؤيدونها أو يعارضونها.
أما ما فعلته كوثر البشراوي، فهو إفلاس وانحطاط لم تحترم على الأقل الأمهات اللاتي فقدن أطفالهن وأزواجهن على أيدي قوات النظام السوري، وقد اختزلت تحرير سورية من شعبها من المؤامرة الكونية التي تتعرض لها كما تدَّعي في تلك الفردة من ذلك الحذاء، ويمكن أن أطلق عليه أنها مقاومة «تقبيل
الجزم»، وهذا يبدو آخر أسلحة قوى الممانعة والمقاومة، وهنيئا لهم بهذا السلاح.
قد لا أستغرب أن يخرج علينا أحد مؤيديهم بتقبيل عمامة أو جلباب سماحة السيد أو نظارة الرئيس مستقبلا، فهذه أسلحتهم المتبقية، لقد خلص "الحكي" لديهم، وبدأنا بمقاومة التقبيل، الذي قد يصور لنا حالتهم البائسة في خطابهم السياسي والإعلامي.
كوثر البشراوي، يبدو أن تقبليها لـ"بسطار جندي" النظام السوري يأتي معبرا عن حالتها النفسية؛ إذ لا يمكن أن يعيشوا دون أضواء وفلاشات، وهي التي تعودت عليها، فهي بمثل هذه الحركة تريد الفرقعة الإعلامية، والعودة إلى الأضواء، ولكن بئس هذه الحركة التي لم تحترم قتلى الشعب السوري الذين نُحروا على يد من تقبل جزمهم.
(نقلا عن صحيفة الحياة اللندنية)