بينما لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم، قال وزير الداخلية التركي؛ إن
النتائج الأولية تشير إلى أن مليشيا حزب
العمال الكردستاني الإرهابية، هي من قامت
بالهجوم الذي استهدف المنشأة الرئيسة لشركة الصناعات الجوية والفضائية التركية (TAI) في العاصمة أنقرة بعد ظهر الأربعاء،
ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة 22 آخرون، اثنين منهم في حالة حرجة.
ويبدو أن أنقرة أصبحت منطقة رخوة، بل ومغرية للعناصر الإرهابية من حزب
العمال الكردستاني، فمنذ عام، ويزيد عليه بأيام، وتحديدا في السادس عشر من تشرين
الأول/ أكتوبر 2023، نفذ إرهابيان اثنان هجوما بالقنابل على مديرية الأمن العام في
الولاية، وتزامنت العملية مع بداية الدورة البرلمانية في ذلك العام.
فإن كانت عملية العام الماضي وتوقيتها له دلالات، تتمثل في رغبة حزب العمال
الكردستاني في ضرب رمزية الدولة وسيادتها؛ نظرا لأن الموقع يحتوي على مبان حكومية
مهمة، بما في ذلك البرلمان ووزارة الداخلية، والتوقيت كان له رسالة أخرى، سواء من
ناحية بداية البرلمان جلساته، وإلقاء الرئيس كلمته أمامه، أو إثبات أن الحزب لا
يزال قويا رغم الضربات الموجعة التي وجهتها له الدولة خلال السنوات الأخيرة. فإن عملية
الأربعاء لها دلالات أخرى يجب الوقوف عندها مليا، سواء المكان المستهدف، وهو شركة
الصناعات الجوية والفضائية، التي تنتج طائرات من دون طيار تشكل رمز قوة
تركيا في
الأعوام الأخيرة وأثبتت جدارة، وكانت عامل حسم في حرب الدولة ضد الإرهاب في جنوب
البلاد أو خارجها في سوريا وجبال قنديل في العراق، وكذا في حروب الدول الصديقة في
ليبيا وأذربيجان، حتى باتت محط طلب كل جيوش العالم.
عملية الأربعاء لها دلالات أخرى يجب الوقوف عندها مليا، سواء المكان المستهدف، وهو شركة الصناعات الجوية والفضائية، التي تنتج طائرات من دون طيار تشكل رمز قوة تركيا في الأعوام الأخيرة وأثبتت جدارة.
ورمزية استهداف هذه الشركة المهمة، تكمن في أن هذه العملية، فيما يبدو،
نفذت بسواعد عناصر حب العمال الكردستاني، كما صرح وزير الداخلية، لكنها برعاية دول
يهمها ضرب هذه الصناعة المهمة لتركيا من خلال تحييد أكبر عدد ممكن من العقول في
هذه الصناعة، كما حدث مع المهندس حسن سيد الذي قتل في ماليزيا عام 2013 في ظروف
مريبة، والمهندس جميل شينيل، مهندس البرمجيات في شركة أسلسان، عام 2017 ، وعلى
الرغم من اعتبار مقتله رسميا عملية انتحار، إلا أن وفاته جاءت في أعقاب سلسلة من
الوفيات المشبوهة لمهندسي أسلسان الآخرين على مر السنين.
وليس ببعيد عن هذه الجرائم، مقتل نجيب هابيميت أوغلو، فمع أنه لم يكن جزءا
مباشرا من المجمع الصناعي العسكري التركي، إلا أنه مؤرخ أجرى أبحاثا عن حركة فتح
الله غولن والتدخل الأجنبي في الشؤون التركية، وربط الكثيرون بين مقتله ومن
يريدون إنهاك الصناعة التركية العسكرية الواعدة.
والحديث عن هابيميت أوغلو، وكشفه عن تدخلات جماعة فتح الله جولن، المتوفى
حديثا، يربط خيوط الشبكة التي يعمل حزب العمال لصالحها، أو على الأقل يستفيد منها،
سواء على المستوى الإقليمي أو على المستوى الغربي، كالسويد التي حُيِّدت مساعيها
بصفقة دخول حلف "ناتو" ومن ورائها واشنطن التي تسعى جاهدة لإجهاض أي
محاولة لدولة تركية كبيرة في المنطقة، وإن كان حلم أنقرة أكبر من ذلك بكثير.
غير مستبعد أن يشارك الكيان المحتل لفلسطين في هذه العملية، فارتباطه وثيق
بالمليشيا الكردية الانفصالية، والضربات المخابراتية التركية خلال العام الماضي
لمخابراته كانت موجعة، لا شك، وكان عليه أن يرد الصفعات من خلال عملاء لهم باع
طويل وتاريخ أطول في الإيغال في الدم التركي، وعملياته خلال ثمانينيات القرن
الماضي وما بعدها شاهد على ذلك.
إن دعوة رئيس حزب الحركة القومية، وحليف حزب العدالة والتنمية الحاكم، دولت
بهتشلي، التي رآها البعض تحولا غير متوقع، حيث دعا بهتشلي السماح لعبد الله
أوجلان، زعيم مليشيا حزب العمال الكردستاني المسجون، بمخاطبة البرلمان التركي، وهي
دعوة لأوجلان لحل لمليشيا حزب العمال وإلقاء السلاح، لكي يعم السلام في تركيا.. هي
دعوة لا يمكن أن يرفضها عاقل.
عملية أنقرة الأربعاء إنما هي رد على دعوة بهتشلي التي لاقت قبولا من أغلب الأحزاب في البرلمان، ولعل الرجل، حليف أردوغان، قد تشاور مع الرئيس على إطلاق الدعوة، لرغبة الرئيس في تهدئة الجبهة الداخلية.
عملية أنقرة الأربعاء إنما هي رد على دعوة بهتشلي التي لاقت قبولا من أغلب
الأحزاب في البرلمان، ولعل الرجل، حليف أردوغان، قد تشاور مع الرئيس على إطلاق
الدعوة، لرغبة الرئيس في تهدئة الجبهة الداخلية، لا سيما بعد خطابه الأخير وحديثه
عن الأخطار التي تواجه الدولة التركية من التمدد "الإسرائيلي" في لبنان
ومخاوفه من التحرك باتجاه سوريا، ومن ثم تهديد أمن بلاده بشكل مباشر، وهي المخاوف
التي تستند إلى رؤية غربية بتشكيل شرق أوسط جديد.
يهدف اقتراح بهتشلي إلى حل المسألة الكردية في تركيا من خلال الوسائل
الديمقراطية، وقد ألقى الرجل بالكرة في ملعب حزب العمال الكردستاني، وإن كان
أوجلان قد أصبح تاريخيا رمزا للقضية، ويشهد على ذلك الاتفاق الذي أبرمته حكومة حزب
العدالة والتنمية مع الرجل ونقضته قيادات العمال الكردستاني، بعد وعود غربية،
وحالة السيولة التي شهدتها المنطقة سواء في العراق، مقر العمال الكردستاني، أو في
سوريا بعد الثورة الشعبية التي تحولت إلى مسلحة.
وإن كان الهدف من دعوة زعيم حزب الحركة القومية، هو تفريغ الحاضنة الشعبية
الكردية؛ وفضها من حول حزب العمال الكردستاني، أو على الأقل هز شبه الإجماع الكردي
على سياسته، فإن عملية أنقرة هدفها من وجهة نظر حزب العمال الكردستاني هو الرد على
هذه المبادرة، وتأكيد مواصلة الخط الذي اختاره الحزب، وإرضاء الموتورين داخل
الحزب وأنصاره في الخارج، وإرضاء من يحرك هذه المليشيا الإرهابية وتأمين المزيد من
الدعم.