هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: "الهجرة في المغرب العربي ومنطقة المتوسط: الديناميكيات والأشكال والفاعلون الجدد"
الكاتب: مجموعة من المؤلفين
تنسيق وتقديم: فاتن مبارك
الناشر: سوتيميديا للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، تونس، سبتمبر 2022
(261 صفحة من القطع الكبير)
يدخل الكثير من مهاجري جنوب الصحراء وخاصة من الكوت ديفوار إلى تونس بشكل قانوني عبر المعابر الحدودية (مطار تونس قرطاج الدولي أساسا)، ولكنهم يبقون فيها بعد انتهاء مدة الإقامة، فيما يتسلل إليها عدد آخر عبر الحدود الجزائرية أو الليبية بطريقة غير شرعية ثم ينطلق غالبيتهم في رحلة البحث عن مأوى ثم عن شغل عشوائي، فتراهم يعملون في المقاهي والمطاعم والمنازل أو باعة متجولين أو عملة في بعض المصانع والحقول وحضائر البناء ومستودعات بيع المواد الغذائية ومواد البناء بأبخس الأثمان.
وشهدت تونس منذ عام 2011، وبعد قرار الرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي إلغاء التأشيرة للقادمين من عدد من الدول الإفريقية "هجمة" غير مسبوقة من المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين بهدف الإبحار خلسة نحو السواحل الايطالية انطلاقا من شواطئ ولاية صفاقس ما حوّل عاصمة الجنوب إلى عاصمة للاتجار في البشر وعاصمة لـ"الحرقة"، كذلك تحولت بعض المدن في ولايتي تونس وإريانة إلى مناطق إقامة مؤقتة للأفارقة يجمعون فيها ثمن "الحرقة" ثم يغادرون نحو صفاقس للإبحار خلسة.
وفي هذا السياق كشفت إحصائيات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأخيرة أن 53% من المهاجرين غير النظاميين الواصلين إلى إيطاليا خلال الأشهر الأولى من العام 2021 من تونس هم من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
ولغاية الآن لا يوجد رقم رسمي دقيق لعدد الأفارقة المقيمين بطريقة غير قانونية في تونس، فقد أصدر مركز الدراسات الإستراتيجية والدولیة الأمريكي سابقا تقريراً يرصد فيه ظاهرة الھجرة من افريقيا نحو بلدان المغرب العربي، وقدر عدد الوافدين على تونس بـ 60 ألفاً، وعلى الرغم من أن عدد المھاجرين من منطقة أفريقيا، جنوب الصحراء، إلى تونس يُعد الأقل، أشار التقرير إلى أن عددهم تضاعف في تونس بين عامي 2004 و2014 ويأتي ھؤلاء أساساً من مالي والكاميرون وكوت ديفوار والنيجر والسينغال.
تمثل المعابر الحدودية بأقصى الجنوب الجزائري أهم المنافذ التي يعبر منها المهاجرون الأفارقة تاريخيا، إذ تعد الجزائر أكبر دولة من حيث المساحة في شمال إفريقيا، وتمتاز بحدود برِّية واسعة في الجنوب مع دول الساحل (النيجر، ومالي) وبذلك تُعَدأيضا أكثر دولة عرضة لظاهرة الهجرة غير الشرعية الإفريقية بحكم الخصائص الطبيعية و الاجتماعية والإثنية لمناطقها الحدودية الجنوبية"
تمثل الهجرة الإفريقية غير الشرعية استراتيجية لدعم سبل العيش و الحدِّ من الفقر في المجتمعات الإفريقية جنوب الصحراء. وأسهم تغير المناخ و الكوارث الطبيعية و الأزمات السياسية للدول الإفريقية في دفع أعدادٍ كبيرةً من المهاجرين الأفارقة إلى العبور نحو بلدان أخرى من أجل العيش الكريم.
ومنذ بداية من تسعينيات القرن الماضي، تجددت ظاهرة الهجرة بكثافة كبيرة، مرتبطة هذه المرة بموجات الفقر، والجفاف والصراعات الإثنية والعرقية والحروب، ولكن أيضا بسبب تطور وسائل الاتصال والمواصلات؛ هذه المرة تتعلق بآلاف من الشباب المغامر من هذه البلدان في رحلة الحياة أو الموت، لتطبع عند هؤلاء بإرادة الخلاص الفردي، وهي موجة جديدة لكنها غير معزولة عن تاريخ طويل من مسيرة المهاجرين. يمكن معلمة هذا التاريخ عبر مراحل مد أو انحسار هذه الموجات، لكن المهم هو القراءة المتأنية لهذه الظاهرة وربطها بواقعها الاجتماعي والإنساني.
يقول الأستاذ الباحث بجامعة وهران 2، سيد أحمد بلال، في دراسته عن هجرة الأفارقة غير الشرعيين عبر الممرات في الجنوب الجزائري:"إن موقع مدينة برج باجي مختار على الحدود الجزائرية المالية جعلها تشهد ديناميكية حضرية هائلة منذ ترقيتها إلى مقر دائرة سنة 1984، وذلك لوقوعها على المعبر الاقتصادي لتجارة المقايضة بين جنوب الجزائر و شمال مالي، فهي تقع في الإقليم العرقي لقبائل التوراق و العرب الممتد عبر تنزروف و أزواد. وشهدت عمليات استقرار لهذه القبائل تزامن مع فترة الجفاف و النزاعات في كل من شمال مالي و النيجر.
وتعد هذه المدينة و التجمعات السكنية الواقعة على الشريط الحدودي مع دولتي المالي و النيجر من الحدود المعمورة، ومن بين المناطق الحدودية التي شهدت تعميرًا سريعًا نتيجة للديناميكية الاقتصادية،والحركات السكانية العابرة للصحراء..إنَّ الشباب المهاجرين من بلدان جنوب الصحراء هم مهاجرون نحو أوروبا (من الجنسين)، يعبرون الجنوب الغربي الجزائري إلى المدن الساحلية الشمالية كوهران، أو الحدودية كمغنية بالشمال الغربي أين يواصلون مسيرتهم نحو إسبانيا عبر المغرب و البحر الأبيض المتوسط.قلة منهم يدخلون للجزائر برخصة قصيرة المدَّة يصبحون بعدها مهاجرين غير شرعيين، أمَّا الجزء الأكبر منهم فيدخلون دون رخصة عبر تمنراست وبرج باجي مختار""(ص 214-216).
تمثل الهجرة الإفريقية غير الشرعية استراتيجية لدعم سبل العيش و الحدِّ من الفقر في المجتمعات الإفريقية جنوب الصحراء. وأسهم تغير المناخ و الكوارث الطبيعية و الأزمات السياسية للدول الإفريقية في دفع أعدادٍ كبيرةً من المهاجرين الأفارقة إلى العبور نحو بلدان أخرى من أجل العيش الكريم. ويُعَدُّ الاضطهاد السياسي المتزائد و التطهير العرقي و انتهاكات حقوق الإنسان وعدم الاستقرار السياسي في بلدان جنوب الصحراء من ضمن مسببات الهجرة الإفريقية نحو أوروبا.وتعتبر إفريقيا قارة الهجرة والتشرد وقارة الدول الفاشلة، والفساد، واستغلال الموارد الطبيعية والقمع السياسي وهذا ما ستنجر عنه زيادات الهجرة إلى أوروبا في المستقبل .
ونستنتج من خلال قرءاتنا لهذا الكتاب، أنَّ الحركات السكانية بما فيها الهجرة غير الشرعية عبر المعابر الحدودية في جنوب البلدان المغاربية(ليبيا، تونس، الجزائر ) هي نتيجة تاريخ حافل بالأحداث المضطربة على شعوب الصحراء الكبرى، من عدم الاستقرار السياسي، إلى الأوضاع المعيشية، و الاقتصادية الناتجة عن الجفاف الكبير بالصحراء، و التي تعاطفت معها السياسات التنموية في جنوب ليبيا والجزائر، غير أنَّها كانت فرصة لتدفقات الهجرة غير القانونية القادمة من جنوب الصحراء ومن غرب فريقيا المجتاحة للصحراء و البلدان المغاربية نحو جنوب أوروبا، سعيًا وراء تحسين ظروفهم المعيشية و الاقتصادية وهروبُا من الأزمات السياسية المتكررة.
إقرأ أيضا: ما هي أسباب ودوافع الهجرات الأفريقية عابرة الحدود؟