الأسبوع الأخير حمل عدة أخبار وأحداث في
مصر تؤكد ما بات مثبتا
ومؤكدا عن العسكر وحكمهم في كل زمان ومكان، إلا من رحم ربك، بأنه حكم لا يفلح إلا
في التنكيل بالبرآء، ولا ينجح إلا في الانقلابات العسكرية الدموية على حساب تجارب
الشعوب وحرياتها، فقد نشب ما يشبه بالاقتتال الداخلي في السودان، بين قوات الدعم
السريع بقيادة حميدتي، وقوات الجيش السوداني بقيادة البرهان، واختطف حميدتي عددا
من الجنود المصريين مع قيادتهم، وسربت فيديوهات تحمل مهانة لمصر جيشا وشعبا ودولة.
هذه الفيديوهات ذكرت الشعب المصري بما جرى لجيشها عندما ترك العمل
العسكري المنوط به، والذي لا وظيفة له غيرها، إلى المنافسة في كل مجالات العمل
المدني، وترك ما كل ما له علاقة بالعسكرية، والدفاع عن الوطن وحدوده، وسلامة
أراضيه ومواطنيه، فذكر الناس بتجارب عبد الناصر من قبل، وما جرى فيه للجيش المصري
وجنوده في سوريا وقت أن أقام وحدة مع بلد لا تربطه به حدود، رغم ما بين الشعبين من
روابط أخرى مهمة، ومع ذلك غامر وتعامل بعجرفة وتعالي على الشعب السوري، فكان ما كان
من إهانة للجيش وإخراج أفراده من سوريا بملابس وبشكل في غاية الإهانة.
لو أن مصر حافظت على علاقاتها مع الجيران السودانيين بما يحفظ لها مكانتها القديمة، وقوتها الناعمة، لحلت مشكلة الجنود في ساعات معدودة، ولعمل خاطفوهم لمصر ألف حساب، لكنهم رأوا بلد كبيرا بحجم مصر، يتقاسم خيراته ومكانته الكبير والصغير، وكل من هب ودب، في ظل مؤسسات تاريخية فيها لم تعد لها أثرها، ولا قيمتها للأسف.
بينما ترك حكم العسكر السودان البلد الشقيق الذي يجمعه بمصر عدة
روابط مهمة، يجمع بينهما مجرى مائي مهم هو النيل، وبينهما مصاهرات، وحدود ممتدة،
وتاريخ عريق كان البلدان بلدا واحدا، وتحت حكم واحد، بل وجمعتهما مصائب واحدة، فقد
كان احتلالهما إنجليزيا، ومع الأسف كان التفريط في الوحدة مع السودان، بسبب ما
مارسه العسكر معهم، فاختاروا الانفصال عن مصر.
وما حدث في سوريا، والسودان، حدث مثله في اليمن، فتاريخ الإهانات
كثير، في ظل ترك العسكر وظيفتهم الحقيقية، والانشغال عنها بما ليس من صميم عملهم،
ولا خبرة لهم به، فرأيناهم يدخلون في الفن والإعلام، والتجارة، والسياسية،
والمقاولات، ولم يفلحوا فيما اقتحموه، وأصبحنا نرى صورة للجيش المصري الذي يقدره
الشعب، صورة مهزوزة على وسائط التواصل الاجتماعي، والإعلام بكل مستوياته، فيما نشر
مؤخرا من صور للجنود المأسورين أو المحتجزين لدى حميدتي.
وكعادة الحكم العسكري حين يفشل في حل ملف، يلجأ لوسيلة الإلهاء، أو
تفريغ انتقامه في مكان آخر، وفي مظلوم لا علاقة له بفشله، ففي نفس أيام اختطاف
الجنود، والذين حتى الآن لم يتم الإفراج عنهم، وغالبا ما سيتخذوا كوسيلة للضغط
والتفاوض في ملفات أخرى، أو في سياقات تخدم من قام باختطافهم.
إذ بالحكم العسكري، يقوم بإلقاء القبض على بعض أهالي المعارضة
السياسية المصرية، ولأنه قام بكل وسيلة للتنكيل بهم، من محاولة التضييق على حريتهم
في التعبير في الدول التي يقيمون فيها، مما اضطر بعضهم لمغادرتها رفعا للحرج،
واعترافا بجميل هذه البلدان، وعدم التسبب في أي حرج لها.
فلم يبق له إلا أن يتعامل مع أهالي المعارضين كرهائن، مثلما يفعل به
خصومه في الخارج، يفعل هو بأبناء البلد، فقام باعتقال السيدة نعمة الله هشام زوجة
الحقوقي المعتقل منذ أربع سنوات محمد الباقر، لأنها في آخر زيارة لزوجها حدثها عما
مورس معه من تعذيب، وتضييق، وإيذاء بدني ونفسي، في شهر رمضان الكريم، والذي غالبا
ما تجد هؤلاء السجانين يصومون ويصلون التراويح، ويجتهد في دفع زكاة الفطر، بما هو
مشهور لدى الظلمة مما نسميه: التدين الشعائري، فهو يحرص عليه كشكل، أو كفلكلور
تربى عليه، ويجد راحة شخصية فيه، تبرر له ما يقوم به، أو تحاول أن تجعل له بابا
لمغفرة ما فعل، وهو ما لا يصح دينا ولا عقلا ولا خلقا.
فكتبت السيدة نعمة الله على صفحتها ما تم ممارسته مع زوجها، ومع
آخرين مثل: محمد القصاص، وأحمد دومة، ومحمد إبراهيم الشهير بأكسجين، وغيرهم، وإذ
بالقوات تداهم بيتها في وقت السحور، وتعتقلها، ثم بعد ضغوط على السوشيايل ميديا
يخرجونها.
ثم بعدها يتم اعتقال الحاج محمد الشريف، والد اليوتيوبر الشهير عبد
الله الشريف، والذي اعتقل الانقلاب العسكري في مصر من قبل أخوين له، وما أعلنه
الشريف أن السبب هو مسلسل يقوم ببثه على اليوتيوب بعنوان: الحرافيش، يتحدث فيه عن
ثورة يناير، ويبدو أن تواصلا تم وضغوطا ليتم الإفراج عن والده، بألا يبث بقية
الحلقات، وهو ما حدث بالفعل، وخرج والده فعلا.
ما حدث مع زوجة الباقر ووالد الشريف، حدث مع آخرين فالقائمة تطول،
وكله في هذه الأيام المباركة، التي بدل أن تبحث فيها السلطة عن وسيلة لرد هؤلاء
الجنود المأسورين لدى حميدتي، حتى يقضوا العيد مع أهاليهم، يقومون بترويع عائلات
أخرى لا ذنب لها.
ليست الكارثة هنا في ضياع هيبة العسكر في الداخل والخارج، بل الكارثة في أن الجنود الذين تم اختطافهم، في بلد كالسودان، أنهم في بلد بالنسبة لمصر تمثل عمقا استراتيجيا ليس هينا، فأن تصل بك الحال لهذه الدرجة، ولا تعلم إلى الآن وسيلة تتواصل بها مع مختطفيهم، وهم معلومون لك كجهة، فهذه كارثة بكل المعاني، لمصر دولة وشعبا وتاريخا.
كل ذلك في ظل صمت شديد من الإعلام بالداخل، بل محاولة الإلهاء، تارة
بمسلسلات محمد رمضان، وتارة بمسلسلات آخرين، لدرجة أن موقعا مصريا كبيرا كتب خبرا
بعنوان: خبر عاجل، ماذا يتوقع المشاهدون نهاية مسلسل فلان، انتظر المفاجأة، فأي
عاجل في هذا الخبر، وأي قيمة خبرية أو فنية في هذا الخبر؟
بينما حين نعود بالذاكرة لنفس الحادث في عهد الدكتور محمد مرسي رحمه
الله، حين تم اختطاف بعض الجنود في سيناء، ولم تمض ساعات حتى عاد الجنود، سخر
الناشطون وسخر الإعلام من كلمة الشهيد مرسي: أنا حريص على سلامة المخطوفين
والخاطفين، وتناسوا استرداد الجنود، وأمسكوا بالكلمة التي هي صحيحة مائة في المائة
وتدل على منطق سياسي سديد، فطبيعي أن الحاكم العاقل يريد سلامة الخاطف، ليعلم من
وراءه، فإن قتل الخاطف قتل للحقيقة معه، وهو ما يريده المتآمرون.
ليست الكارثة هنا في ضياع هيبة العسكر في الداخل والخارج، بل الكارثة
في أن الجنود الذين تم اختطافهم، في بلد كالسودان، أنهم في بلد بالنسبة لمصر تمثل
عمقا استراتيجيا ليس هينا، فأن تصل بك الحال لهذه الدرجة، ولا تعلم إلى الآن وسيلة
تتواصل بها مع مختطفيهم، وهم معلومون لك كجهة، فهذه كارثة بكل المعاني، لمصر دولة
وشعبا وتاريخا.
ولو أن مصر حافظت على علاقاتها مع الجيران السودانيين بما يحفظ لها
مكانتها القديمة، وقوتها الناعمة، لحلت مشكلة الجنود في ساعات معدودة، ولعمل
خاطفوهم لمصر ألف حساب، لكنهم رأوا بلد كبيرا بحجم مصر، يتقاسم خيراته ومكانته
الكبير والصغير، وكل من هب ودب، في ظل مؤسسات تاريخية فيها لم تعد لها أثرها، ولا
قيمتها للأسف.
[email protected]