مع مرور ألف يوم على انطلاق الثورة
السورية، يمكن القول إن أشياء كثيرة تغيرت في سورية، فتبدلت معالم الجغرافيا بفعل الدمار الهائل، وتحورت الديموغرافيا بفعل الهجرة (أو التهجير) لسكان مناطق واسعة؛ المترافقة مع مستوى غير مسبوق من القتل في القرن الحادي والعشرين.
ولئن أشارت التقديرات إلى أن عدد الضحايا الذي يمكن توثيقهم في سورية يتجاوز 150 ألفاً جلّهم من المدنيين، فإن حجم الكارثة يتجاوز هذا الرقم، لأن الأمر لا يتعلق فقط بمن قتلوا، بل أيضاً بمن لا يزالون يعانون من ظروف اللجوء والنزوح أو الحصار، بينما يشكّل الأطفال الفئة الأكثر تضرراً سواء كان على المستوى البدني أو النفسي، كما تمثل فئة النساء اللواتي عانين ظروف "الحرب"، وما رافقها قتل واغتصاب وتهجير من أكثر جوانب المأساة سواداً.
وبينما رددت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سورية أكثر من مرة، وآخرها على لسان مفوضة شؤون
حقوق الإنسان نافي بيلاي، بأن هناك أدلة على ارتكاب نظام بشار الأسد "جرائم ضد الإنسانية"، وأصدرت تقارير عدة حول الجرائم المرتكبة في سورية، لا تزال فصول المأساة مستمرة، بل هي في اتساع دفع الأمم المتحدة في الأشهر الأولى لوقف إصدار إحصائيات دورية بعدد الضحايا لأنها لم تعد قادرة على متابعتها وتوثيقها.
نحاول في هذا التقرير رصد جانب من الكارثة التي يرى الكثيرون أن حجم ما تم توثيقه من فصولها وإحصائياتها حتى الآن لا يمثل إلا جزءا محدودا مما يمكن أن يتكشف لاحقا!
الضحايا والمصابون:
تشير التقديرات إلى أن ما لا يقل عن 150 ألفا قد قتلوا منذ انطلاق الثورة في سورية. وإذا كان أغلب الضحايا قد سقطوا بسبب القصف الجوي وبالصواريخ وقصف الأسلحة الثقيلة لمناطق مدنية، إضافة إلى رصاص القناصة، فإن هناك آلافا قتلوا بالسلاح الكيماوي أو ذبحا بالسكاكين أو بالحرق، في مجازر جماعية وُجهت فيها أصابع الاتهام إلى عصابات تابعة للنظام السوري.
وحسب تقرير أصدره الائتلاف الوطني السوري الثلاثاء، فإن ما لا يقل عن 2885 شخصاً، بينهم أفراد عائلات بأكملها، قتلوا ذبحا بالسلاح الأبيض، ضمن نحو 20 مجزرة جماعية ارتكبت في مختلف المناطق السورية. كما قتل نحو 2000 مدني في قصف بالسلاح الكيماوي على مناطق الغوطتين الشرقية والغربية في آب/ أغسطس الماضي.
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، يتجاوز عدد المصابين في سورية مليوني شخص، بات آلاف منهم يعانون من إعاقات دائمة.
اللاجئون:
تنبه دراسة حديثة أصدرتها مجموعة طلال أبو غزالة للاستشارات إلى أن عدد السوريين الذين هجروا بيوتهم يتجاوز 12 مليون شخص (حوالي نصف السكان)، مشيرة إلى أن هذا الرقم يزيد بنحو 30 في المئة عن أرقام الأمم المتحدة التي لا توثق إلا النازحين (إلى مناطق أخرى داخل سورية) أو اللاجئين المسجلين لديها.
ويتوزع اللاجئون بشكل خاص على تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر. وتقول الأمم المتحدة إن نحو 76 في المئة من اللاجئين هم من الأطفال والنساء. وتقدر المنظمة الدولية عدد المهجرين السوريين بنحو 8.2 مليون شخص، نحو 3 ملايين منهم لاجئون.
وتعيش أكثر من 70 ألف أسرة سورية لاجئة من دون أب، وأكثر من 3700 طفل لاجئ أما أتوا بمفردهم إو فصلوا عن والديهم.
الأطفال:
تشير أرقام الائتلاف الوطني السوري إلى أن أكثر من 11 ألف طفل سوري قد قتلوا منذ 15 آذار/ مارس 2011. كما أن عددا كبيرا من الأطفال ما زالوا يقبعون في السجون، وتقدر "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" عدد الأطفال الذين تعرضوا للاعتقال بنحو 20 ألفا.
كما يمثل الأطفال الفئة الأبرز بين اللاجئين. وتقدر الأمم المتحدة نسبة الأطفال بنحو نصف عدد اللاجئين، أي نحو 1.5 مليون طفل. كما يمثّل الأطفال نسبة مماثلة من عدد النازحين داخل سورية، أي أكثر من 4 ملايين طفل. وتقول "يونيسيف" إن نحو 5.5 مليون طفل سوري يواجهون برداً قارسا هذا الشتاء.
كما يعاني الأطفال السوريون، سواء كانوا داخل سورية أم لجأوا إلى دول الجوار؛ من ظروف صحية سيئة، وقد شهدت عدد من المناطق عودة حالات شلل الأطفال. إضافة إلى ذلك، تحذر منظمات متخصصة من الآثار النفسية الخطيرة على الأطفال الذين نجوا من مجازر أو أصيبوا خلالها، أو شهدوا قتل أقاربهم، أو بسبب ظروف صعبة يعيشونها في مناطق اللجوء.
ويعاني الأطفال أيضاً من الحرمان من متابعة دراستهم، حيث أن كثيرا من المدارس في سورية تعرضت للدمار، كما حولت قوات النظام السوري مدارس عديدة لثكنات عسكرية، كما تحولت أخرى إلى مراكز لإيواء النازحين، فيما تفتقر مناطق اللجوء في كثير من الحالات للمدارس.
وتقول كارول باتشيلور، ممثلة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في تركيا: "إننا قلقون من ضياع جيل سوري كامل من الأطفال، وفي حال تم تأمين الحماية للأطفال السوريين فإنهم سيبنون مستقبل سورية بعد انتهاء الأزمة، وفي حال تم إهمالهم سيشكلون بحد ذاتهم أزمة وعبئا على بلادهم".
النساء:
إضافة إلى القتل الذي شمل أكثر من ثمانية آلاف امرأة، وكذلك التهجير، حيث تشكل النساء قرابة ثلث عدد اللاجئين والنازحين، (نحو 3.5 مليون نازحة ولاجئة، تعاني النساء في سورية من الاغتصاب.
وتقول "الشبكة الأورو- متوسطية لحقوق الإنسان" في تقرير لها إن قوات النظام السوري تستخدم الاغتصاب كسلاح لمواجهة الثوار. وحسب الشهادات، فإن جرائم الاغتصاب تستخدمها قوات النظام السوري ومجموعات الشبيحة عند اقتحام المناطق الثائرة أو للضغط عليهن أثناء اعتقالهن، وبعضهن يُغتصبن أمام عائلاتهن. وتتعرض النساء للاعتقال أو الاغتصاب إما بسبب كونهن ناشطات، أو للضغط على أقاربهن المطلوبين لتسليم أنفسهن. كما تعرضت نساء وفتيات للخطف والاغتصاب على خلفية طائفية، لاسيما في حمص، كما استخدمن في حالات كثيرة لمبادلتهن بأسرى للنظام السوري أو كدروع بشرية.
وتقدر الأمم المتحدة عدد النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب بأكثر من ستة آلاف امرأة، وتقول "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" إن العدد يتجاوز 7500 حالة، فيما تقول تنسيقيات
الثورة السورية إن ما لا يقل عن 1500 امرأة تعرضن للاغتصاب في السجون. وبين من تعرضن للاعتداءات الجنسية فتيات تقل أعمارهن عن الثامنة عشرة ويقدر عددهن بنحو 400 فتاة.
كما يقدر عدد النساء المعتقلات بنحو أربعة آلاف امرأة. وتشير الإحصائيات إلى أن نحو 30 امرأة قتلن تحت التعذيب في سجون النظام السوري، كما قتلت أكثر من 460 امرأة برصاص قناصة، علماً بأن القناص يستطيع التمييز بين المرأة والمقاتل بسهولة.
المعتقلون والمفقودون:
يقدر عدد المعتقلين في سجون النظام السوري منذ انطلاق الثورة بنحو 250 ألف شخص بينهم نساء وأطفال (الأرقام في ارتفاع)، فيما يعتبر نحو 100 ألف في عداد المفقودين، حيث انقطعت أخبارهم منذ اعتقالهم.
ويقدر عدد الذين قتلوا تحت التعذيب في المعتقلات بنحو أربعة آلاف شخص.
الدمار:
يتجاوز عدد البيوت المهدمة، وفق تقديرات الأمم المتحدة، 1.2 مليون منزل، وهو ما يعادل ثلث عدد المنازل في سورية تقريبا.
كما تعرض 1450 مسجدا على الأقل لدمار كلي أو جزئي، وبينها مساجد تاريخية مثل المسجد الأموي في حلب ومسجد خالد بن الوليد في حمص. ووصل عدد المدارس المدمرة، بحسب منظمة اليونيسيف، إلى نحو ثلاثة آلاف مدرسة. علاوة على ذلك، تعرضت البنية التحتية، من ماء وكهرباء وطرقات، إضافة إلى المباني التجارية والحكومية لدمار كبير.
وتقدر دراسة مجموعة أبو غزالة كلفة إعادة الإعمار بأكثر من 200 مليار دولار.
تحت الحصار:
تعاني مناطق واسعة، وخصوصاً في حمص والغوطتين الشرقية والغربية في ريف دمشق، من حصار خانق. وتقول الأمم المتحدة إنها لا تستطيع الوصول إلى نحو 250 ألف شخص، فيما تواجه صعوبات في إيصال المساعدات لنحو 2.5 مليون شخص آخرين حيث يعيش هؤلاء ظروفاً سيئة.
وتقول منظمات سورية إن المناطق المحاصرة تفتقد لأبسط المواد الأساسية، مثل الخبز وحليب الأطفال والماء الصالح للشرب والمواد الغذائية بشكل عام، إضافة إلى الكهرباء والاتصالات.
القطاع الصحي:
تقول الأمم المتحدة إن نحو 60 في المئة من المستشفيات في سورية تعرضت للتدمير. كما تتعرض المستشفيات والمراكز الطبية في المناطق الخاضعة لسيطرة الثوار لعمليات قصف بشكل متكرر.
وتشير تقديرات إلى أن ما لا يقل عن 150 من العاملين في المجال الطبي قتلوا، وأن أكثر من 3 آلاف اعتقلوا. وتعرض كثير من الأطباء والمسعفين للاعتقال والتعذيب والقتل بسبب معالجتهم الجرحى خلال الثورة السورية، كما أكد أطباء منشقون عن النظام السوري أن المستشفيات التابعة للنظام، وخصوصا المستشفيات العسكرية، تستخدم كمراكز للتعذيب والتنكيل بالجرحى.
ضحايا الإعلام:
تشير إحصائية "رابطة الصحفيين السوريين" إلى أن 220 إعلاميا وناشطا إعلاميا، بينهم أجانب، قتلوا منذ انطلاق الثورة السورية، كلهم تقريبا قتلوا على أيدي النظام السوري سواء نتيجة قصف المراكز الإعلامية المؤيدة للثورة أو بنيران قناصة النظام، أو خلال اشتباكات على خطوط القتال.
ويقدر عدد الصحفيين والنشطاء الإعلاميين المعتقلين بنحو 100 شخص، بينهم 20 على الأقل من الصحفيين الأجانب.
أرقام سريعة:
يُقتل شخص كل 11 دقيقة.
يُعتقل مواطن كل 4 دقائق.
يُقتل 9 أطفال كل يوم.
يُقتل 4 معقتلين تحت التعذيب كل يوم.
1700 فلسطيني قتلوا في سورية.
أكثر من 10 آلاف نازح ولاجئ كل يوم.