بغض
النظر عن مواقفه السياسية سواء الداعمة للحكم العسكري أو التطبيع مع العدو
الصهيوني، إلا أن الناشط والباحث السياسي
المصري عماد جاد، المتحدث باسم التيار
الليبرالي الحر، أثار الجدل مجددا عبر بيانه يوم الخميس الماضي الذي دعا فيه
لترشيح رئيس الأركان المصري الأسبق الفريق محمود حجازي لرئاسة الدولة؛ بديلا
للسيسي الذي لم يعد صالحا لفترة حكم جديدة بنظره.
ورغم
أن كثيرين طرحوا اسم حجازي مؤخرا مثل رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات
أو غيره، ورغم أن كثيرا من النخب التي دعمت انقلاب
السيسي وتحركت شرقا وغربا
لتسويقه؛ كسرت أسوار الخوف ودعت صراحة لعدم ترشح السيسي مجددا، ورغم أن الحركة
المدنية التي تمثل عدة أحزاب من معسكر 30 يونيو أعلنت صراحة أن مصر لا تحتمل فترة
ثالثة للسيسي، إلا أن بيان عماد جاد الذي حرص على توقيعه بصفته الشخصية يحمل
دلالات أكبر مما سبق، فهو معروف بعلاقات مع الأجهزة الأمنية وخاصة المخابرات،
وبالتالي قد يفهم البعض أن بيانه ربما كان تعبيرا عن أصوات من قلب الدولة العميقة.
لكن
الأهم بالنسبة لي في هذا المقال هو الرمزية الدينية في صاحب المقال، فهو ينتمي
للكنيسة الأرثوذكسية، ومقرب بشدة من رأسها الأنبا تواضروس، وهذه أول مرة يخرج صوت
مسيحي حتى لو تدثر برداء مدني منقلبا على السيسي بهذه الفجاجة، حتى إن أبواق
السيسي اعتبرت دعوته انقلابا بالفعل على السيسي ومحاولة لإحداث وقيعة داخل الجيش؛
بين معسكر داعم للسيسي وآخر داعم لحجازي.
لا
يمكن وصف عماد جاد بالانتماء للإخوان أو مساندتهم كما يحدث عادة مع كل معارض حقيقي
للنظام، فالرجل لم يقصر في دعم الانقلاب، وسافر إلى واشنطن وعواصم أخرى ترويجا له،
ودافع عن الدعم الصهيوني له أيضا في مقال شهير له بجريدة الوطن في أيلول/ سبتمبر 2017،
مشيرا إلى الضغوط الكبيرة التي مارستها الوفود التي أرسلها بنيامين نتنياهو على
أعضاء الكونجرس من أجل دعم أحداث 30 يونيو وعدم وصفها بالانقلاب.
الطريف
أن الأذرع الإعلامية الداعمة للسيسي حين أرادت تشويه صورة عماد جاد فإنها استدعت
هذا الأرشيف الداعم للكيان الصهيوني، واتهمته بالخيانة والتطبيع، مستشهدة بالعديد
من المواقف السابقة له منذ عهد الرئيس مبارك، رغم أن هذه الأذرع نفسها تدافع عن
التطبيع في مواطن أخرى لكنها تدرك حساسية الشعب المصري تجاه هذه القضية.
استمر تعاظم دور الكنيسة في عهد السيسي وفقا للميثاق غير المكتوب بينهما، حيث كانت الكنيسة الداعم الأكبر لمظاهرات 30 يونيو ضد حكم الرئيس محمد مرسي الذي عين أول مساعد رئيس جمهورية قبطي (سمير مرقص)، وأصبحت الكنيسة وحشودها في الولايات المتحدة والغرب عموما هي الحاضنة الرئيسية للسيسي خلال زياراته الخارجية
كان
الموقف الأخير لعماد جاد مفاجئا للكثيرين بحكم علاقاته ومواقفه السابقة، ولكنه جاء
في سياق حالة تململ النخبة الداعمة للسيسي بعد دورتين من حكمه الذي لم يستطع تحقيق
نجاحات تذكر رغم امتلاكه كل الأدوات. والجديد هنا أيضا أن النخبة المسيحية أصابها
هذا التململ رغم أنها كانت الأكثر دعما وارتباطا بالسيسي تقديرا لدوره في تخليصهم
من الإخوان، أيضا خشية من عودة الإخوان مجددا في حال غيابه من المشهد، لكن هذه
النخبة تدرك الآن أن العقد غير المكتوب بينها وبين السيسي تم تنفيذه من طرف واحد (أي
الجانب المسيحي)، بينما لم يحقق لهم السيسي الحماية المطلوبة مقابل الدعم الوفير
الذي قدموه له، إذ لم يستطع وقف الاعتداءات التي يتعرضون لها سواء كأفراد أو
منشآت، رغم أنه بنى لهم أكبر كاتدرائية في عاصمته الإدارية الجديدة كما بنى العديد
من الكنائس الأخرى، ومنح الصفة القانونية لمئات الكنائس التي بُنيت في أوقات سابقة
بدون تراخيص رسمية.
لعقود
طويلة حرص المسيحيون المصريون على الابتعاد عن العمل السياسي، تاركين مهمة التواصل
مع الدولة نيابة عنهم للكنيسة التي منحها نظام يوليو 1952 حق ترشيح الوزراء وكبار
المسئولين الحكوميين المسيحيين، وقد تضخم دور الكنيسة السياسي، وصارت بمثابة حزب
الأقباط، وهو ما دفع السياسي والبرلماني القبطي جمال أسعد عبد الملاك لإصدار كتاب
بعنوان "من يمثل الأقباط.. الدولة أم البابا؟"؛ انتصر فيه للأخير، وهو
ما أثار عليه غضب الكنيسة لفترة طويلة في عهد البابا الراحل شنودة الثالث.
واستمر
تعاظم دور الكنيسة في عهد السيسي وفقا للميثاق غير المكتوب بينهما، حيث كانت
الكنيسة الداعم الأكبر لمظاهرات 30 يونيو ضد حكم الرئيس محمد مرسي الذي عين أول
مساعد رئيس جمهورية قبطي (سمير مرقص)، وأصبحت الكنيسة وحشودها في الولايات المتحدة
والغرب عموما هي الحاضنة الرئيسية للسيسي خلال زياراته الخارجية، ووصل الأمر إلى
وصف هذه الفترة بالذهبية بالنسبة للأقباط.
ظهور أصوات قبطية من خلفيات مدنية معارضة للسيسي يكسر الصورة النمطية التي ترسخت لدى الكثيرين خلال السنوات العشر الماضية عن علاقة الزواج الكاثوليكي بين الأقباط ونظام السيسي، ويفتح الباب لحوار وطني جاد حول دور الأقباط في التغيير السياسي، وعلاقاتهم بكل أطراف المشهد السياسي المصري وفي مقدمته التيارات الإسلامية التي يعتبرها الأقباط عدوا
ولكن
رغم ذلك ظهر تململ النخب القبطية الذي عبّر عن جانب منه عماد جاد والمعلقون
الأقباط على بيانه المنشور على صفحته، كما عبرت عنه شخصيات سياسية قبطية كبيرة مثل
رجل الأعمال نجيب ساويرس، مؤسس حزب المصريين الأحرار، والوزير السابق والقيادي
الوفدي منير فخري عبد النور، والبرلماني السابق جمال أسعد، والراحلين جورج إسحق
وأمين إسكندر ( قبل وفاتهما)، ونشطاء وكتاب مسيحيون، كجزء من حالة غضب شعبي عام
بسبب تردي الأوضاع الذي لا يفرق بين مسلم ومسيحي، وبسبب الخوف من ثورة شعبية يمكن
أن تعيد الأقباط إلى المربع الأول، وتجعلهم في مرمى هذا الغضب الشعبي بسبب دعمهم
للسيسي طيلة عشر سنوات.
ظهور
أصوات قبطية من خلفيات مدنية معارضة للسيسي يكسر الصورة النمطية التي ترسخت لدى
الكثيرين خلال السنوات العشر الماضية عن علاقة الزواج الكاثوليكي بين الأقباط
ونظام السيسي، ويفتح الباب لحوار وطني جاد حول دور الأقباط في التغيير السياسي،
وعلاقاتهم بكل أطراف المشهد السياسي المصري وفي مقدمته التيارات الإسلامية التي
يعتبرها الأقباط عدوا. والحقيقة أن هذه العلاقة المتوترة بين الطرفين سببت ضررا
لكليهما، وآن للطرفين البحث عن علاقة جديدة في إطار الوطن الذي يضم الجميع وليس
بمقدور أحد أن يُقصي الآخر منه.
twitter.com/kotbelaraby