في مجتمعنا لا يمر يوم إلا ونسمع من ينادي بافتتاح فروع نسائية للجهات الحكومية في جميع مناطق المملكة، آخرها ما قرأته عن إنشاء فروع للأحوال المدنية في بعض مناطق المملكة، وأنا أتساءل كم يكلف مثل هذا التوجه المستمر من كلفة مرتفعة ومرهقة لموازنة الدولة؟ والسبب هو منع الاختلاط، وكأننا مجتمع من الوحوش ولسنا بشرا مثل بقية المجتمعات الأخرى، بل إن الداعين إلى العزل الاجتماعي كل يوم نسمع لهم مطالب عجيبة غريبة، وآخرها ما قرأته من مطالبات من فصل ممشى بين الرجال والنساء في منطقة الباحة، أي أننا بحاجة إلى إنشاء ممشى آخر حتى تتحقق هذه الرؤية الضيقة من بعضنا وتفسيرهم الملتبس بين الدين والعادات الاجتماعية.
كما أن هناك مطالبات دائمة بإنشاء مستشفيات خاصة بالنساء وأسواق مماثلة لهذا المفهوم، إلا أنها لحسن الحظ فشلت في أغلب مدننا؛ لأنها ضد الطبيعة البشرية على مر العصور، لكنها خصوصية سعودية أوجدها البعض منا ولا يزالون يدافعون عنها وتكلفنا بليونات الريالات لتحقيق هذه الرغبات غير الطبيعية، خصوصا أننا نمر بظروف اقتصادية صعبة تحتم علينا إيجاد حلول واقعية وعملية، ومنها عدم المضي قدما في إنشاء فروع نسائية للمصالح الحكومية في مناطق المملكة، إلا إذا كان الهدف من ذلك هو إيجاد فرص وظيفية للنساء في تلك المناطق، وهي التفافة عجيبة ستخلق جيشا من الموظفين الحكوميين، وما يترتب على ذلك من مصاريف إيجارات مقرات لتلك المصالح الحكومية النسائية.
قد يكون إيجاد أقسام نسائية في تلك المؤسسات الحكومية هو الحل مع وجود ضوابط محددة تحمي النساء العاملات والمراجعات من أي صعوبات يواجهنها، وليس الحل في إنشاء آلاف المدارس، لاسيما في المراحل المبكرة للبنات وأخرى للأولاد، أو حتى جامعات تمنع الاختلاط بين الجنسيين، وكأننا لا نثق بشباننا وشاباتنا وهم في قمة نضجهم الفكري، وتصوير المرأة وكأنها فريسة عليهم اقتناصها.
لن أتطرق إلى النظرة الدونية والغريبة بين الرجل والمرأة في مجتمعنا نتيجة لهذا القسر الاجتماعي، وكأننا نعيش في مجتمعين مختلفين، أحدهما نسائي، والآخر رجالي، وما ينتج من ذلك من سلوكيات اجتماعية مريضة، ونحن للأسف ندور ونحاول أن نشخص المشكلة ولكننا لا نتطرق إلى أصل المشكلة وهي هذا الفصل المقارب للشكل العنصري للأسف في مجتمعنا، خذ مثلا بعض التسريبات عن مترو الرياض وأنه ستكون هناك عربات للنساء وأخرى للرجال، وكذلك منع النساء من الحضور للملاعب الرياضية كل ذلك بداعي عدم الاختلاط.
كم خسرنا اقتصاديا واجتماعيا لمثل هذه التوجهات، بل إنني قرأت لأحد مديري الشركات الأجنبية المقبلة على الاستثمار في مجال الترفيه لدينا، أن مشروعه الترفيهي سيراعي العادات والتقاليد المحلية، ولكنه لم يذكر لنا كم سيكلف هذا التكييف اقتصاديا لجعل مشروعه يتماشى مع عادات المجتمع المحلي.
أكثر ما أخافه أنه في حال إقرار حق المرأة بقيادة السيارة أن تصمم مدننا بشوارع للنساء وأخرى للرجال، وشر البلية ما يضحك، ويكلف اقتصاديا في دولة تعاني اقتصاديا في الوقت الحاضر، وكم أتمنى أن تكون هناك دراسات اقتصادية جادة لمعرفة كلفة هذا السلوك بالأرقام والحقائق العلمية.