"الخير جاي" كانت تلك هي البشرى
الإعلامية للشعب
المصري؛ بعد صفقة رأس الحكمة مع دولة الامارات، وبعد موافقة صندوق
النقد الدولي على القرض الجديد، ولكن يبدو أن الرياح قد أتت بما لا تشتهى السفن؛
حيث تم الإعلان عن تحرير سعر صرف العملة الوطنية، ثم صدر قرار الحكومة ببدء تطبيق
تعليمات صندوق النقد الدولي وتنفيذ التقشف في الانفاق الحكومي مع مراعاة
الأولويات، وصحبها تصريحات وردية من رئيس الوزراء حول تنفيذ التوجيهات الرئاسية في
الاهتمام بالصحة والتعليم في المرحلة المقبلة.
إضافة أعباء جديدة على المرضى في الانفاق الصحي شملت جميع المصريين
أولا ـ وزير
الصحة يصدر القرار رقم 93 لسنة 2024 بالمشاركة مع وزارة
التنمية المحلية، والذي يضم حزمة من الإجراءات شملت: زيادة أسعار جميع الخدمات
التي تقدمها للمرضى الفقراء وعامة الناس من الطبقات العاملة والكادحة، ويبلغ عددهم
أكثر من 40 مليون مواطن، والذين لا يحظون
بمنظومة تأمين صحي من أي نوع، وتشمل تلك الإجراءات جميع المستشفيات العامة
والمركزية والنوعية، والوحدات الصحية الحكومية، في جميع أنحاء مصر، حيث تراوحت
الزيادات الجديدة ما بين 100% و400% دفعة واحدة بحسب نوع الخدمة الطبية المقدمة،
والتي شملت أيضا تقليص نسبة أسِرَّة العلاج المجاني بالمستشفيات من 60% لتصبح 25% فقط من إجمالي عدد الأسرة بكل مستشفى،
إضافة إلى مضاعفة تذكرة الكشف والعلاج بالعيادات الخارجية لعشرة أضعاف القيمة
السابقة مع التشديد على صرف صنف
دواء فقط بالمجان من قائمة العلاج وترك المريض
حائرا لتوفير بقية الأصناف الهامة للعلاج في حين يوجد نقص حاد في كثير من أصناف
الدواء إضافة الى الارتفاع المستمر في الأسعار .
إضافة إلى أن اللائحة الجديدة منحت مجلس إدارة المستشفى صلاحيات
التعاقد مع جهات أخرى لتقديم الخدمات، وحق التعاقد على خدمات الأمن والصيانة
والأثاث والإدارة بشكل عام، وهو قرار يزيد من توغل القطاع الخاص في هذه
المستشفيات، ولتخلي وزارة الصحة عن مسؤوليتها نحو تقديم الرعاية الصحية بوفرة
وبتكلفة تناسب 32% من المصريين تحت خط الفقر حسب التقارير الرسمية.
وصرحت وزارة الصحة أن تلك القرارات تهدف إلى زيادة الموارد المالية
الذاتية للمنشآت الصحية، بزعم توفير مستلزمات تشغيل المستشفيات، وتقديم الخدمة
الطبية المتميزة لجميع المواطنين، مع الإشارة إلى أن 59 % من المواطنين لن يتأثروا
بتلك الزيادات حيث تشملهم مظلة التأمين الصحي.
ثانيا ـ أصدر مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمين الصحي القرار رقم 200
لسنة 2024، بفرض رسوما وأسعارا مستجدة على 24 خدمة طبية كانت تقدم مجانا، من خلال
377 عيادة على مستوى الجمهورية، منها على سبيل المثال فرض رسوم للكشف تشمل الأطفال
دون السن المدرسي والطلبة وباقي الفئات شملت عيادات الممارس والاستشاري بنسب
متفاوتة إضافة إلى التقارير الطبية وغيرها من الخدمات، وهذا يعنى عدم واقعية
تصريحات وزير الصحة نحو وجود بديل متاح يخفف عن المواطنين عبء المعاناة من قرارات
زيادة أسعار الخدمات الصحية الجديدة.
ثالثا ـ اعتماد التأمين الصحي الشامل الجديد على التمويل الذاتي:
اللائحة الجديدة منحت مجلس إدارة المستشفى صلاحيات التعاقد مع جهات أخرى لتقديم الخدمات، وحق التعاقد على خدمات الأمن والصيانة والأثاث والإدارة بشكل عام، وهو قرار يزيد من توغل القطاع الخاص في هذه المستشفيات، ولتخلي وزارة الصحة عن مسؤوليتها نحو تقديم الرعاية الصحية بوفرة وبتكلفة تناسب 32% من المصريين تحت خط الفقر حسب التقارير الرسمية.
وتلك هي ثالثة الأثافي؛ حيث أشار رئيس هيئة الرعاية الصحية إلى أن
حجم الإنفاق على الخدمات الطبية لمنتفعي منظومة التأمين الصحي الشامل خلال النصف
الأول من العام المالي 2024/2023 شمل تقديم خدمات طبية بتمويل ذاتي ما يقرب من
المليار جنيه للمنتفعين، وتحقيق إيرادات وموارد ذاتية أكثر من 2,9 مليار جنيه
بزيادة نسبة 63% عن النصف الأول من العام المالي السابق؛ وأشاد مجلس إدارة الهيئة،
باستقرار الأداء المالي ونمو عوائد الهيئة من السياحة العلاجية والمصادر الأخرى
للنقد الأجنبي.
وهذا في حين أن تطبيق المنظومة مازال متعثرا في مرحلته الأولى وبنسبة
تغطية 5% فقط من إجمالي سكان مصر بالرغم من مرور ست سنوات على إصدار قانون التأمين
الصحي في يناير 2018.
تسليع الصحة والاعتماد على التمويل الذاتي نتيجة حتمية لتدني الانفاق
الحكومي على الرعاية الصحية
تراجع عدد المستشفيات التابعة للقطاع الحكومي من 691 مستشفى عام 2019
لتصبح 662 مستشفى فقط عام 2022 حسب بيان الجهاز المركزي للإحصاء ، ، في حين يستفيد
من عيادتها الخارجية نحو 9 ملايين مواطن سنويا ، والمشكلة هي في معاناة المستشفيات
الحكومية من نقص الموارد المالية بسبب
تدنى نسبة الانفاق الحكومي على الصحة في مصر أدى إلى اتساع الفجوة بين الإتاحة
والاحتياج؛ وأبرز مفهوماً جديداً كارثيا هو مفهوم "تسليع الصحة" بمعنى
تحويلها إلى سلعة تخضع لقواعد العرض والطلب، وتخرج الأمر كله من خانة التنافسية في
جودة الخدمة إلى خانة الحصول على أكبر ربح ممكن من كل مريض.، وهو أمر خطير جدا،
ويؤدى إلى تشوهات بالغة الخطورة في البنية الصحية المجتمعية؛ وتنفيذ إجراءات سحب
أكبر قدر من الأموال من مدخرات المواطنين ومن قوت يومهم تحت مسمى خادع وهو
"التمويل الذاتي " لخدمات الرعاية الصحية.
ومع إقرار الموازنة المالية
للصحة للعام المالي الحالي 23/2024؛ زعمت الحكومة بأنه تم ضخ أموال في موازنة
قطاعات الصحة تفوق الاستحقاقات الدستورية، وكانت المغالطة صريحة والتدليس واضحا في
التوصيف وفى الأرقام وفى المعدلات، حيث تبين أن وزير المالية يقصد إجمالي مخصصات
القطاعات الصحية وتشمل وزارة الصحة، ومستشفيات الجيش والشرطة والهيئات العامة،
وهيئة المياه والصرف الصحي بالإضافة الى نسبة ما يخص قطاع الصحة من خدمات الدين
العام والقروض، ومن ناحية الأرقام فقد كلن يقصد ماورد في )مادة 18 ( من دستور 2014
بتوفير نسبة 3% من إجمالي الناتج المحلى لموازنة الصحة، ولكنه أهمل عن قصد واضح أن
يستكمل ما تنص عليه (مادة18) من ضرورة"
زيادة تلك النسبة سنويا لتصل إلى النسبة العالمية"؛ وهي 9.1% في المتوسط بحسب
توصيات منظمة الصحة العالمية ، خاصة وأنه قد مضت عشر سنوات على هذا الدستور المشار
إليه حتى الآن .
وبدأت المخصصات الحقيقية لوزارة الصحة تتضح من خلال تصريحات رسمية
أخرى وتبين أنها في حدود 148 مليار جنيه فقط وبنسبة أقل من 1.4 % من إجمالي الناتج
المحلى، أي أن النسبة الحقيقية لموازنة وزارة الصحة تعتبر أقل من نصف المستحقات
الدستورية لعام 2014، ومتدنية جدا مقارنة بالنسبة العالمية وهي 9.1 %، وهذا يعنى
المخالفة الصريحة لمواد الدستور وبالتالي عدم القدرة على تقديم خدمات الرعاية
الصحية الحكومية بجودة مناسبة، وزيادة الاعتماد على شراء خدمات القطاع الخاص الطبي
لتلبية الاحتياجات الصحية للمواطنين.
الرعاية الصحة أصبحت خارج أولويات الدولة وتسبب ذلك في إضافة أعباء
جديدة على المواطنين
تلك القرارات الصعبة جاءت في التوقيت الخاطئ وسوف تضيف المزيد من
الأعباء على غير القادرين الذين يتلقون العلاج في المنشآت الصحيّة العامة، في ظل
الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد، وسوف يضطر أصحاب الدخول المنخفضة
لشراء الخدمات الصحية بتكلفة السوق، وبيع الخدمات للمواطنين بالقطعة، ورفع الأسعار والتربح وتوزيع العوائد بدعوى
توفير الاحتياجات للمستشفيات من خلال التمويل الذاتي من قوت المواطنين، وهذا يعني
أنه لا توجد سياسة صحية ولا أهداف عامة ولا منظومة تحكم هذه الأهداف، مما يؤثر
سلبا على أمن وصحة وسلامة شعب مصر .