يصل
الأطفال حديثو الولادة إلى هذا العالم وكأنهم غرباء يصلون إلى أرض غريبة، لا يعرفون شيئا عن عادات أو لغة هذا العالم الغامض الجديد، ولكن ما يثير الدهشة والاستغراب أن الأطفال يتعلمون لغة جديدة بالكامل دون بذل جهد كبير، حتى أن بعض الأطفال يتعلمون أكثر من لغة.
تشير الدراسات إلى أن الأطفال يتعلمون اللغات عن طريق التدرب عليها مسبقا في
الدماغ، حيث أظهرت دراسة جديدة تم نشرها في دورية "الأكاديمية الوطنية للعلوم"، بأن دماغ الأطفال يقوم بالتدرب على الحركات التي يتطلبها النطق قبل فترة طويلة من نطق الطفل لكلمة واحدة، وهذا الأمر قد يفسر سبب قيام الأطفال ببعض الأحيان بحركات غريبة، عندما يقوم أحدهم بالتكلم معهم، حيث قد يكون الأطفال في حالة تركيز شديدة في محاولة منهم لفهم الكيفية التي يستطيع بها الفم إنتاج الأصوات.
لمتابعة هذه الفرضية، قام علماء بقيادة باتريسيا كوهل من معهد "التعلم وعلوم الدماغ" في جامعة "واشنطن – سياتل"، باختبار ردود أفعال أدمغة الأطفال أثناء استماعهم للكلمات المنطوقة، وقد استخدم الفريق تقنية تخطيط كهربية الدماغ (MEG)، التي تقوم على قياس الفروق المغناطيسية الدقيقة التي تسببها الاختلافات في نشاط الدماغ، وذلك لمعرفة أي منطقة من مناطق الدماغ تكون فعالة عندما يسمع الأطفال المقاطع اللفظية.
وخلال التجربة، تبين أن المناطق الدماغية التي تلتقط الحركة والمناطق الدماغية المختصة بالسمع، هي المناطق النشطة لدى طفل يبلغ من العمر سبعة أشهر، أما بالنسبة للأطفال الأكبر سنا، فإن الدماغ كان يستجيب بطريقة مختلفة، حيث كانت المناطق السمعية لديهم نشطة جدا، في حين أن المناطق التي تلتقط الحركة كانت أقل نشاطا، وهذا ما يشير إلى أن الصوت أصبح مألوفا لدى الطفل.
بالنتيجة، توصل العلماء لاستنتاج بأن الطفل عندما يبلغ 11 شهرا تصبح أغلب الألفاظ لديه مألوفة، لذلك لا تعود المناطق الحركية في الدماغ بحاجة لأن تعمل بذات الجهد التي كانت تعمل به عندما كان الطفل بعمر أصغر، وما يثبت صحة هذا الاستنتاج بأن الطفل الكبير عندما يسمع لفظا غير موجود في لغته الأم، تعود المناطق الحركية إلى العمل مرة أخرى.
تبدو نتيجة هذه الدراسة منطقية إذا ما قورنت مع ما يعرفه العلماء عن تعلم الأطفال للغة مع مرور الوقت، حيث يبدأ الأطفال أولا بالعموميات، ويلتقطون كل ما يحيط بهم من ألفاظ وأصوات ولغات، ولكن خلال النصف الثاني من السنة الأولى من حياتهم يقوم الأطفال بتركيز قدراتهم العقلية أكثر على اللغة المحكية من حولهم، ولذلك أي لفظة جديدة يسمعها الطفل، تعود به إلى المرحلة الأولى، في محاولة منه لفهم كيف يقوم المتكلم بإصدار لفظة هذه الصوت.
أخيرا، تجدر الإشارة إلى أن الدراسات التي تكشف عن الطرق الغامضة التي يقوم بها دماغ الأطفال بامتصاص اللغة في وقت مبكر، هي دراسات مهمة لنتوصل في يوم من الأيام لمعرفة كيف يقوم الصغار بتحقيق انتصارهم اللغوي.