ملفات وتقارير

صورة "نعيمة" المختطفة تفتح ملف تجارة البشر في ليبيا.. عربي21 كانت هناك

العصابة طلبت من عائلة "نعيمة" 6 آلاف دولار كفدية- جيتي
العصابة طلبت من عائلة "نعيمة" 6 آلاف دولار كفدية- جيتي
شكلت صور المهاجرين المختطفين في مدينة الكفرة جنوب شرقي ليبيا، صدمة حول الاتجار بالبشر، خصوصا بعد طلب الخاطفين فديات من أهالي المختطفين.

وتصدرت صورة نعيمة جمال، البالغة من العمر 20 عاماً، من مدينة أوروميا بإثيوبيا، وهي مقيدة بحبل ومعصوبة الفم، مواقع المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام ومنصات السوشيال ميديا في بلدها.

كما تكشف الصورة خلفها قرابة 50 من المهاجرين، جالسين على الأرض برؤوس مخفية بين أرجلهم.

وبحسب منظمة "ميديتيرانيا سايفينج هيومن"، فقد اختطفت نعيمة بعد وقت قصير من وصولها إلى ليبيا في منتصف العام الماضي، حيث تطالب عصابة من تجار البشر في الكفرة 6 آلاف دولار أمريكي لقاء إطلاق سراحها.

وقالت المنظمة إن العصابة أرسلت مقطع فيديو يظهر نعيمة وهي تتعرض للتعذيب، مع تهديدات قاسية مطالبة بدفع الفدية.



وتعد ليبيا محطة للآلاف من المهاجرين الأفارقة الذين يرغبون في الوصول إلى السواحل الأوروبية هرباً من الفقر والصراعات.

وبينت المنظمة: "يمارس المتاجرون نشاطهم علانية، بفضل الإفلات من العقاب وتواطؤ الأنظمة التي تغض الطرف عن هذا الرعب"، مؤكدا أن "تجارة الرقيق مستمرة بصوت عال ودون انقطاع".



"عربي21" التقت بعدد من ضحايا الاتجار في البشر بعدة مدن ليبية، ومن مختلف الجنسيات، رووا قصصا مرعبة عن ما لاقوه في رحلة الهجرة إلى أوروبا، التي لم تنجح بعد.

يصل المهاجرون غير الشرعيين ليبيا من أفريقيا إلى مدينة الكفرة كأول محطة، ومن هناك ينطلقون إلى المدن الساحلية وعادة الغربية منها، حيث تنطلق الرحلات إلى أوروبا.

اظهار أخبار متعلقة



عمال قسريا
يذكر الناشط الليبي "قيس" الطشاني، الذي رفض استخدام اسمه الأول الحقيقي خوفا من الملاحقة، أن شبكات التهريب التي توصل المهاجرين إلى الشرق الليبي يتكون جلها من عناصر في القوات المسلحة التابعة لخليفة حفتر، ثم يوزعون على عصابات الاتجار بالبشر، والذين عادة ما يكون زعماؤها على علاقة وثيقة بقوات حفتر.

ويكشف الطشاني أن بعض المهاجرين يجبرون على العمل قسرا في بعض المعسكرات، كما يحدث في مقر تابع لكتيبة طارق بن زياد في "شارع المفاتيح ببنغازي"، إذ يجبر كل من يعتقل من المهاجرين ويدخل لذلك المقر المخيف على العمل في التنظيف والبناء، وربما قد يؤخذ لمزارع خارج المدينة، وكل ذلك دون أجر.

وعن المشاهد المعروضة للمهاجرين الإثيوبيين، يقول الطشاني إنها على الأرجح في أطراف الكفرة، حيث تتسلم عصابات التهريب قوافل المهاجرين في تلك النقطة، ثم ينقلون إلى طبرق وبنغازي.

اختطاف "شبه رسمي"

يقول زيدان شفيع، (31) عاما، إنه تعرض للاختطاف في مدينة الزاوية خلال رحلة لجوئه إلى أوروبا، حيث بقي هناك أكثر من شهرين حتى دفع ذووه الفدية.

سلك شفيع الطريق الأكثر شيوعا نحو أوروبا، البحر، حيث تستغرق الرحلة 8 - 12 ساعة للوصول، إلا أن الحظ لم يحالفه، فقد اعترض الخفر الليبي القارب واقتادهم إلى الساحل، هناك سلم من جهة لأخرى، حتى وجد نفسه في مخزن كبير يضم حوالي 200 مهاجر جلهم من أفريقيا.

يضيف شفيع، "لم يكن الأمر عفويا، بل مرتبا مسبقا، يعني أن رحلتنا بيعت لخفر السواحل، ومن ثم تم بيعنا حتى وصلنا إلى السجن خارج الزاوية، هناك حيث عشت ما يمكن وصفه بأسوأ أيام حياتي".

دفعت عائلة شفيع 3 آلاف دولار مقابل حريته، فيما بقي آخرون يقبعون هناك، وربما قد يستخدمون لأشغال شاقة، بحسب شفيع.



سجون "رسمية"
لم تكن هذه القصة الوحيدة، فهناك العشرات غيرها، إلا أن أصحابها يرفضون الظهور للعلن خوفا من الانتقام، مثل محمد زينو شاب سوري، عاش تجربة مماثلة، بعد وصوله إلى مدينة زواره، أكثر المدن التي تنطلق منها قوارب المهاجرين غير الشرعيين نحو إيطاليا.

منذ وصوله إلى نقطة التجمع، شعر زينو كما يقول إن الأمر غير طبيعي، وليس كما سمع عن رحلة سهلة، فقد كان المكان مكتظا جدا، والوضع لا يطاق، لهذا رفض الصعود إلى المركب المكتظ بالعشرات، رغم أنه لا يسع سوى لعشرين شخصا، وجزاء على رفضه أعيد إلى المخزن، ثم سلم لشبكة مهربين حبسته أكثر من 45 يوما، حتى دفع أهله 2500 دولار ليخرج حرا.

الأكثر رعبا كانت تلك القصص التي تحدث عنها كثيرون حول وجود سجون رسمية في مختلف المناطق الليبية لا يخرج منها المهاجر غير الشرعي إلا بدفع فدية.

وعن ذلك، يقول عمران نوري، الشاب السوري المنحدر من محافظة درعا، إنه اعتقل خلال رحلة في البحر، وأودع سجن يسمى بئر الغنم، ولم يفرج عنه إلا بفدية مالية.

يقول نوري، "هناك لا يسمح لأحد بالاتصال بأهله إلا لطلب الفدية، وعادة تسلم بمكاتب صيرفة معينةـ وسط أجواء محاطة بالسرية، رغم أن الجميع يعرف ذلك".

اظهار أخبار متعلقة



ليبيا.. قبلة المهاجرين
وتؤكد تقارير المنظمات المعنية بالهجرة غير القانونية، أن ليبيا احتلت المرتبة الأولى في عدد المهاجرين القاصدين إيطاليا منذ بداية العام الجاري.

وقدّرت وكالة نوفا الإيطالية أن ما يقارب من 14 ألفاً و755 مهاجراً غير شرعي وصلوا الشواطئ الإيطالية من ليبيا خلال النصف الأول من عام 2024.

وقال وزير الدولة لشؤون الاتصال في ليبيا، وليد اللافي، في تصريح منتصف العام الماضي، إن "الأرقام الرسمية وغير الرسمية تشير إلى أن أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا عبر ليبيا، أكثر من 40 بالمئة من إجمالي الهجرة عبر البحر المتوسط".

بدوره، قال وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عماد الطرابلسي، إن أعداد المهاجرين الموجودين في ليبيا يصلون لـ 2.5 مليون مهاجر، وتوقع ارتفاع العدد إلى ثلاثة ملايين، وهو ما يشكل ثلث سكان البلاد تقريباً،

وأضاف أن نحو 90 إلى 120 ألف مهاجر يدخلون إلى ليبيا عبر الصحراء شهريا.

كما أوضح الطرابلسي أن بلاده أنفقت قرابة 330 مليون دولار على ملف مكافحة الهجرة خلال العام الماضي، معتبراً أنها خط الدفاع الأول"، إذ إن "أمن أوروبا يبدأ من حدود ليبيا مع دول الساحل والصحراء"، على حد تعبيره.

من جانبه، قال رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة، في تصريح سابق، إن ليبيا وجدت نفسها بين ضغط الرفض الأوروبي للمهاجرين شمالاً والرغبة الأفريقية في الهجرة من الجنوب، مبينا أن ما يعزز مشكلة الهجرة هو "الأزمات التي تعانيها بعض البلدان الأفريقية"، بالإضافة إلى المشكلات التي "تؤرق الدول" الأخرى.
التعليقات (0)