تعد القمم العربية السنوية مقياسا واضحا للحالة السياسية العربية
العامة. فإن لم تكن لها فائدة سوى هذا الأمر لكفى. فقد تخفي كثير من الدول تعقيدات
علاقاتها مع جيرانها العرب لتأتي قمة تلو أخرى لتكشف بشكل جلي وعملي حقيقة الأمر.
حدث هذا العام الماضي مع تكهنات وصلت لدرجة التوقعات حول
حضور العاهل المغربي
الملك محمد السادس للقمة العربية المقامة في الجزائر حتى أتت القمة لتميط اللثام
عن حقيقة أمر العلاقات بين الجارتين وأن المياه لم تعد لمجاريها بعد. الأمر ذاته
يتكرر هذه الأيام مع قنبلتين من العيار الثقيل حول حضور الرئيس السوري بشار الأسد
ورئيس المجلس الانتقالي السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان للقمة العربية المزمع
عقدها في
السعودية.
تحيط هالة من الغموض والشك حول حضور الأسد والبرهان بشخصيهما إلى
السعودية. لكن يكفي توجيه الدعوة الرسمية لكليهما كي نعرف اتجاه الرياح السياسية
العربية. فمسار طائرات المسؤولين العرب نحو دمشق ولقاء بشار الأسد أصبح خبرا عاديا
لكن أن يخرج الأسد بشحمه ولحمه ويجلس وسط قادة وممثلي الدول العربية ليس خبرا
عاديا حتى الآن. هناك فيتو أمريكي معلن على الأقل وهناك بعض المحاذير وربما
المصالح والتوازنات سيكشف عن حقيقتها لقاء القمة القادم. فشكرا للجامعة العربية
التي ستنقل لنا ما هو ظني من أخبار السياسية العربي إلى ما هو قطعي.
وقد كان لقاء التفاوض بين طرفي الصراع في السودان في مدينة جدة
تمهيدا كي لا يعكر صفو
القمة العربية شيء وربما تمهيدا أو تحييدا لحميدتي كي تجري
دعوة البرهان بشكل رسمي من دون منغصات. وجاء الإعلان الختامي متجنبا الفخاخ
السياسية والعسكرية والإعلامية ويبدو أن النقاش حولها سيطول ويطول وتم الاكتفاء
بالجزء الإنساني منه وإدخال المساعدات الإنسانية في هذه المرحلة كي تؤتي الجلسات
أي ثمرة ينقذها من فشل محقق.
في الأحوال الطبيعية أو المثالية ربما، فإن القمة العربية هي المسرح الأمثل للوصول إلى حل للخلافات العربية والوصول لتسويات. ولكن التجارب تلو الأخرى تشير إلى أن هذه المنظمة الدولية العريقة ليس لديها القدرة على النفاذ بعمق إلى جوهر الصراعات والأزمات والقدرة على الأقل على تخفيفها إن لم يكن إنهائها.
وهو الأمر الذي ناديت به في مقالي السابق في هذه
الزاوية قبل أسبوعين بأن تكون البوصلة الإنسانية للسودان هي الأساس الحاكم لأي
اتفاق وجهود وساطة قادمة. ويا ليت الدبلوماسية العربية بمختلف توجهاتها تولي هذه
القضية أهمية مركزية في أطر التفاوض وجهود الوساطات لمختلف الملفات الدولية
العالقة وما أكثرها، لأن الملف الإنساني ليس ترفا ولكنه يقع في لب الصراع والأزمة
وعلينا أن ننتبه إليه قبل أن يتجاوز الجرح مرحلة النزيف والقابلية للعلاج لنبحث عن
حلول البتر الصعبة.
وهناك هالة أخرى من الغموض تحيط
إمكانية أن يترك البرهان بلاده في مثل هذه الظروف ويحضر القمة. فهو إن حضر فهذا
خبر ومن ورائه رسالة وإن لم يحضر فهذا خبر ومن ورائه أيضا رسالة. في الحالة الأولى
يعني الأمر أن وضع البرهان وقواته مستقر بما يسمح له بأن ينتقل إلى دولة أخرى، وهو
ما أشك فيه. وفي الحالة الثاني يعني العكس من ذلك ويرسخ من فرضية أن تكافؤ
الإمكانيات في الصراع بين طرفي النزاع في السودان يعني أن أمد الحرب قد يطول وأن
لا تسوية حقيقية في الأفق.
في الأحوال الطبيعية أو المثالية ربما، فإن القمة العربية هي المسرح
الأمثل للوصول إلى حل للخلافات العربية والوصول لتسويات. ولكن التجارب تلو الأخرى
تشير إلى أن هذه المنظمة الدولية العريقة ليس لديها القدرة على النفاذ بعمق إلى
جوهر الصراعات والأزمات والقدرة على الأقل على تخفيفها إن لم يكن إنهائها. وأرجو
أن يكون إحراز أي تقدم في الملفات الإنسانية إنجازا للجامعة العربية يصلح لأن
يرتقي ويتطور ليكون آلية موازية لحل النزاعات.