قضايا وآراء

عندما تقصف إسرائيل عاصمة عربية

هاني بشر
"قصف بيروت ليس عملا هامشيا أو عاديا ولا يجب أن يكون كذلك، وقصف بيروت ليس مجرد خبر ملحق بأخبار العدوان الإسرائيلي على غزة"- إكس
"قصف بيروت ليس عملا هامشيا أو عاديا ولا يجب أن يكون كذلك، وقصف بيروت ليس مجرد خبر ملحق بأخبار العدوان الإسرائيلي على غزة"- إكس
عندما تدور حلقة الصراع المسلح بين الدول يكون كل شيء مستباحا، لا أحد يسمع حينئذ عن قواعد الاشتباك، ويتناسب حجم الاعتداء طرديا مع قدرة الدول على الردع والرد، وهذا ما حدث في لبنان خلال الأسابيع الماضية. يبدو الأمر تطورا متوقعا في إطار الصراع العسكري المباشر بين إسرائيل وحزب الله كجبهة إسناد للمقاومة في غزة، ولكن غير المتوقع أن يزحف القصف من الجنوب إلى الضاحية ثم إلى قلب العاصمة اللبنانية بيروت.

قصف بيروت ليس عملا هامشيا أو عاديا ولا يجب أن يكون كذلك، وقصف بيروت ليس مجرد خبر ملحق بأخبار العدوان الإسرائيلي على غزة، هو طامة كبرى بحد ذاته؛ لا يمحو ذلك إلف أعداد الشهداء بعشرات الآلاف في غزة.

وهنا لا بد من التذكير من أن إسرائيل لا تزال تقصف دمشق أخت بيروت، وهذا أيضا ليس خبرا عاديا يمكن أن يصبح مألوفا في سياق عربي آخر. إن من يقصف بيروت ودمشق اليوم لن يتورع عن قصف عمَّان والقاهرة وغيرهما من العواصم العربية والإسلامية غدا؛
إسرائيل لا تزال تقصف دمشق أخت بيروت، وهذا أيضا ليس خبرا عاديا يمكن أن يصبح مألوفا في سياق عربي آخر. إن من يقصف بيروت ودمشق اليوم لن يتورع عن قصف عمَّان والقاهرة وغيرهما من العواصم العربية والإسلامية غدا
هذا ما قاله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان محذرا من أطماع تل أبيب في بلاده، وهو نفس المعنى الذي ورد على لسان الوزيرة القطرية لولوة الخاطر.

الأمر أكبر إذا من تفاصيل هامشية في أتون الصراع بين إيران وإسرائيل، ولهذا ليس من المستغرب أن يعاد إحياء تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش عن أن حدود القدس المحتلة عند إسرائيل تصل إلى سوريا، وأن إسرائيل تطمع في أراض من السعودية ومصر ولبنان أيضا، فأحلام وأوهام اليمين المتطرف الإسرائيلي هي الأعلى صوتا في إسرائيلي وفي الولايات المتحدة ذاتها.

هناك مثل روسي يقول إن "كل مزحة فيها جزء من الحقيقة"، وما قاله وزير المالية الإسرائيلي قطعا ليس مزحه والدوافع الاستعمارية الدموية التي تحركه دوافع حقيقية وملموسة، واستطاعت هذه الأصوات النشاز غير العقلانية أو المنطقية أن تفرض نفسها وسلوكياتها على الجميع ورغما عن الجميع. والحرب أولها كلام، والكلام في هذا السياق ليس أول الحرب ولكن في منتصفها بعد أن غطت أشلاء شهداء فلسطين ولبنان الشاشات.

لبنان بلد متعدد الطوائف وليس كله حزب الله، كما أن قوات الأمم المتحدة العاملة في لبنان (اليونيفيل) التي استهدفتها إسرائيل ليست حزب الله. فالحزب إذن هو الذريعة والمستهدف هو لبنان بكل من فيه وما فيه، وحتى قوات اليونيفيل وأي صوت لا يسير في ركاب إسرائيل.
خطورة قصف عاصمة عربية عبرت عنه قوات اليونيفيل نفسها حين حذرت من نزاع إقليمي كارثي، وهو نزاع ذريعته فلسطين وإيران والمستهدف فيه هو كل العواصم العربية
لبنان البلد الذي تجاوز حربا أهلية داخلية دامية واستطاع وهو مثخن بالجراح طرد إسرائيل من الجنوب وإلحاق العار بها وبجيشها؛ يقف شبه وحيد ينزف ويئن إنسانيا وعسكريا بعد أن أُنهك اقتصاديا.

خطورة قصف عاصمة عربية عبرت عنه قوات اليونيفيل نفسها حين حذرت من نزاع إقليمي كارثي، وهو نزاع ذريعته فلسطين وإيران والمستهدف فيه هو كل العواصم العربية.

الكل يتحدث عن الحرب الشاملة ويحذر منها ويخشاها ولا أحد يفعل شيئا لإيقافها. أخبار الجامعة العربية في هذا الشأن توارت ولم تسترع أهمية خبرية تذكر في معظم وسائل الإعلام حتى الرسمية منها، والقوى الشعبية والوطنية أيديها مغلولة عن أي فعل. هذا يعني أن كل ما هو محتمل ومتخيل يمكن أن يحدث، فلا شيء منطقي ولا توجد أصوات للحكمة أو العقل. وليس هناك أمن ولا أمان، ومن أمِنَ العقوبة أساء الأدب. وقد أمنت إسرائيل عقوبة أفعالها وجرائمها في غزة وفي لبنان وسوريا وطهران، وليس متوقعا منها سوى مزيد من إساءة الأدب.

twitter.com/HanyBeshr
التعليقات (0)