دعا بيان صادر عن قمة دول الساحل الأفريقي الخمس (تشاد، مالي، النيجر، بوركينا فاسو، السنغال)، بالعاصمة الموريتانية نواكشوط الجمعة، مجلس الأمن الدولي "لتشكيل قوة دولية، بالاتفاق مع الاتحاد الإفريقي، للقضاء على الجماعات المسلحة والمساعدة في المصالحة الوطنية وإقامة مؤسسات ديمقراطية مستقرة" في
ليبيا.
وكانت مالي وتشاد والسنغال قبل يومين طالبت هي الأخرى، من العاصمة السنغالية داكار، الأمم المتحدة والناتو بالتدخل عسكريا في ليبيا للحد من نشاط الجماعات المسلحة بجنوب ليبيا، التي تعتبرها دول جوار ليبيا الأفريقية مصدر تهديد أمني.
وبحسب ما جاء بموقع صحيفة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية في تقرير لها الجمعة فإن اجتماع نواكشوط من تدبير باريس ودعم أمريكي عقب عملية "سيرفال"، التي نفذتها
فرنسا في مالي سنة 2013، حيث يهدف الاجتماع إلى ضمان تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول الخمس والتخطيط للعمليات العسكرية وتشكيل قوات مشتركة.
وتدور الدول الأفريقية الخمس التي طالبت بالتدخل عسكريا بليبيا في الفلك الفرنسي، بحكم التاريخ الاستعماري والعلاقات الاقتصادية والسياسية القائمة على التبعية، وهو ما يفسر موقفها المخالف لما درجت عليه هذه الدول من رفض التدخل الأجنبي في شؤون بلدانها، كونها بلدان ضعيفة مؤسساتيا وعرضة للتقلبات السياسية والاقتصادية، حتى إن هذه البلدان الأفريقية ذاتها كانت ترفض التدخل عسكريا في ليبيا، خشية أن تتخذ الدول الكبرى القرارات الأممية مطية للإطاحة بأنظمة الحكم فيها.
ويورد بعض المراقبين الليبيين تفسيرا آخر لهذا الاندفاع الأفريقي نحو التدخل المسلح في الشأن الليبي، إذ تملك ليبيا من أيام نظام معمر القذافي استثمارات بمليارات الدولارات، في قطاع السياحة والاتصالات والنفط، وتهدف هذه الدول في حالة التدخل العسكري في ليبيا وتوجيه ضربات إلى انهيار كامل الدولة لليبية، ومن ثم إمكانية التلاعب بهذه الاستثمارات أو تأميمها، حيث تمنحها الحرب الوقت الكافي لإعادة جدولة هذه الاستثمارات.
إلا أن المراقبين يقولون إن استخدام فرنسا لهذه الدول في تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية من خلال البوابة الليبية الجنوبية هو الدافع الأكبر وراء تحرك هذه الدول، حيث إن فرنسا تقصر اهتمامها على الجنوب الليبي، الذي كان تحت سيطرتها قبل الاستقلال أوائل خمسينات القرن الماضي.
وما يهم فرنسا في الجنوب الليبي هو السيطرة على منافذ التهريب والتحكم فيها، بحيث تستطيع التحكم في شبكات تهريب السلاح والمخدرات والهجرة غير الشرعية، وتجفيف منابع تمويل الجماعات المسلحة التي تزداد في العمق الأفريقي من خلال الجنوب الليبي.
ويقول محللون إن صانع القرار الفرنسي لا يمكنه تجاهل الاستثمارات الهائلة في مجال النفط والطاقة واستخراج المعادن والمواد الأولية التي يحظى بها جنوب ليبيا، كأحد المصادر الهامة للاقتصاد الفرنسي حال خضوعه للهيمنة الفرنسية بحجة الحرب على الإرهاب.
لكن هل ستستطيع فرنسا توظيف الدول الأفريقية المجاورة لليبيا والدائرة في فلكها في السيطرة على الجنوب الليبي، مقابل صفقات متبادلة بين فرنسا وهذه الدول؟ يرى بعض المحللين أن المشروع الفرنسي في ليبيا يصطدم كثيرا بمشارع غربية أخرى، كالمشروع الأمريكي القائم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على محاربة الإرهاب واستقرار الأوضاع في المنطقة.
وترى الولايات المتحدة أن خطر الجماعات المتشددة بليبيا يمكن احتواؤه بدون تدخل عسكري غربي يفاقم من خطورتها في منطقة شاسعة لا يمكن ضبط حدودها، خاصة أن دول طوق ليبيا الأفريقي منها والعربي يواجه كثيرا من المشاكل الداخلية التي تصعّب كثيرا من إمكانية مساندة هذه الدول لأي عملية عسكرية محتملة.
فرنسا تحاول تحقيق طموحات امتدادها في العمق الأفريقي والهيمنة على الجنوب الليبي من بوابة التدخل العسكري الغربي أو الأفريقي تحت مظلة قرارات دولية، وهو ما تراه الولايات المتحدة وبريطانيا مغامرة كبيرة يصعب الرهان عليه في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها المنطقة برمتها.
لا شك أن الاتحاد الأفريقي والمؤسسات المنبثقة عنه المعنية بشؤون الاتحاد أضعف من أن يتخذ قرارا بشأن التدخل في ليبيا عسكريا، إلا أن المطالبة بهذا التدخل قد يضاف كورقة إذا ما تم تقرير التدخل عسكريا في ليبيا، فكل الخيارات مفتوحة في بلد أصبح الانهيار عنوانا رئيسا لكل مؤسساته السياسية والأمنية.