كتاب عربي 21

وعادت حليمة إلى عادتها القديمة!

طارق أوشن
1300x600
1300x600

قبل أن يجف حبر البيان الختامي الصادر عن الدورة العادية الواحدة والثلاثين لـ "قمة" مجلس جامعة الدول العربية، عادت حليمة إلى عادتها القديمة. الحقيقة أن حليمة لم تتوقف أصلا عن العادة حتى تعود إليها. صحيح أنها حاولت أن تتجمل وأن تحاول إخفاء جوهر موقفها وراء متطلبات انعقاد "القمة"، لكن التوجه العام المؤطر لتحركاتها كان الإبقاء على الخلاف ظاهرا للعيان وإن بأشكال أقل مباشرة وصدامية.

هذه المقدمة متحاملة لا ريب، فقمة "لم الشمل" في الجزائر كانت أول قمة عربية بلا ورق، في تحدٍّ غير مسبوق، تفاخر به حسام زكي مساعد الأمين العام للجامعة العربية واعتبره إنجازا. كيف لي، والحالة هاته، أن أتحدث عن حبر جفَّ أو لم يجف لأنزع عن "القمة" إنجازها التاريخي غير المسبوق؟

في يوم الرابع عشر من شهر يونيو/ حزيران الماضي، طالعتنا وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية بمادة "صحفية" حملت عنوان "مؤجج الفتن ألباريس وانتهاج سياسة الهروب إلى الأمام". كان طبيعيا أن تصدر مثل هذه المادة "الصحفية" من وكالة الأنباء الرسمية بالنظر إلى التوتر الذي ساد العلاقة بين الجزائر وإسبانيا في تلك الفترة امتدادا لموقف مدريد من قضية الصحراء، الذي اعتبرته الجزائر على لسان الرئيس عبد المجيد تبون "غير مقبول أخلاقيا وتاريخيا"، وعدّته تراجعا عن الإجماع الإسباني حول القضية وتخليا للـ "قوة المديرة لإقليم الصحراء" عن دورها الذي يفرضه القانون الدولي. لم يفت الرئيس الجزائري التأكيد وقتها على أنه لا حق لدى إسبانيا في "إهداء بلد مستعمَر لدولة أخرى"، وأن الجزائر "لن تتخلى لا عن الصحراء الغربية ولا عن فلسطين باعتبارهما قضيتي تصفية استعمار".

تعود تصريحات الرئيس الجزائري إلى منتصف شهر أبريل / نيسان، وكان ردّ عليها وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس بالقول إنه "لن يؤجج خلافات عقيمة" وإن بلاده اتخذت "موقفا سياديا في إطار القانون الدولي"، فرد عليه عمار بلاني، الذي كان وقتها يشغل منصب "المبعوث الخاص حول الصحراء الغربية والمغرب العربي"، بالقول إنها "تصريحات مسيئة تتناقض مع السلوك واللياقة البروتوكولية"، ويتعين على الوزير الإسباني "تحمل العواقب".

العواقب جاءت شهرين بعدها على إثر اتهام ألباريس لروسيا بالوقوف وراء تأجيج علاقة بلاده بالجزائر بعد إعلان الأخيرة تعليق العمل باتفاقية الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع الإسبان. يومها خرجت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية بمادتها "الصحفية" التي اعتبرت يومها "غير مسبوقة" و"غير اعتيادية" في الخطاب الإعلامي الرسمي، حين ضربت عرض الحائط بـ"اللياقة البروتوكولية" التي تحدث عنها عمار بلاني في الفقرة السابقة أعلاه.

لم يترك "المقال" المعني نقيصة إلا وألصقها بوزير خارجية بلد جار على الضفة الأخرى من المتوسط، حيث اعتبرته ديبلوماسيا "لا يليق بهذا البلد المتوسطي الكبير وبشعبه العظيم"، وأنه "تسلل إلى الديبلوماسية ولم يكف عن ارتكاب الأخطاء"، ورأت أن "عرضه الديبلوماسي مثير للسخرية" و"تصريحه تهريجي" استعمل فيه "لغة وقحة لا تليق بمنصبه". الوكالة لم تكتف بذلك حيث وصفت الوزير الإسباني بـ"النكرة" و"الوزير الصغير" و"غير الكفء والهاوي بأكاذيبه السخيفة"، قبل أن تصفه بـ"شبه الوزير" الذي لن يذكر التاريخ عنه الشيء الكثير لأن "المجد لا يولد من رحم الوضاعة".

تيريزا ريبيرا، نائبة رئيس الوزراء الإسباني، علقت على "المقال" بالقول إنه "من غير المقبول أن تدلي وسيلة إعلامية بمثل هذه التعليقات في حق أي شخص، ناهيك عن وزير خارجية دولة مجاورة، تجمعها علاقة قوية بالجزائر منذ عقود". تصريح ينفع الاستئناس به في واقعة "مقال" جديد ظهر على صفحات نفس الوكالة الرسمية، أياما قليلة فقط بعد انتهاء أشغال "قمة لم الشمل" العربية، وحمل عنوان "عندما يسوق بوريطة الوهم عن طريق التزوير المفضوح". يبدو أن المقال المخصص لخوسيه مانويل ألباريس شهر يونيو الماضي لم يكن أمرا "غير مسبوق" و"غير اعتيادي" في الخطاب الإعلامي الرسمي الجزائري، بل هو مجرد حلقة من حلقات اختيار مقصود ومعمول به في الماضي والحاضر وله في المستقبل إمكانات واعدة للانتشار.

ليس مهما في هذا المقام العودة إلى تصريحات الوزير ناصر بوريطة التي اشتكى فيها من بعض التجاوزات في حق الوفد المغربي الذي حضر أشغال "القمة"، وحديثه عن غياب "إجابات عبر القنوات الملائمة" لإنجاح مسعى مشاركة العاهل المغربي، ولا إلى كلام نظيره الجزائري رمطان لعمامرة عن فرصة كانت قائمة لكنها ضاعت للحوار بين قائدي البلدين في صالة المطار، فالتاريخ، كما قال السيد لعمامرة، "كفيل بإصدار الحكم في من يتحمل مسؤولية ضياعها". المادة "الصحفية" التي طالعتنا بها وكالة الأنباء الجزائرية أصدق أنباء من دراسات أو تحليلات قد يكتبها المؤرخون ويصادق عليها الساسة والمسؤولون. 

"عندما يسوق بوريطة الوهم عن طريق التزوير المفضوح"، أقرب ما يكون إلى البيان السياسي من "المقال" الصحفي، ولا يمكن الادعاء أنه صادر عن كاتب أو صحفي. هي "حرب" بالوكالة، عبر الوكالة الرسمية، لتصريف بيان رسمي لم تكن الظروف مواتية خلال "القمة" للإعلان عنه، وهي التي كانت تهدف إلى "تعزيز العمل العربي المشترك" كما جاء في مخرجاتها. خصوصية المقال/البيان هو حدة نبرته الهجومية "غير المسبوقة" التي شملت النظام الملكي ووزير الخارجية وسفير المغرب بالأمم المتحدة أجمعين.

 

فـ "سقطة النظام الملكي" لم تفاجئ السلطات الجزائرية التي فطنت للسيناريو "المحبوك مسبقا" للتضليل بخصوص مشاركة الملك الشخصية. أما السفير المغربي بنيويورك فكان "يحاول عبثا الإيقاع بالوفود الأجنبية" المشاركة في انتخابات اللجنة الدولية للخدمة المدنية، التي عرفت "هزيمة نكراء أخرى للمغرب" و"انتصارا جزائريا باهرا" بانتخاب المرشح الجزائري لعهدة ثانية، ما يكرس "ضغينة وتيه الديبلوماسية المغربية التي لم تتوان في جمع النكسات". أما بوريطة، الذي كان ضيفا على الجزائر قبل المقال/البيان بأيام، فمجرد "وزير مزور" يبحث عن "أي صحفي ليلقي عليه هراءه"، ممارسا بذلك "لعبته الصبيانية المفضلة" مع "فريقه المتحايل" قبل أن يمنى بالخيبة بسبب "تصريحاته التافهة للصحافة العربية في رحلته الدائمة للبحث عن الأفكار الغبية".
 
وإن كان سبب الهجوم على خوسيه ألباريس شهر يونيو الماضي موقف بلاده من قضية الصحراء، فقد كان تصريح بوريطة العلني الذي يلزمه كوزير خارجية المغرب، ومن ورائه حكومة بلاده بل القصر الملكي، بأن العاهل المغربي يوجه دعوة مفتوحة للرئيس الجزائري بزيارة الرباط للحوار بعد أن لم يتسن ذلك بالجزائر لأسباب عددها الوزير المغربي. كان بالإمكان رفض الدعوة أو تجاهلها لكن حليمة ما كان لها أن تتمالك نفسها فـ"الزمار يموت وصوابعه بتلعب" كما يقول المثل العربي.

خرجت قمة الجزائر بتوصية مفادها رفض حملات التشويه والتشكيك المغرضة التي تطال دولة قطر، المقبلة على تنظيم كأس العالم بعد أيام. واقع الأمر يظهر أنه لا بأس في قيادة حملات التشويه البينية عبر الوسائل الرسمية والحملات الإلكترونية وغيرها من ساحات معارك محاولات إثبات الوجود. فالحملة غير المسبوقة فعليا، التي تتعرض لها الدوحة، ليست بعيدة تماما عن مخلفات سنوات حصار ثلاث لا يبدو أن "قمة" العلا قد استطاعت تذويبها. الشرخ العربي كبير وحملات التشكيك في قدرة قطر ليست بالجديدة، كما هي مقالات/بيانات الإعلام الرسمي الجزائري. 

لقد عادت حليمة إلى عادتها القديمة في المشرق والمغرب على حد سواء!


التعليقات (7)
إبن عبد السلام
الأحد، 13-11-2022 12:01 م
عن ماذا يتحدث المعلقان الجزائريان؟ هل قرءا المقال؟ عن أي هسبريس!!!! و أي جبال !!!! و أي إنتصار للجزائر؟!!! غباء منقطع النظير و حالات ذهانية عصابية شديدة التعقيد. معلقين يعكسون حالة أنظمتهم.
عربي
السبت، 12-11-2022 09:27 م
دبلوماسية الجنرالات المجرمين! هكذا هي الأمور عندما يحكم العسكر... تصريحات سفيهة لسياسيين لا شرعية لهم يحكمون شعوبا مقهورة تعيش في بلدان تنعدم فيها أبجديات الحياة الإنسانية, بإختصار هذه هي الجزائر فلا غرابة!!
قارئ متتبع/ المملكة المغربية
السبت، 12-11-2022 12:04 م
السلام عليكم السي أوشن, واقع الدول العسكرية و مجتمعاتهم أصبح معروفا للناس جميعا. بيانات و مواقف ممثلي و "دبلوماسيّي" هذه المسماة "بالجزائر" تعبر عن واقع سياسي, إقتصادي, إجتماعي و معنوي ردئ جدا. بل يكفي أن تقرأ تعليقات الجزائريين هنا و في مختلف المواقع لتعرف درجة الإنحطاط و عقد الدونية و إلى أي درجة وصلت. للأسف.
إيزم
السبت، 12-11-2022 10:48 ص
غريب امر بعض الناس .. يضعون معلومة مغلوطة و يبنون عليها هجومهم و القاعدة الفقهية المشهورة تقول "ما بني على باطل فهو باطل" هسبريس لمن لا يريد ان يعرف تابعة تحريريا لدولة خليجية و ما مكتب مديرة الموقع ببرج خليفة الا الكرزة على الكعكة كما يقول المثل الفرنسي و اما عن قطر فالمغرب يا "عزيزي" يساهم بخيرة امنييه للمساهمة فعليا لا شفويا و حضوريا لا عبر البلاغات و لوجيستيكيا لا افتراضيا في تأمين و انجاح المونديال في إطار علاقات الأخوة و الت?زر و اليد الممدودة التي كانت دائما شعارا للمغرب ملكا و شعبا لكل الاخوة حتى الاعداء منهم
غزاوي
السبت، 12-11-2022 08:36 ص
مجر تساؤل. هلا سألتَ العالمين !!!؟؟؟ الجزائر لم تعود ولن تتخلى، بل هي ثابتة ثبوت جبال الأوراس وجرجرة. وهذا ما جعلها غصة في حق المتحولين والمنافقين سياسيا، الذين يتربصون بها في كل مناسبة وبدون مناسبة. بدليل أن حملات التشكيك في قدرة قطر على تنظيم كأس العالم مصدرها دول "قريبة وبعيدة" كما قال حمد بن جاسم، وما يحزننا في مقال الحال وموضوع " لم الشمل العربي" الذي لن يشتمل، أن من بين الدول "القريبة"، المملكة المغربية التي مثلها بوريطة في قمة الجزائر وكان من بين مخرجاتها دعم ومساندة قطر، وفي موقف مستهجن، وقبل أن يجف حبر "إعلان الجزائر"، وفي انحياز واضح وفاضح، للدول "البعيدة"، انضمت المملكة المغربية إلى حملة التشويش والتحريض ضد مونديال قطر، وذلك عبر جريدة "هسبريس" الإلكترونية المغربية المقربة من المخزن وأذرعه الأمنية ، التي نشرت مقالا بتاريخ:04/11/2022، تحت عنوان:" تحقيق يكشف استعانة قطر بعملاء أمريكيين للتجسس على الـ"فيفا". وهكذا تعود بنا الذاكرة لمصير مخرجات قمة الدار البيضاء لعام 1965، وعلى من يصح إسقاط المثل: "وعادت حليمة إلى عادتها القديمة!". أخيرا، وليس أخرا، يكفي بوريطة ومن والاه أنهم يعلنون فخرهم وابتهاجهم في كل ناد وواد، أن قمة الجزائر "فشلت" في إدانة الكيان وتصرفاته. لذلك أشار سفير المغرب بمصر ومندوبه الدائم لدى جامعة الدول العربية، أحمد التازي، في مقابلة أجرتها معه الصحيفة سالفة بما نصه: "المغرب استطاع أن يخرج منتصرا في عدد من مشاريع القرارات" انتهى الاقتباس.