زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى
مصر، لا تشكّل منعطفا في
علاقات دول الإقليم فقط، إنما تؤشر للحظة مهمة
واستراتيجية في الشرق الأوسط، بل وفي رؤية "اللاعبين" الأساسيين في
المنطقة، للأدوار والعلاقات والتحالفات وموازين القوى..
كانت أنقرة بالنسبة للقاهرة،، الدولة
المسندة لثورات الربيع العربي، ولتيار "الإسلام السياسي"، الذي حكم
لفترة في ليبيا ومصر وتونس، وتركيا هي أيضا، الجهة التي ارتفع صوتها نقدا للانقلاب
الذي قام به الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي على حكم "الإخوان
المسلمين" في مصر، ومثّلت
تركيا بالنسبة للقاهرة، "عقدة الإقليم"
لفترة ناهزت قرابة العشرية الكاملة تقريبا، لم تحصل فيها اتصالات رفيعة المستوى،
ولم يحدث تنسيق في أي من المستويات السياسية أو الأمنية أو الاقتصادية بين
البلدين، بل كان خطاب التنافي يهيمن على علاقات البلدين، بدم ديبلوماسي بارد، كما
يقال..
لكن خلال هذه السنوات "العجاف"
كما يصفها البعض، حصلت تطورات وتقلبات وديناميكية كبيرة ومهمة في المنطقة:
تغيرات.. وديناميات جديدة
تراجعت "ثورات الربيع العربي"،
وضعف تبعا لذلك، الإسلام السياسي، الذي كان حاكما أو طرفا في الحكم في عديد
العواصم العربية، ونجحت الثورات المضادّة بقيادة مصر والسعودية والإمارات العربية
المتحدة وإسرائيل، بدعم أمريكي لا غبار عليه، في وقف "شلال" الثورات في
الإقليم العربي.. فاستهدفت ثورة اليمن، وتعقّد مسار الثورة السورية، وارتبكت
الأوضاع في ليبيا، فيما انتهى الوضع في تونس إلى ما هو عليه الآن، من تراجع لافت
في جميع المستويات: الحريات والديمقراطية، والإستقرار السياسي، والعلاقات الخارجية
المعطّلة، وغير ذلك، بما وضع هذه الثورات والانتفاضات "بين قوسين" خلال
السنوات الأخيرة..
غزة الجريحة والنازفة، تعيد ترتيب الأوراق العربية، في علاقة بمستقبل الإقليم، وتخلق إكراهات جديدة، ستغيّر بلا شكّ، المشهد العربي، الذي لن يعود إلى ما قبل السابع من أكتوبر 2023
وشهدت المملكة العربية السعودية، تغييرا
جوهريا في الحكم، مع صعود الأمير الشاب، محمد بن سلمان، الذي حرص ــ وما يزال يفعل
إلى الآن ــ على تغيير وجه السياسة السعودية، وعلاقاتها الخارجية في الاتجاه
المعاكس تماما لما كانت عليه الأمور خلال عقود طويلة بقيادة التيار الوهابي،
وتأثيراته على السياسات الداخلية وعلى التحالفات السعودية، وعلى طبيعة النظر إلى
العلاقات الإقليمية والدولية.. وباتت المملكة، قريبة من روسيا والصين، وإيران،
فضلا عن تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة، بعد ما عرف بـ "كارثة
خاشقجي"، وهو الملف الذي أربك إلى حدّ بعيد العلاقات التركية السعودية خلال
سنوات خلت.
وباتت المملكة الطرف المتداخل في الملفين
اليمني والسوري، بما أصبح بحوزتها من أوراق بدت محددة إلى درجة معقولة في تحديد
اتجاهات الأمور في البلدين..
دخول السعودية على "خطّ التطبيع"
مع الكيان الصهيوني، وما يطرح على الرياض من استحقاقات سياسية وثقافية ودبلوماسية
واقتصادية مع هذا الكيان، بما ستكون له تداعياته على العلاقة مع تركيا، بكل تأكيد..
كما يشهد الخليج في أكثر مكوناته،
"تطبيعا" لافتا مع إيران، أخرج العلاقات بين الطرفين من قمقمها
التقليدي، إلى أفق العلاقات الإستراتيجية، بالنظر إلى ما تمثّله إيران من ثقل
إقليمي ودولي وثقافي، شديد الأهمية في التصور الاستراتيجي للدول.
ولا شكّ أنّ تركيا، الأقرب إلى دول المنطقة،
تاريخيا، ومن حيث البيئة الثقافية، وطبيعة المصالح التي تربطها بدول المنطقة، لا
تبدو مرتاحة للتقارب الإيراني مع الخليج، أو مع بقية الدول العربية تباعا..
تراجعت "ثورات الربيع العربي"، وضعف تبعا لذلك، الإسلام السياسي، الذي كان حاكما أو طرفا في الحكم في عديد العواصم العربية، ونجحت الثورات المضادّة بقيادة مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، بدعم أمريكي لا غبار عليه، في وقف "شلال" الثورات في الإقليم العربي
يضاف إلى ذلك، الحرب الإسرائيلية المدعومة
من الغرب وحلف الأطلنطي على قطاع غزة، بشكل بربري غير مسبوق في التاريخ المعاصر،
والصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية، بقيادة حركة حماس، وتداعيات هجوم السابع من
تشرين الأول / أكتوبر 2023 أو ما أطلق عليه "طوفان الأقصى"، الذي أغرق
إسرائيل إلى الآن، سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا، وجعل ملف ما بعد الحرب على غزة،
مفتوحا على احتمالات عديدة، من المهم أن تكون أنقرة طرفا فاعلا فيه بشكل أساسي.
انكشاف الضعف الإسرائيلي عسكريا
واستخباراتيا وأمنيا، وارتباك نسيجها الداخلي، ما أسقط أسطورة "الجيش الذي لا
يقهر"، وأنهى كذبة "الديمقراطية الإسرائيلية"، الأنموذج في
المنطقة، وجعل منها المثال على القمع والقتل والهمجية والبربرية والاستبداد،
والإبادة الجماعية، التي باتت مساءلة بشأنها أمام محكمة العدل الدولية.. وهي
الحالة الجديدة للكيان المحتل، التي لم تعرفها إسرائيل في تاريخ علاقتها بالمنطقة،
منذ زرع هذا الكيان في قلب الجغرافيا العربية.
في جميع هذه التطورات، كانت القاهرة، حاضرة
بقوة في المشهد الإقليمي، سيما على الصعيد السياسي والدبلوماسي، رغم كل المآسي
الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الشعب المصري منذ انقلاب السيسي..
الأوراق المصرية... والتطلعات التركية
لقد هضمت تركيا بشكل واضح هذه التطورات
اللافتة والمهمة في السياق الشرق أوسطي، وهي الحريصة على أن تكون "الصديق
الأقرب" إلى النظام العربي، كبديل عن الدور الإيراني من ناحية، دون أن يكون
لها تجاذب أو تناقض مع إيران، من ناحية أخرى. فالورقة الإيرانية بالنسبة لتركيا
مهمة، لكنّ الملعب العربي والخليجي، يمثّل كذلك، "الحديقة الخلفية"
لأنقرة تاريخيا ومستقبليا..
وأدركت تركيا في ذات السياق، أنّ مصر،
"استحوذت"، أو هي باتت على جزء من بعض الملفات الإقليمية ذات العلاقة
بالمصالح التركية، ورؤيتها الإستراتيجية:
ـ فقد نجحت في حسم وإنهاء ملف "الإسلام
السياسي"، بصورة دراماتيكية في العالم العربي، على النحو الذي جرى في مصر
بالذات، وتونس وليبيا، وبدرجة أكبر في اليمن. ومع عودة "منظومة" ما قبل
ثورات الربيع العربي إلى الحكم، بأشكال مختلفة في هذه البلدان الثلاثة، تكون
القاهرة قد أغلقت ــ مؤقتا على الأقل ــ الديناميكية التي كانت سائدة في المنطقة
خلال السنوات العشر الماضية، ديناميكية الانتقال الديمقراطي، والحريات، ووجود
"التيار الإسلامي"، كلاعب أساسي في الحكم وفي صنع القرار السياسي في
المنطقة.
كما يشهد الخليج في أكثر مكوناته، "تطبيعا" لافتا مع إيران، أخرج العلاقات بين الطرفين من قمقمها التقليدي، إلى أفق العلاقات الإستراتيجية، بالنظر إلى ما تمثّله إيران من ثقل إقليمي ودولي وثقافي، شديد الأهمية في التصور الاستراتيجي للدول
لقد أعيدت المنطقة إلى مربع ما قبل ثورات
الربيع العربي، واستحكمت ــ نظريا على الأقل ــ جميع المنافذ المؤدية إلى
استئنافها، لتجد تركيا نفسها، وقطر في الضفة الخليجية الأخرى من المنطقة، أمام
واقع جديد ــ قديم، وعليهما أن يتأقلما معه بسرعة، فالمصالح بالنسبة للدول، تتحدد
بالوقائع والمعطيات، وليس بالأمنيات والتنظيرات المكتبية.
ـ ورغم تعقيدات الوضع الليبي، إلا أنّ مصر
استطاعت أن تنفذ إلى عمق الأزمة، وتتحول إلى طرف "له كلمته" في الشأن
الليبي، بصرف النظر عن تقييمنا لهذا الدور، ونقد عديد الأطراف له، فالوقائع، تعكس
وجودا مصريا مؤثرا، أمنيا وسياسيا واجتماعيا (العلاقات الحدودية وتأثيراتها على
البلدين...)، وامتلاك النظام المصري، علاقات تمتدّ في اتجاهين، الغرب والشرق، أي
أطراف الحكم الجديد، ومنظومة القذافي الحاكمة بأمرها، بقيادة اللواء خليفة حفتر،
عسكريا، وعقيلة صالح مؤسساتيا (عبر برلمان طبرق)، والحكومة الليبية الراهنة والمجلس
الأعلى للدولة في ليبيا، بما يجعل الملف الليبي، "ورقة مصرية" ثقيلة،
وأي مرور أو قفز عليها، سيجعل من الصعب على تركيا ترتيب الوضع هناك، خصوصا مع تحرك
الغرب بقيادة فرنسا، وطرح مبادرة التسوية بين الفرقاء في ليبيا، وهو أمر لا يمكن
أن تقبل به تركيا، لذلك تأتي زيارة الرئيس أردوغان إلى القاهرة، في سياق البحث عن
"شراكة" ثنائية لوضع ترتيبات للمسار الليبي، لا يغضب أنقرة، ولا يقصي
القاهرة، التي تدرك جيّدا الدور التركي في ليبيا، والطابع الإستراتيجي لعلاقتها
بطرابلس، بما لا يجعلها تقفز بدورها على "المعطى التركي" في البحث أو
الترتيب لأي حل هناك..
إنّ الملف الليبي، قضية استراتيجية لدى مصر
كما لدى تركيا، والتشارك بين الطرفين على وضع لبنات حل للأزمة في ليبيا، يعني نجاح
البلدين في الخروج بجزء مهم من "الكعكة" الليبية، من ناحية، ووضع قدم
مهمة في المشهد المغاربي، على اعتبار أنّ ترتيب الشأن الليبي، سيلقي بظلاله على
بقية الإقليم، الذي يعاني من إرباك لا يستهان به، سواء على الجهة الجنوبية مع
تونس، أو على صعيد العلاقة مع الجزائر، أو في مستوى اختراق أسواق إقليمية أخرى،
تعدّ البوابتان الليبية والمصرية، "طريق الحرير" إليها، إذا جاز القول.
يبقى الملف الليبي، أحد أبرز العناوين التي
حملت أردوغان إلى القاهرة، بحثا عن مزيد تثبيت القدم التركية في ليبيا، مستقبلا،
وغلق الباب أمام دور غربي ــ أوروبي، أوكلت لفرنسا مهمة القيام به، من خلال
مبادرتها الأخيرة بالتسوية في ليبيا، وهو ما عجّل بالزيارة التركية، التي نجحت
وفقا لتصريحات الرئيس المصري، في وضع اتفاق مصري تركي، لمعالجة الملف الليبي، عبر
"التسوية السياسية"، و"توحيد القوات العسكرية الليبية"، وفق
ما صرح الرئيس السيسي في المؤتمر الصحفي الذي جمعه بنظيره التركي، أردوغان.
طوفان الأقصى" أغرق إسرائيل سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا، وجعل ملف ما بعد الحرب على غزة، مفتوحا على احتمالات عديدة، من المهم أن تكون أنقرة طرفا فاعلا فيه بشكل أساسي
ـ ملف الحرب الغربية ـ الصهيونية على غزة،
التي تعدّ القاهرة، أحد المفاتيح المهمة له، سيما على مستوى إدخال المساعدات
الإنسانية إلى القطاع، والبحث الثنائي عن صيغة لمرحلة ما بعد الحرب على غزة..
وتأتي التفاهمات الثنائية، بالدعوة إلى
"الوقف الفوري للقتال" في غزة، و"الرفض القطعي لتهجير
الفلسطينيين"، بالإضافة إلى الإشارات القوية بشأن الرفض المصري التركي لأي
هجوم أو "اجتياح لمدينة رفح"، كعناوين بارزة لاستراتيجية وتنسيق الطرفين
بخصوص الملف الفلسطيني في وضعه الراهن، وهو ما اشار إليه الرئيس المصري بوضوح، في
أعقاب محادثاته مع نظيره التركي.
ويبدو الأتراك على قناعة قوية، بأنّ
"وضع اليد" مع النظام المصري في هذا السياق الفلسطيني الجديد، سيجعل
البلدان يضعان رجليهما في البيئة الفلسطينية الجديدة لما بعد الحرب، وخاصة في مجال
إعادة إعمار غزة، بما يفتح لهما مجالات رحبة للاستثمار والتشغيل وتنفيس الوضع
الاجتماعي والاقتصادي في مصر، الذي يئنّ تحت وطأة العسكر، وتحت ويلات الظروف
المالية الصعبة للنظام المصري..
ولا شكّ أنّ التعاطي مع الملف الفلسطيني
بهذه الصورة، مؤشر على مزيد إضعاف الكيان الصهيوني، في الإطار الإقليمي، واستعادة
المبادرة العربية التركية في المنطقة، وهو ما يعني التقاط البلدين للحظة التاريخية
بكل معنى الكلمة، استبعادا لدور فرنسي أوروبي، بالأساس.
ـ وشملت المحادثات بين رئيسي البلدين، كذلك،
الملف الإفريقي، على الرغم من التعقيدات التي تحيط به من كل جانب، وطرح الرئيسان
على الطاولة، وفق التسريبات التركية، موضوع السودان، وما يجري فيها.. والخلاف
المصري الأثيوبي حول المياه، وهو الموضوع الذي يعني تركيا بشكل مباشر، كما أشار
إلى ذلك الرئيس التركي، عندما أكد على "أهمية الموارد الطبيعية" في
إفريقيا، وأضاف الرئيس المصري، على أنّ اتفاقه مع ضيفه، أردوغان، شمل مسألة
"العمل أكثر في مستوى الملف الإفريقي"، وهي الجملة التي تعني وجود
انسجام في التفكير بهذا الصدد بين الجانبين، مع ما يعنيه ذلك ضمنيا، من اصطفاف
تركي خلف الموقف المصري..
مجلس أعلى استراتيجي
ولعلّ اتفاق البلدين على "إنشاء المجلس
الأعلى الاستراتيجي"، الذي سيتم تدشين أول اجتماع له في أنقرة خلال شهر نيسان
/ أبريل القادم، يشير إلى الأفق المستقبلي للتعاون التركي المصري، واتساع دائرة
النظرة الإستراتيجية للمنطقة، مستفيدين من علاقاتهما الوطيدة بالغرب، وخاصة
الولايات المتحدة الأمريكية، التي لا شك أنها ترتاح كثيرا للتفاهمات التركية
المصرية، ضدّا عن التعنّت الإسرائيلي، ومحاولة لتحجيم دور إيران في المنطقة خلال
الفترة المقبلة، أو هكذا يعتقد مراقبون.
لكن كيف ستنظر إسرائيل إلى التقارب المصري
التركي بهذه العناوين والتفاهمات والاتفاقات السياسية والإستراتيجية التي انتهت
إليها؟؟ وهل تملك اليوم العقل السياسي القادر على التقاط هذا التطور في العلاقات
العربية التركية، والعربية الإيرانية على المسار الآخر، في آن معا؟؟
بالتأكيد ستستفيق إسرائيل بعد الحرب، لتجد
"لوحة القيادة" الشرق أوسطية، قد تبدلت بعض تفاصيلها المهمة، وعندئذ،
ستتضح مآلات هذا الكيان، خصوصا في ضوء العمل التركي المصري ـ الأمريكي، على إيجاد
أفق لنهاية الحرب على غزة، باتجاه "استئناف عملية السلام وفقا للشرعية الدولية"، وهي
العبارة التي اختتم بها الرئيس المصري مداخلته في المؤتمر الصحفي مع نظيره التركي،
وكأنه يشير بذلك، إلى إسرائيل، بأنّ البوصلة النهائية لمآلات الحرب العدوانية على
غزة، لن تكون إلا باتجاه إعلان "الدولة الفلسطينية"، والاعتراف بها
دوليا، وهو ما بدأ رئيس الحكومة الإسرائيلية، نتنياهو، يستنكف منه، وفقا لما تسرب
من المكالمة الهاتفية الأخيرة للرئيس الأمريكي، جو بايدن، ونتنياهو، والتي يجري
الحديث في الصحافة الأمريكية، على أنها كانت شديدة اللهجة، وانتهت إلى توتر جديد
بين الرجلين، على خلفية طرح موضوع الدولة الفلسطينية، وفتح الباب للاعتراف بها
دوليا.
إنّ الملف الليبي، قضية استراتيجية لدى مصر كما لدى تركيا، والتشارك بين الطرفين على وضع لبنات حل للأزمة في ليبيا، يعني نجاح البلدين في الخروج بجزء مهم من "الكعكة" الليبية، من ناحية، ووضع قدم مهمة في المشهد المغاربي.. وغلق الباب أمام دور غربي ــ أوروبي، أوكلت لفرنسا مهمة القيام به، من خلال مبادرتها الأخيرة بالتسوية في ليبيا
لن نمضي بعيدا في اتجاه القول بأنّ زيارة
أردوغان إلى تركيا، استهدفت إيجاد نظام إقليمي عربي جديد، لأنّ هذا الأمر سابق
لأوانه، جيو ــ سياسيا، فضلا عن وجود أطراف عربية أخرى، يعنيها هذا الموضوع، ولا
تبدو اليوم في صورة هذا الهاجس، لكنّ الأمر المؤكد، أنّ هذه الزيارة / الحدث، قد
وضعت لبنة في اتجاه علاقات عربية جديدة، بدأت بــ "التطبيع" التركي مع
أبو ظبي، ثم مع الرياض، وصولا إلى القاهرة، وهذا يعني أنّ دينامية جديدة تتحرك في
المنطقة، على خلفية الحرب على غزة، وتداعياتها الإقليمية والدولية..
غزة الجريحة والنازفة، تعيد ترتيب الأوراق
العربية، في علاقة بمستقبل الإقليم، وتخلق إكراهات جديدة، ستغيّر بلا شكّ، المشهد
العربي، الذي لن يعود إلى ما قبل السابع من أكتوبر 2023، ولعل الطرف الوحيد، الذي
ما يزال يعتقد في ذلك، بعنجهيته المعروفة، هو الكيان الصهيوني، الذي يبدو اليوم في
أشدّ حالات العزلة الإقليمية والدولية، بعد أن أحرقت جميع أوراقه، الملطخة بالدم
الفلسطيني الطاهر والزكي.
*كاتب وإعلامي
تونسي