قامت الجيولوجية الأمريكية (أوليانا هوروديسكيج) ببناء محطة مصغّرة لبحوث الطقس على ارتفاع 5800 م على جبل (هيملونغ)، على الحدود بين نيبال والتبت، وخلال قيامها بالتجارب، تفاجئت بأن أعلى قمة جليدية في العالم، قمة (Khumbu)، قد تحوّل لونها إلى اللون الأسود والبني القاتم، نتيجة لجزيئات الغبار الناعم التي تهب مع الرياح في المنطقة وتستقر على الثلوج البيضاء الجديدة.
ولكن الوضع كان أكثر سوءاً على الجبل الجليدي (Ngozumpa) القريب من المنطقة، وهو سادس أعلى جبل في العالم، حيث أن الغبار يقوم بتغطية سطح الثلوج، لدرجة أن قدرة الجليد على عكس أشعة
الشمس، انخفضت بدرجة 20% في شهر واحد، نتيجة لتراكم الغبار على
الثلج، فضلاً عن أن الغبار يقوم بحبس حرارة الشمس داخل الجليد مما يؤدي إلى ذوبانه.
في الحقيقة فإن ظاهرة “الثلج الأسود” هي ظاهرة متزايدة ابتداء من جبال الهيمالايا وحتى
القطب الشمالي، وهي ناجمة عن زيادة كميات الغبار القادمة من التربة العارية، أو من هباب الحرائق أو من جسيمات الكربون السوداء المنبعثة عن محركات الديزل، حيث يتطاير الغبار ويحط في بعض الأحيان على بعد آلاف الأميال من مكان نشوئه، وبالنتيجة فإن الغبار يؤدي إلى امتداد مواسم ذوبان الثلوج، وهذا يؤدي إلى امتصاص المزيد من حرارة الشمس وبالتالي إلى تسارع الذوبان.
قامت مجلة نيتشر لعلوم الأرض، بنشر بحث قام به فريق من خبراء الأرصاد الجوية في الحكومة الفرنسية، وجاء في البحث أن الغطاء الجليدي في القطب الشمالي، والذي فقد حوالي 12.9 طن من الجليد سنوياً ما بين عامي 1992 و 2010 بسبب الاحتباس الحراري، قد يفقد حوالي 27 طن إضافي سنوياً فقط بسبب الغبار، وتشير القياسات التي قامت بها الأقمار الصناعية، بأنه في السنوات العشرة الماضية تحول الغطاء الجليدي في غرينلاند إلى اللون الأسود خلال موسم الذوبان، فضلاً عن أن موسم الذوبان امتد ما بين 6 إلى 11 يوماً في كل عشرة سنوات خلال الأربعين سنة الماضية، ونتيجة لتسارع ذوبان الجبال الجليدية فإن ذلك يؤدي إلى كشف مساحات واسعة جدا من التربة بحيث تصبح تربة عارية، مما يزيد من انتشار الغبار.
ويقول الباحث (جايسون بوكس) بأن ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض درجة انعكاس الثلج، فضلاً عن وجود غطاء ثلجي أسود، كل هذا يؤدي إلى ذوبان الثلوج قبل أوانها بشكل كثيف، وعندما يبدأ ذوبان الثلوج، يصبح سطح الثلوج أكثر سواداً بسبب زيادة المحتوى المائي.
ويشير (بوكس) بأن سبب الثلج الأسود عائد لعوامل بشرية وطبيعية على حد سواء، حيث أن جسيمات الكربون الأسود الغير مرئية الناجمة عن الاحتراق غير الكامل للوقود الأحفوري في محركات الديزل، تتطاير في الهواء لمسافة تتجاوز آلاف الأميال، لتحط على مواطن الثلج الأبيض، كما أن الغبار القادم من أفريقيا والشرق الأوسط، والناجم عن العواصف الرملية التي زاد عددها نتيجة لتوسع الجفاف، أيضاً يقوم بتشكيل الثلوج السوداء، فضلاً عن أن حرائق الغابات في سيبيريا ومناطق من الولايات المتحدة، يلعب دوراً في تشّكل الغطاء الأسود أيضاً.
أخيراً، فإن بعض الباحثين يزعمون بأن السبب الأكبر للتلوث الأسود هو الإنسان، ويدعون الحكومات للعمل في سبيل إيجاد حل لهذه الظاهرة السلبية المدمرة، بهدف إنقاذ ما تبقى من الغطاء الثلجي، قبل وقوع نتائج كارثية.