على الرغم من أن العنوان السؤال هو أسوأ أنواع العناوين للمقالات، من وجهة
نظري، وعلى الرغم من أن هذا المقال موجه ومنطلق من قناعات تحملها دلائل منطقية
ومشاهدات وتجارب، واستقراء مبني على سوابق، إلا أنني آثرت أن يكون عنوان المقال بصيغة السؤال لجذب انتباهك، أو على الأقل
عدم اعتراض من أخذ قرار تأييد الطنطاوي، تحت ضغط القمع والرغبة في الخلاص،
أو تحت ضغط تأييد "مشاهير"، أو تحت ضغط التعاطف لما يشاهده يوميا من
قمع للرجل وأنصاره، حتى لا يصل لعتبة الترشح التي بقي عليها حوالي أسبوع.
واسمحوا لي أن أقسّم المقال إلى أجزاء من دون عناوين جانبية حتى لا يطول،
وسأحاول الاختصار ما أستطيع، إذ كان من المقرر أن يكون المقال على جزأين، ونجعل
حديثنا أولا على الهدف من ترشح الطنطاوي، ثم ننتقل إلى الوسيلة التي سيتحقق بها
الهدف ومدى نجاعتها، ثم نذهب للتعرف على الطنطاوي نفسه، ونعرج على خيارات الناخب
ودعمه له بعد أن تعرف على الرجل، ثم نذهب إلى البيئة أو المجال الذي يعمل فيه
الطنطاوي لتحقيق هذا الهدف، وأخيرا نطرح سؤال: ماذا لو تحقق الهدف؟ ولن أتركك
عزيزي القارئ عند السؤال والحيرة التي ستخلفه، بل سأطرح رؤية قد تختلف معها وقد
تتفق، لذلك جعلت عنوان المقال في صيغة سؤال: هل يحيا الأمل مع
أحمد طنطاوي؟
ولعل الهدف من ترشح أحمد الطنطاوي أو غيره من
المرشحين
"الجادين"، مش الكومبارس، هو إحداث التغيير في الحالة السياسية
والاقتصادية في البلاد، بعد حالة الانسداد السياسي والفشل الاقتصادي الذي تعيشه،
وهو هدف راقٍ ونبيل، يجب علينا جميعا أن ندعمه ونقف معه، لكن علينا ألا نقع في
نفس فخ الـ18 يوما أيام الثورة، ويتنحى مبارك أو يسقط السيسي دون رؤية حقيقية جامعة
للمرحلة، وهو ما نفتقده أيضا في تحقيق الهدف، ويمكن التأكد من ذلك بالنظر إلى حال
المعارضة في الداخل والخارج.
الضمانات التي كان من الواجب المطالبة بها والتصميم عليها وتحقيقها، هي الفيصل في خوض غمار التجربة من عدمه، فكان من الواجب توفر ضمانات حقيقية ومراقبة دولية لإخراج انتخابات "نزيهة"، بداية من لجنة محايدة لتنظيم الانتخابات، مرورا بتدقيق القوائم، والتأكد من تحييد الأجهزة الأمنية على كل مستوياتها، وصولا إلى عملية انتخابية لا ضغوط فيها على الناخب.
أما الوسيلة التي اختارها الطنطاوي، وهي خوض غمار
الانتخابات وصولا للتغيير، فهي وسيلة مشروعة كتبت فيها مقالا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 بعنوان "
خلايا
أحمد طنطاوي الثورية!" باركتُ فيه مجهودات أحمد الطنطاوي للتغيير، وهو ما
أثار حفيظة المعارضة في الخارج، لا سيما وأن الطنطاوي كان جزءا من النظام غير
المعترف به من قبل المعارضة في الخارج، رغم أن قبولهم مصطلح المعارضة يجعلهم جزءا
من النظام كما الطنطاوي. وقد يكون موقف الطنطاوي من الانقلاب، هو ما جعل معارضة
الخارج ترفض مقالي، لكن في النهاية، فإن أي محاولة مقبولة. واستدللت في المقال
المذكور بتجربة تشيلي والإطاحة بالدكتاتور بينوشيه.
لكن الوسيلة تحتاج بعض المعطيات حتى يمكن تحقيق الهدف من خلالها، فالضمانات
التي كان من الواجب المطالبة بها والتصميم عليها وتحقيقها، هي الفيصل في خوض غمار
التجربة من عدمه، فكان من الواجب توفر ضمانات حقيقية ومراقبة دولية لإخراج
انتخابات "نزيهة"، بداية من لجنة محايدة لتنظيم الانتخابات، مرورا بتدقيق القوائم، والتأكد من تحييد الأجهزة الأمنية على كل مستوياتها، وصولا إلى
عملية انتخابية لا ضغوط فيها على الناخب (لا معنويا ولا ماديا)، باستخدام أجهزة
الدولة ومؤسساتها وإعلامها وفنانيها، ومن ثم مراقبة دولية حقيقية للعملية
الانتخابية، فإن تحققت الضمانات، أصبح قرار الانتخابات قرارا حقيقيا، يمكن أن يفضي
للتغيير حتى ولو الجزئي، وما دون ذلك، فهو عبث.
وبذكر الضمانات وما جاء فيها، فلو انتقلنا للبيئة التي يخوض فيها من أراد
أن يحيي الأمل، فيمكن أن يظهر لنا الفرق بين الأمل الذي يريد أن يحييه الطنطاوي
والوهم الذي يمكن أن يشارك في بيعه، وهو في ذلك مثله مثل من دعا للنزول خلال
السنوات الماضية، مؤمِّلا الناس بأن هناك جهات تساند. فلو رجعت لمؤتمر الحركة المدنية
الديمقراطية بشأن الانتهاكات التي صاحبت عملية جمع التوكيلات لأحمد الطنطاوي، الذي
عقد في حزب المحافظين لرئيسه أكمل قرطام، وهو بالمناسبة أحد قيادات الحزب الوطني
البائد، نجد أن كلمة الأستاذ محمد أنور السادات كانت الأكثر واقعية واتساقا مع
الحال، وبعيدة عن الوهم الذي يباع لإنتاج مسرحية يأخذ فيها "السوكسيه"
من يراد هزيمته في الانتخابات. والدليل على ذلك قرار إقالة رئيس اللجنة الوطنية
للانتخابات الصادر من المرشح عبد الفتاح السيسي، وما سبقه من التضييق على استخراج
التوكيلات، مع ذلك، فإن كل ظني أن الطنطاوي ستذلل له هذه العقبة، لتُستكمل
المسرحية.
وبعدما استعرضنا الهدف والوسيلة والبيئة التي تستخدم فيها هذه الوسيلة،
دعونا نقف قليلا عند شخص الطنطاوي، الناصري، الذي لا تمنعه أيديولوجيته في
التماهي مع العسكر، الذين أثبتت الأعوام الثمانون الماضية فشلهم في إدارة البلاد، وأكدت ذلك السنوات العشر العجاف الأخيرة، ومن ثم فمن المستغرب أن نجد له دعما من
اليسار أو الليبراليين، أو حتى اليمين متمثلا في الإخوان، رغم أن رئيس المكتب
السياسي للإخوان، في مقابلته على قناة الشرق، بقي أن يقسم على القرآن أن جماعته لن
تدعمه، لكنها لا شك ستدعم التغيير.
الحل من وجهة نظري هو النضال على الأصعدة كافة، بما فيها النضال من خلال الصندوق، مع ترك المجال لبديل عسكري في الفترة القادمة، عملا بمبدأ من أفسد شيئا فعليه إصلاحه، ولن يقدم على إصلاحه إلا بضغط شعبي من خلال هذا النضال على المستويات والأشكال كافة، لفتح مساحات عمل على المستوى السياسي والمجتمع المدني وإطلاق مساحات أكبر لحرية الرأي، والتوعية الشعبية لبناء الحاضنة الشعبية جنبا إلى جنب، مع بناء برنامج زمني للتحول الديمقراطي.
إذن فسؤال الحلقة، أو سؤال المليون: ماذا لو تحقق الهدف، وأطاح الطنطاوي
بالسيسي؟
والإجابة في شقين، الأول يخص الطنطاوي الذي لم يضع برنامجا توافقيا، بل
وضع عناوين عامة وشعارات فضفاضة، قد تتحول لبرنامج ومشاريع لاحقا، وقبل
الانتخابات التي تحدد موعدا لها بعد شهرين ونيف، لكن حتى الآن، لا تجد ملامح حقيقية
لمرشح يمكن انتخابه، كما لا تجد همّة أو إرادة حقيقية لتغيير النظام. فالرجل من
خلال كلماته أو منشوراته تشعر أنه متماهٍ مع الوضع، ويسعى لتخفيف أعباء المرحلة
فقط، ولا توجد حلول ثورية حقيقية تُحدث التغيير المأمول حتى لأفراد حملته، وهم في
الغالب من شباب الثورة أو مؤمنين بها. وحديثه عن أنه يحترم القانون والقضاء
وأحكامه، يُشعرك بأن التغيير الذي ينتظره الإسلاميون لن يحقق لهم ما يصبون إليه؛ من
الإفراج عن ما يقارب المئة ألف معتقل في السجون بأحكام جلها جنائية، أصدرها قضاء
النظام للتحايل على المطالبات السياسية التي قد تعتقهم، لذا فإن من يساند هذه
الحالة ويقبلها، فكأنما يقبل أي عريس لأن ابنته عانس.
إذن أين الحل الذي قد تخالفني فيه؟ الحل من وجهة نظري هو النضال على الأصعدة كافة، بما فيها النضال من خلال الصندوق، مع ترك المجال لبديل عسكري في الفترة القادمة، عملا بمبدأ من أفسد شيئا فعليه إصلاحه، ولن يقدم على إصلاحه إلا بضغط شعبي من خلال هذا النضال على المستويات والأشكال كافة، لفتح مساحات عمل على المستوى السياسي والمجتمع المدني وإطلاق مساحات أكبر لحرية الرأي، والتوعية الشعبية لبناء الحاضنة الشعبية جنبا إلى جنب، مع بناء
برنامج زمني للتحول الديمقراطي، تتوافق فيه
القوى على دستور، والعمل التوافقي من أجل التغيير وتقليص نفوذ العسكر، حتى ولو من
خلال الديمقراطية التشاركية، وصولا للدولة المدنية المؤمنة بتداول حقيقي وسلمي
للسلطة.