في تصريح لمدير مركز العمليات الموحد (911) في مكة المكرمة، العقيد علي الغامدي، نشرته إحدى الصحف المحلية الأسبوع الماضي، على خلفية تداول مقاطع صوتية مع المركز في وسائل التواصل الاجتماعي، أكد فيه صدقية هذه المعلومة، وذكر أنه في حال ورود مثل هذه البلاغات فهي تحال إلى دوريات الأمن؛ لمباشرتها إذا كانت لا تزال قائمة، أما إذا بلّغ المتصل عن امرأة تقود مركبة فإنها تحال إلى جهة الاختصاص، وهي المرور.
مثل هذا الخبر يستفز بعضنا ويثير الاستغراب، فكم عانينا -كمجتمع- مِمَّنْ يسمون أنفسهم «محتسبين» في مناح كثيرة من حياتنا في سنوات طويلة، ونصّبوا أنفسهم أوصياء على المجتمع.
فإن فكرت أو تحدثت أو لبست بشكل مختلف فإنهم لك بالمرصاد، مرات باسم الدين وتفسيره الحرفي لهم، ومرات أخرى باسم الخصوصية المحلية، التي للأسف تستخدم لقمع المختلف معهم، ولكن سلاحهم هو الخلط بين مفاهيم دينية وعادات اجتماعية، هذه الضغوط الاجتماعية أوجدت إنسانا متعدد الشخصيات، فهو في بيته أو خلف الجدران يعيش بشخصيته الحقيقية، وعندما يخرج إلى الفضاء العام تنقلب شخصيته وتصرفاته وملبسه، كل ذلك لإرضاء الآخرين، وكم كنا نسمع ولا نزال ونشاهد في بعض الأعمال التلفزيونية أن الطائرات المغادرة من بلادنا وبعد إقلاعها بدقائق يتغيّر شكل النساء فيها من السواد المطبق إلى الشكل الطبيعي للمرأة في أي رقعة بالعالم، فهي تكون ذاتها من دون مؤثرات اجتماعية، والعكس على الرحلات القادمة إلى بلادنا تنقلب الحال في الاتجاه المعاكس.
مثل هذه الظواهر تدل على أننا نفرض على أنفسنا أشكالا من الأنماط السلوكية، مثل كيف تلبس المرأة في مجتمعنا، لا خلاف لديّ إذا كانت هذه قناعات البعض فعلينا احترامها وهذا حق مشروع لها لأسباب دينية هي تعتقد فيها، ولكن الخطورة في مثل هذا التوجه الرسمي من مركز العمليات الأمنية هو أنه يخلق حالة من مراقبة المجتمع لذاته في قضايا خلافية، وكأننا ننشد المجتمع الملائكي، وأننا بشر لنا حرياتنا الشخصية التي يجب أن تحترم إذا لم يكن هناك اعتداء على حريات الآخرين، وهناك قضية أخرى قد يستغلها البعض من ضعاف النفوس لدينا في قضايا ابتزاز المرأة والتحرش بها واستغلالها في بعض الحالات، ويكون رد الفعل من البعض الاتصال على هذه الجهات الرسمية ليس خوفا على شكل مظهرها، بل للانتقام منها.
إن شكل لباس الإنسان -خصوصا المرأة- يجب ألا يكون عرضة لهذه المزايدات، وإذا كنا جادين في أن تخرج المرأة محتشمة بالمفهوم المجتمعي المقبول، فيجب أن يكون الأساس في ذلك هو القناعة لدى المرأة أو بعضهن، وليس بالفرض والقسر، فعلينا عدم الاهتمام بالشكل الخارجي وترك الداخل متمردا بسبب مثل هذه الضغوط، وكلنا نقرأ في الغرب ومنع بعض دوله النقاب أن بعض الجاليات المسلمة هناك تفرض النقاب على بناتها، وهذا يتعارض مع قيم تلك المجتمعات؛ لذا علينا ألا نقدم الدليل في الداخل الإسلامي من خلال مأسسة مثل هذه القضية.
نقطة أخيرة، استغل الدواعش والإرهابيون أدوات الحشمة، وأظهرتها صور أوكارهم المنشورة في الإعلام. هذه نظرة بسيطة وساذجة لبعضنا في تقديس الشكل الخارجي.