أقر مجلس النواب
المصري بصورة نهائية يوم الاثنين 20 مايو/ أيار 2024
الجاري القانون المقدم من الحكومة باسم "قانون تنظيم منح التزام المرافق
العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الطبية في مصر"، والمعروف
إعلاميا بأنه "قانون
تأجير المستشفيات"؛ وقد اعترضت نقابة الأطباء وعدد
من منظمات المجتمع المدني على القانون باعتباره يتعارض كليا وجزئيا مع المادة 18
من دستور 2014؛ ويوجد تشويه بمفهوم إعطاء الفرصة للقطاع الخاص والأهلي والذى يعنى
إنشاء مستشفيات جديدة وزيادة عدد الأسرة في توزيع جغرافي يشمل جميع مناطق البلاد، وبعدالة
في تقديم خدمات الرعاية الصحية للمواطنين، ويتعارض مع جوهر المادة 32 من نفس
الدستور والخاصة بالحفاظ على الملكية العامة للمنشآت الحكومية .
الدولة المصرية تخالف توصيات منظمة الصحة العالمية وتتخلى عن دورها
في تقديم رعاية صحية متاحة وعادلة وبجودة عالية لجميع المواطنين:
وحيث أنه من حق المواطن الحصول على خدمات الرعاية الصحية بصورة كاملة
ومتاحة وعادلة وبجودة عالية حسب جميع المواثيق والقوانين الدولية، ومن أهم توصيات
منظمة الصحة العالمية أن تقوم الدولة بدورها في تقديم الجانب الأكبر والأساسي من
خدمات الرعاية الصحية للمواطنين من خلال اعتمادات مالية في الموازنة الحكومية
للصحة لا تقل حسب المتوسط العالمي عن 11 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي السنوي
للدولة، ولكن ما يحدث في مصر يأتي على خلاف توصيات منظمة الصحة العالمية؛ حيث أن
موازنة وزارة الصحة تتأرجح حول نسبة 1.2 بالمئة فقط من إجمالي الناتج المحلى لمصر،
رغم وجود زيادات رقمية مالية في الموازنة بالجنيه المصري سنويا، ولكنها مجرد
زيادات ظاهرية فقط ولاتحقق الهدف المطلوب منها في سد الفجوة التمويلية الموجودة في
الرعاية الصحية، وفكرة تأجير المستشفيات،
أو الخصخصة، أو تسليع الصحة.
قانون تأجير المستشفيات جاء تنفيذا لفكرة طرحها السيسى بطريقة عشوائية في مؤتمر حكاية وطن منذ بضعة أشهر.
وهذا يعنى بكل وضوح أن الدولة ترغب في حجب تلك النسبة الضئيلة من
التمويل الحكومي، وهذا سوف يزيد من معاناة المواطنين خاصة وأن البنك الدولي قد أعلن بأن معدل الفقر في مصرفي عام 2022 بلغ 32.5
بالمئة ، مرتفعًا عن نسبة 29.7 بالمئة ،
في العام المالي 2019-2020، إضافة إلى ارتفاع التفاوتات المكانية بين المناطق
الريفية والحضرية، إذ يعيش، نحو 66%، من الفقراء في مناطق ريفية ، وهذا يعنى أنه
يوجد 35 مليون مواطن تحت خط الفقر أغلبهم بالريف ، منهم حوالى 7 مليون مواطن يعانون من الفقر المدقع ، كما ورد في بيانات وزارة التضامن حول إعانات برنامج
تكافل وكرامة.
قانون تأجير المستشفيات جاء تنفيذا لفكرة طرحها السيسى بطريقة
عشوائية في مؤتمر حكاية وطن منذ بضعة أشهر.
تقوم فكرة القانون الجديد على طرح المستشفيات الحكومية للقطاع الخاص
للاستثمار فيها، وهذا يعنى تحويلها إلى مؤسسات ربحية وليست خدمية، وبالتالي سوف
يتم رفع أسعار جميع خدمات الرعاية الصحية، وهنا تنتشر التصريحات الحكومية بأن نظام
التأمين الصحي الشامل الجديد ونظام العلاج على نفقة الدولة سوف يحمى الفقراء، ولكن
الواقع هو أن منظومة التأمين الصحي الشامل الجديدة مازالت متعثرة في 6 محافظات وهي
المرحلة الأولى وبنسبة إنجاز 5 بالمئة فقط من عدد سكان مصر رغم مرور 6 سنوات على
اصدار القانون رقم 2 لسنة 2018 ولائحته التنفيذية، وهذا يعنى وجود حالة من الفشل
الواضح في الالتزام بالجدول الزمنى التشغيلي لتنفيذ القانون، ويعنى بالتالي غياب
أية ضمانات حكومية لرعاية محدودي الدخل والفقراء صحيا، ومن ناحية أخرى فإن التأمين
الصحي القديم الحالي والذى يغطي نسبة 58 بالمئة من الشعب قد أصدر لائحة جديدة في
شهر أبريل 2024؛ رفعت أسعار 500 خدمة صحية مقدمة للمنتفعين وهم من فئة محدودي
الدخل من أصحاب المعاشات والموظفين، وليس لديهم أية طاقة مالية للتعامل مع
المستشفيات الحكومية بعد الخصخصة .
والمثير للريبة هو أن الفكرة الأساسية للقانون سبق وأن طرحها السيسي
في جلسات مؤتمر "حكاية وطن" في بداية شهر أكتوبر 2023، وذلك عند تناوله
فكرة الخصخصة؛ وكانت في اقتناعه بفشل الحكومة في الإدارة، وأن القطاع الخاص يمتلك
قدرات ومهارات إدارية أفضل بكثير من الحكومة وبالتالي فإن منح المستشفيات الحكومية
للقطاع الخاص تحقق نتائج أفضل، ولكن تلك
التصريحات تحمل في طياتها اعترافا صريحا بعدم مقدرة الحكومة على ضمان جودة الخدمات
الصحية بتلك المستشفيات بعد منحها للقطاع الخاص من المستثمرين، لأن الرقابة
والمتابعة لضمان الجودة من إحدى جوانب العملية الإدارية والتي سبق الإقرار بفشلها.
إضافة إلى أن الحكومة مجرد منفذ وفقط لتلك التوجيهات من القيادة السياسية دون وجود
أية رؤية أو استراتيجية أو حتى خطة مسبقة معلنة، ومن ناحية أخرى فإن القيادة
السياسية أعلنت مرارا وتكرارا عدم الاقتناع بفكرة دراسات الجدوى، وبناء عليه فإنه
لا توجد أية دراسات مجتمعية حقيقية لتأثير ذلك على عموم المواطنين خاصة الطبقات
الفقير منهم.
القانون يشمل بنودا تهدد بكوارث خطيرة تضرب الرعاية الصحية وتهدد
الأمن المجتمعي المصري من كافة جوانبه:
الكارثة الأولى تكمن في أن القانون ينص صراحة على وجوب احتفاظ
المستثمر بنسبة لا تقل عن 25 بالمئة من القوى البشرية العاملة بالمستشفيات
المؤجرة، وهذا يعني بالتبعية احتمالية طرد نسبة 75 بالمئة من الأطباء والتمريض
والفنيين والاداريين والعمال إلى الشارع في بطالة حقيقية لتلك الكوادر المؤهلة
والمدربة مهنيا وإداريا وصحيا؛ حيث لا توجد أية ضمانات أو بدائل حكومية موثقة
قانونيا لمواجهتها. وهذا سوف يزيد من هجرة شباب الأطباء للخارج، والغريب أن وزير
الصحة خرج بعدها على إحدى الفضائيات الحكومية وأعلن التزام الحكومة بمراعاة ظروف
تلك العمالة المحتمل طردها وأنه سوف يتم إعادة توزيعهم على منشآت حكومية أخرى
للعمل بها، وهذا تصريح كارثي وغير واقعي ومن الصعب الثقة في جدواه من ناحية، ومن
ناحية أخرى فإن تنفيذه سوف يخل بالأمان الوظيفي والاستقرار المجتمعي لهؤلاء
العاملين وأسرهم.
قانون تأجير المستشفيات الحكومية للمستثمرين من القوانين سيئة السمعة التي طالت الرعاية الصحية في مصر خلال السنوات العشر الماضية ويهدف إلى تسليع الصحة بصورة كاملة..
والكارثة الصحية الثانية تبدو مخاوفها في أن الفانون يقر بالسماح باستقدام عمالة أجنبية من الخارج بنسبة تتراوح بين 15 إلى 25
بالمئة، وهنا تبرز أهمية مخاوف نقابة الأطباء من دخول أطباء إلى ميدان الخدمة
الصحية في مصر وهم غير مؤهلين من جامعات معترف بها، خاصة وأن تصاريح مزاولة المهنة
ليست من اختصاص نقابة الأطباء بعد إصدار قانون إنشاء المجلس الصحي المصري في يناير 2022، ولم يعد التسجيل بنقابة الأطباء
شرطا؛ خاصة وأن وزير الصحة أعلن أمام البرلمان بأن توثيق كفاءة وخبرة الطبيب
الأجنبي هي سوف تتم من خلال وزارة الصحة فقط، وهذا يعنى استبعاد نقابة الأطباء
تماما عن دورها المهني والصحي حسب قانون المهن الطبية لعام 1969؛ والذى يعتبر
ركيزة هامة من أجل ضمان صحة وسلامة الإجراءات الطبية المقدمة للمواطن المصري من
ناحية، ولضمان جودة وكفاءة قدرات مقدمي الخدمة الطبية من ناحية أخرى.
وثالثة الأثافي؛ هي كارثة عدم تحديد نسبة واضحة بالقانون بخصوص حقوق
المرضى في تلقى خدمات التأمين الصحي والعلاج على نفقة الدولة والعلاج المجاني في
المستشفيات التي سوف يتم منحها للمستثمرين خاصة وأن تلك المستشفيات الحكومية التي
سوف يتم تأجيرها للمستثمرين سوف تكون هي المكان الوحيد المتاح أمام المواطنين في
جميع محافظات مصر على مدى فترة طويلة لأكثر من عشر سنوات حتى يتم استكمال نشر مظلة
التأمين الصحي الشامل الجديد والذى مازال متعثرا في مرحلته الأولى.
قانون تأجير المستشفيات الحكومية للمستثمرين من القوانين سيئة السمعة
التي طالت الرعاية الصحية في مصر خلال السنوات العشر الماضية ويهدف إلى تسليع
الصحة بصورة كاملة:
إن هذا القانون والذى تم تمريره في البرلمان بدون مناقشات مهنية
ومجتمعية حقيقية ولمدة كافية ؛ يعتبر الحقلة الأخيرة في خصخصة المستشفيات الحكومية،
والسعي نحو استكمال منظومة "تسليع الصحة"، والتي بدأت في محافظة بورسعيد
عام 2018 بتطبيق قانون صدر عام 2010 خاص بالشراكة مع القطاع الخاص، ثم إنشاء شركة
قابضة تحت مسمى "رعاية مصر" تتبع التأمين الصحي الجديد، وبعدها تم إصدار
" وثيقة ملكية الدولة " وفيه يتم التخارج أو بيع الأصول الاستثمارية.
وأخيرا إصدار "قانون تأجير المستشفيات الحكومية للمستثمرين “؛
والذي يعني تخلي الدولة طواعية، وبصورة كاملة عن دورها في تطبيق دستور 2014، والذي
ينص صراحة في "مادة 18 "على أنه " لكل مواطن الحق في الصحة وفي
الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق
الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها
وانتشارها الجغرافى العادل".