بالنظر إلى التقارير الصادرة عن المؤسسة
الليبية للاستثمار وتصريحات رئيسها وبعض مسؤوليها، فإنهم يرون أن وضع المؤسسة في
تحسن وأن هناك إمكانية الرفع التدريجي للتجميد المفروض على الأموال الليبية في
الخارج مع نهاية العام الجاري.
المؤسسة قدمت خططا للأمم المتحدة تكشف فيها
عن نواياها استلام إدارة تلك الأموال واستثمارها بما يعود بالمصلحة على الليبيين،
وتضمنت الخطط إعادة تدوير عوائد السندات، وتوجيه
استثمارات للسوق المحلي في قطاع
الطاقة بمختلف مجالاته.
ومن المهم الإشارة إلى التحسن الذي طرأ على
وضع المؤسسة خلال الأعوام الأخيرة، ونظرة المجتمع الدولي لها، والذي يرجع بالأساس
إلى الاستقرار النسبي الذي شهدته المؤسسة بعد توقف الصراع حولها والذي اندلع منذ
الانقسام السياسي والمؤسساتي في البلاد عام 2014م.
وللتعليق والتعقيب على إمكان رفع التجميد لو
بشكل تدريجي وتولي المؤسسة إدارة الأموال
الليبية خارج البلاد بداية نحتاج أن نقف على قيمة هذه الأموال وفيما كانت تستثمر
وإذا ما كانت تحقق عوائد، أو تواجه تهديدا بالتآكل أو المصادرة، ثم نعود إلى
إمكانية تلبية طلب المؤسسة الليبية للاستثمار برفع التجميد وتسلمها كل أو بعض تلك
الأصول.
بات جليا أن الأرقام التي شاعت خلال السنوات
الأولى من التغيير الذي واقع في البلاد العام 2011م حول قيمة الأموال الليبية في
الخارج والتي تراوحت بين 150 إلى 200 مليار دولار ليس لها أساس من الصحة، وأن
الرقم الذي ثبتته المؤسسة عبر إدارتها المختلفة خلال السنوات الماضية لا يتجاوز 70
مليار دولار أمريكي، وأن هذا الرقم ارتبط بعملية إعادة تقييم الأصول العام 2019 ـ 2020م
والذي نفذته جهات أجنبية مختصة تحت إشراف المؤسسة.
مصادر إخبارية نقلت أن نحو 29 مليار دولار
من هذه الأموال الليبية في الخارج مستثمرة في قطاع العقارات، وأن نحو 23 مليار
دولار هي في شكل ودائع، ونحو 8 مليارات أسهم في نحو 300 شركة حول العالم، ونحو
ملياري دولار من السندات المستحقة.
برغم التطور في وضع المؤسسة الليبية للاستثمار والتقييم الإيجابي لها من قبل المؤسسات الدولية المختصة في هذا المجال، إلا أنه من غير المحتمل تلبية طلبها ومنحها السيادة المطلقة على الودائع في الخارج وما في حكمها مما شملها قرار التجميد، وذلك لأن الوضع السياسي بالبلاد لم ينته إلى استقرار أو يتجه بخطى ثابتة نحوه، وأن الأوضاع السياسية تتسم بالهشاشة، ولا تجشع على اتخاذ هكذا قرار من قبل الأمم المتحدة.
ولم يتسن التحقق من التوزيعة النوعية
للأموال الليبية في الخارج عبر مصادر ومعلومات من المؤسسة الليبية للاستثمار،
وبالتالي لا يمكن الجزم بصحتها، خصوصا وأن بيانات أخرى نشرتها مصادر إخبارية تشير
إلى أن الودائع يمكن أن تكون أكبر من الرقم السابق الإشارة إليه.
وبنفس التقييم يمكن التوقف عند القيمة
الخاصة بالعقارات (23 مليار دولار)، وبحسب موقع المؤسسة الليبية للاستثمار فإن
الاستثمارات المملوكة للمؤسسة وشركاتها التابعة باستثناء النقد والاستثمارات
المالية تبلغ نحو 12 مليار دولار.
والحقيقة أن الأرقام المتعلقة بحجم الأصول
والاستثمارات تحتاج إلى مزيد من التدقيق والشفافية، وأن جهدا أكبر ينبغي أن يتجه
إلى حصر أدق لكافة الأنشطة الاستثمارية، وتحديد الموقف المالي والاستثماري النهائي
والأقرب للدقة للرأي العام، ومن ذلك التهديدات التي تواجهها تلك الاستثمارات، بعد أن حاولت بعض الدول إخضاع ما بحوزتها من ودائع ليبية لتسوية مستحقات يطالب بها
رعاياها الذين رفعوا قضايا ضد الدولة الليبية ومؤسساتها.
تحديد الموقف النهائي والدقيق للأموال
الليبية في الخارج بكافة صورها يتضمن الإعلان عن العائد المتحقق منها، ودون أن
نتطرق إلى العائد الذي لا ينبغي أن يقل عن 3 إلى 4 مليارات دولار سنويا لإجمالي
الأموال في الخارج، وذلك للظروف التي تقيد تحقيق هكذا عائد، فإن هناك استثمارات لا
تخضع للإجراءات القسرية المفروضة من الأمم المتحدة، إلا أنه لم يكشف عن عائد لها،
إذ لم يتم الإشارة لها ضمن بند الإيرادات في الميزانيات العامة قبل العام 2011م
وبعده، وإذا ما كانت تحال إلى حساب "الأموال المجنبة" أو حساب خاص
للأجيال القادمة؟!
والخلاصة، أنه وبرغم التطور في وضع المؤسسة
الليبية للاستثمار والتقييم الإيجابي لها من قبل المؤسسات الدولية المختصة في هذا
المجال، إلا أنه من غير المحتمل تلبية طلبها ومنحها السيادة المطلقة على الودائع
في الخارج وما في حكمها مما شملها قرار التجميد، وذلك لأن الوضع السياسي بالبلاد
لم ينته إلى استقرار أو يتجه بخطى ثابتة نحوه، وأن الأوضاع السياسية تتسم بالهشاشة،
ولا تشجع على اتخاذ هكذا قرار من قبل الأمم المتحدة.