سنة غابها "خالد المشري" عن رئاسة
المجلس الأعلى للدولة، بعد أن حل محله "محمد تكالة" في انتخابات العام
2023م، ليعود إلى سباق الرئاسة من جديد، ويقارع الأخير على المقعد وبقوة لتنتهي
الانتخابات إلى نزاع حاد، والسبب ورقة انتخابية، ليست ككل الأوراق، باتت تهدد
تماسك المجلس الأعلى للدولة وقد تقوض ثقله ونفوذه في العملية السياسية.
انقسم المجلس في الجولة الثانية من انتخاب
رئيسه إلى كتلتين متساويتين تقريبا، واعتبر المشري نفسه الرئيس الشرعي بعد رفضه
الاعتداد بالورقة التي كتب عليها اسم تكالة من الخلف باعتبارها تحمل رمزا وتمييزا
يجعلها باطلة، فيما يصر تكالة على أن كتابة اسمه على ظهر الورقة يعبر عن موقف
العضو الناخب وبالتالي هي معتبرة.
بعد رفض مقترح تكالة وأنصاره الذهاب إلى
جولة ثالثة من الانتخابات، طرح بديلا وهو إحالة النزاع إلى المحكمة العليا، وقد
قوبل هذا البديل بالرفض أيضا من قبل المشري، إلا أن الوساطة بينهما تغلب هذا
المقترح، وهو ما قد يقبل به المشري ومؤيدوه، بحسب بعض المصادر المطلعة، دون أن
يصدر عن المشري أي شيء بهذا الخصوص.
النزاع وانقسام المجلس إلى كتلتين متساويتين
في العدد يشير بوضوح إلى التطور الذي وقع في الأعلى للدولة واتجاهه إلى حالة
مأزومة من أبرز تمظهراتها فقدانه الثقل السياسي وسلبه خاصية وقوة تمثيل الجبهة
الغربية التي تتنازع مع كتلة الشرق حول المسار السياسي والتسوية السياسية.
تكالة وأنصاره في المجلس يتحفظون على خطة
البرلمان بخصوص القاعدة الدستورية والأساس القانوني للانتخابات، ويعلقون التغيير
الحكومي، وهو المطلب الرئيسي للنواب، حتى يتم إعادة النظر في المسار التشريعي
الخاص بالانتخابات.
قد تجد جبهة طبرق ـ الرجمة في نزاع المجلس الأعلى وانقسامه، ورقة رابحة في التدافع السياسي لأجل تقوية موقفها التفاوضي وتعظيم مكاسبها، وهو أمر غير مستبعد وينسجم مع نهج الغلبة الذي تنتهجه منذ الانقسام السياسي العام 2014م، وهذا قد يعزز من الخلل في العملية السياسية والمسار السياسي ويعرقل وقوع تسوية شاملة وعادلة.
بالمقابل، فإن المشري ومؤيديه يقرون الأساس
الدستوري والقانوني الذي اعتمده البرلمان، ويدفعون باتجاه إسقاط حكومة الوحدة
الداعمة لتكالة، وبالتالي فإن التدافع الحالي حول نتيجة انتخابات المجلس الأعلى
للدولة، لا يقتصر على الرغبة الشخصية الجامحة في تولي المنصب والتمتع بميزاته، بل
يعبر عن خلاف سياسي عميق داخل الجسم الذي كان يمثل الواجهة والمظلة السياسية
للجبهة الغربية في مواجهتها لجبهة طبرق ـ الرجمة، بل إن استمرار الأعلى للدولة
كرمانة ميزان في المعادلة السياسية بات غير مضمون، ومن المحتمل أن يفتح النزاع بين
كتلتيه باب الصراع داخل الجبهة الغربية، التي هي بالأساس هشة ولدى مكوناتها
العسكرية والأمنية مرونة عالية للاستجابة للصدام.
المشري لن يحيد بسهولة عن موقفه الراهن، وقد
أعلن أنه الرئيس الشرعي للمجلس وبدأ بممارسة صلاحياته، وتدعمه كتلة متصلبة في
اتجاهاتها ومواقفها. بالمقابل، فإن الضعف الذي يعتري مواقف وأداء تكالة، لا يعني
أن الكفة سترجح لصالح المشري، ذلك أن خلف تكالة مكونات وقوى لا تقل صلابة عن أنصار
المشري، وبالتالي فإن تجاوز المنعطف الحاد بل ربما الخطير الذي يواجهه المجلس
الأعلى للدولة لن يكون يسيرا، وقد نشهد حالة جديدة من التأزيم في العملية السياسية
تعزز من الخيارات والبدائل الأخرى كاللجوء إلى السلاح أو تكريس حالة الانقسام والتقسيم
الراهنة.
صحيح أن الأزمة التي يواجهها الأعلى للدولة
اليوم يمكن أن تكون فرصة لتمرير مقاربة أو خطة جديدة ترعاها البعثة الأممية
وتدعمها الأطراف الدولية، وهذا راجح بالنظر إلى التقارب بين أنقرة والقاهرة
والتطور في مواقفهما تجاه الملف الليبي، وبالتالي فإن هناك فرصة لتمرير خطة او
مبادرة دولية جديدة لحل النزاع، غير أن حالة عدم التوازن بين الاطراف المحلية
المتنازعة قد تحول الفرصة، وما قد ينبني عليها من حلول، إلى أزمة جديدة مؤجلة.
بشكل أوضح، قد تجد جبهة طبرق ـ الرجمة في
نزاع المجلس الأعلى وانقسامه، ورقة رابحة في التدافع السياسي لأجل تقوية موقفها
التفاوضي وتعظيم مكاسبها، وهو أمر غير مستبعد وينسجم مع نهج الغلبة الذي تنتهجه
منذ الانقسام السياسي العام 2014م، وهذا قد يعزز من الخلل في العملية السياسية والمسار السياسي ويعرقل وقوع تسوية شاملة وعادلة.