يبدو أن المشهد
التونسي يمر حاليا بفترة
مخاض ستترتب عنه تداعيات في الأيام القادمة؛ في مستوى علاقة
قيس سعيد بالوضع الداخلي
وفي مستوى علاقاته الخارجية.
1- ضغط الانتخابات
بدا واضحا في المدة الأخيرة أن قيس سعيد
يفقد تدريجيا من شعبيته بسبب عدم تقدمه في معالجة الأزمة الاجتماعية رغم ما يرفعه من
شعارات حول انتصاره للفقراء وحول حربه على الفاسدين، ورغم أنه زج بأغلب المعارضين السياسيين
في السجن، ورغم محاولاته الضغط على أصحاب المال، فإنه لم يحقق ما ظل ينتظره منه عموم
المواطنين، فالناس عادة لا تعنيهم الشعارات السياسية وإنما تعنيهم فقط ظروف عيشهم؛
حين تتوفر لهم المواد الاستهلاكية وحين تكون الأسعار في متناول متوسطي الدخل.
هذا البطء في معالجة الأزمة الاجتماعية
دفع بكثير من مناصري قيس سعيد إلى اتخاذ مسافة نقدية منه، وقد عبّر عدد من السياسيين
الداعمين لمسار 25 تموز/ يوليو 2021 عن خيبة أملهم في أداء الرئيس، وعن اعترافهم بكونهم
"أخطأوا" إذ تسرعوا في دعم تفعيل قيس سعيد للفصل 80 من الدستور، حيث أقدم
على حل البرلمان وإلغاء دستور 2014 واعتماد المراسيم في تسيير شؤون البلاد.
هذا التراجع في "شعبية" قيس
سعيد ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، جعله يرفع من نبرة خطابه في مهاجمة معارضيه؛
يتهمهم بالخيانة والعمالة والفساد، بل ويعلن أنه لن يسلم الحكم قبل تحقيق وعوده في
"التحرير الوطني" حتى وإن كان الثمن دمه الذي ليس أزكى من دم الشهداء، فالمسألة
عنده تتجاوز كونها عملية سياسية لتكون "قضية بقاء أو فناء".
التراجع في "شعبية" قيس سعيد ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، جعله يرفع من نبرة خطابه في مهاجمة معارضيه؛ يتهمهم بالخيانة والعمالة والفساد، بل ويعلن أنه لن يسلم الحكم قبل تحقيق وعوده في "التحرير الوطني" حتى وإن كان الثمن دمه الذي ليس أزكى من دم الشهداء، فالمسألة عنده تتجاوز كونها عملية سياسية لتكون "قضية بقاء أو فناء"
2- تعدد جبهات المعارضة
بدأت في الأيام الأخيرة تتسع رقعة المعارضة
لحكم قيس سعيد، فقد لاحظ المراقبون أن مسيرة جبهة الخلاص الوطني المعارضة يوم 12 أيار/
مايو الحالي كانت أكثر حضورا من وقفاتها الاحتجاجية السابقة، وكانت تحت شعار: "العُهدة
وفات أين الانتخابات؟"، إضافة إلى شعار: "ارحل يا فاشل"، وهي شعارات
للضغط على قيس سعيد كي يُصدر أمرا بدعوة التونسيين إلى الانتخابات حتى تباشر الهيئة
الوطنية المستقلة للانتخابات مهمتها في ضبط تفاصيل العملية في آجالها القانونية.
ولعل مما زاد في قلق قيس سعيد هو ارتفاع
نبرة النقد لسياساته في عدد من وسائل الإعلام، وهو ما جعل عددا من الإعلاميين والمحللين
يقعون تحت طائلة الفصل 54 الذي دخل بسببه عدد من المواطنين السجن بعنوان "ارتكاب
أمر موحش بحق رئيس الجمهورية"، أو بعنوان التحريض على الفوضى أو الإساءة لصورة
الوطن، كما حصل أخيرا مع المحامية سنية الدهماني، ومع الإعلامييْن برهان بسيس ومراد
الزغيدي.
ومما زاد المشهد سخونة واحتقانا، دخول
المحامين في تحركات واسعة ضد ما حصل من اقتحام لدار المحامي في مرة أولى واقتياد سنية
الدهماني المحتمية بزملائها، ثم في عملية اقتحام ثانية تم فيها اقتياد المحامي مهدي
زقروبة، بتهمة الإساءة لموظف عمومي أثناء أداء عمله. وقد أصدرت الرابطة التونسية لحقوق
الإنسان وعمادة المحامين وهيئة المحامين الشبان بيانات منددة بالاقتحام؛ وبما قالوا
إنهم عاينوها من علامات تعذيب على جسد الأستاذ مهدي زقروبة.
وفي الذكرى الـ47 لتأسيس الرابطة التونسية
لحقوق الإنسان، أعلن رئيس الرابطة عن مشروع لإنشاء جبهة وطنية للدفاع عن الحريات؛ تتكون
من اتحاد الشغل ونقابة الصحفيين وهيئة المحامين ورابطة حقوق الإنسان، وقد تكلم في تلك
المناسبة عضو المكتب التنفيذي والأمين العام المساعد في اتحاد الشغل، سمير الشفّي،
معربا عن دفاع الاتحاد العام التونسي للشغل عن الحريات وعن كون الاتحاد يشكل خيمة يجتمع
فيها جميع المناضلين.
كل هذه الوقائع جعلت المشهد التونسي يتجه
نحو مزيد "التأزّم"، وجعلت الحاجة أكيدة إلى أصوات الحكمة منعا لمزيد التعقيد
وسدا لمنافذ التدخل الخارجي.
3- معركة السيادة والتدخلات الخارجية
تقوية الجبهة الداخلية تحتاج إلى التخلي فورا عن خطاب التخوين وعن استسهال وضع المعارضين في السجون، كما تحتاج كسر الحواجز النفسية بين كل الأحزاب والمنظمات الوطنية من أجل بدء حوار وطني لاستنقاذ البلاد من أزمتها الشاملة ولمنع أي تدخل خارجي
لأول مرة منذ حادثة 25 تموز/ يوليو 2021
يحصل تدخل خارجي علني في الشأن التونسي، فقد صدرت بيانات عن الخارجية الفرنسية وعن
الاتحاد الأوروبي وعن أمريكا تعبر عن موقف سلبي من وضع الحريات في تونس، وهو ما سيجعل
قيس سعيد يطلب من كاتب الدولة لدى وزير الخارجية دعوة سفراء عدد من البلدان الأجنبية
لإبلاغهم احتجاج الدولة التونسية على تدخلهم في شؤونها الداخلية.
4- الحاجة إلى الإسناد الشعبي
مواجهة التهديدات الخارجية تحتاج دائما
إلى قوة الجبهة الداخلية حين ينجح المواطنون في إدارة خلافاتهم بطرائق عقلانية بعيدة
عن التخوين وعن العنف، وحين ينجحون أيضا في التحرر من التبعية الاقتصادية، فلا يرهنون
قرارهم السيادي لدى الجهات المانحة تتحكم بهم وتملي عليهم خياراتها في السياسة وفي
الثقافة وفي الإعلام وحتى في الدين.
تقوية الجبهة الداخلية تحتاج إلى التخلي
فورا عن خطاب التخوين وعن استسهال وضع المعارضين في السجون، كما تحتاج كسر الحواجز
النفسية بين كل الأحزاب والمنظمات الوطنية من أجل بدء حوار وطني لاستنقاذ البلاد من
أزمتها الشاملة ولمنع أي تدخل خارجي في شؤوننا الداخلية.
twitter.com/bahriarfaoui1