كتاب عربي 21

ليبيا.. ماذا بعد تأجيل الانتخابات؟

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600

صار تأجيل الانتخابات محسوما والجميع في انتظار الإعلان الرسمي والذي من المفترض أن يتضمن موعدا جديدا، فتأجيل الانتخابات دون ضرب موعد لها يسهم في تأجيج الوضع أكثر، وذلك في ظل التوتر الراهن والذي انتقل من الخلاف السياسي إلى التأهب الأمني والعسكري والمواجهات كما وقع في سبها اليومين الماضيين.

السبب الرئيس لتأجيل الانتخابات ينحصر في عدم حسم ملف المرشحين للانتخابات الرئاسية وما تبع ذلك من ارتباك صار معه عقد الانتخابات في الرابع والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) مجازفة خطيرة. وذلك مع التسليم بالأثر السلبي للعوامل القانونية واللوجستية.

ومن بين المرشحين الأكثر جدلا يبرز خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي يليهما عبدالحميد ادبيبة، ذلك أن المفوضية ومجلس النواب ومن خلفها الأطراف الدولية ما كانوا ليعبؤوا كثيرا بموقف الجبهة المعارضة في الغرب الليبي الرافضة لإجراء الانتخابات وذلك بعد أن تقدم للمشاركة فيها عدد كبير من المرشحين للرئاسة ولعضوية البرلمان من مدن الغرب الليبي وتطلع قطاع عريض من سكان المنطقة الغربية لهذه الانتخابات كسبيل لتغيير الأجسام الحالية ومن ثم تحسين الأوضاع الأمنية والاقتصادية.

القذافي وادبيبة شكلا تحديا لحفتر، وبالنظر إلى استطلاعات الرأي الأولية التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر تفوق القذافي وادبيبة على حفتر بفارق كبير، لذا تحرك حفتر إعلاميا ضد ادبيبة وعسكريا ضد القذافي. ولأن الأطراف الدولية تدرك ما يترتب عن ترشح سيف الإسلام القذافي للانتخابات من مخاطر صار من المنطقي أن تؤجل إلى حين ترتيب الوضع بشكل يصحح الانخراف الذي وقع.

تأجيل الانتخابات وضع الأمم المتحدة والأطراف الدولية الفاعلة أمام تحديان: الأول يتعلق بالتوافق على موعد جديد والتراضي بخصوص إصلاح العملية الانتخابية. الثاني يتعلق باحتواء التداعيات جراء تأجيل الانتخابات ويأتي في مقدمة هذه التداعيات دفع أطراف سياسية وعسكرية في الشرق والغرب باتجاه تغيير السلطة التنفيذية برمتها، وأقله تغيير الحكومة الحالية، وهو ما ترفضه قوى سياسية وعسكرية أخرى، مما يعني احتمال تفجر الوضع واندلاع مواجهات قد تكون خطيرة.

 

يمكن القول إن الحراك الأمني والعسكري الذي يجري في العاصمة اليوم والذي انطلق بعد إقالة آمر منطقة طرابلس العسكرية قد يكون دافعا لتحريك النزاع حول الحكومة. ولأن تغيير رئيس الحكومة محتمل بعد تأجيل الانتخابات، إلا أن يسحب ادبيبة ترشحه، سيعتمد الانتقال السلس على البديل ومواقفه وعلى التيار الذي ينتسب إليه.

 



الإخفاق الذي انتهت إليه العملية الانتخابية يتطلب ليس فقط التوافق على موعد جديد لإجراء الانتخابات، بل معالجة الانحراف في المسار السياسي ومعالجة الأخطاء التي وقع فيها مجلس النواب والمفوضية والمجلس الأعلى للقضاء، وهو أمر محتمل خاصة بعد الإعلان عن لقاء مرتقب يجمع عقيلة صالح مع خالد المشري.

من بين الخيارات المطروحة الاستمرار في المزامنة بين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية مع التعديل في الأساس القانوني بحيث يحسم الخلاف حول المرشحين الأكثر جدلية، وهو خيار غير مضمون النتائج، بمعنى أنه لن يحقق عملية انتخابية تقود إلى استقرار نسبي يمهد لحالة سياسية وأمنية واعدة. ذلك أن إقصاء أحد المرشحين الجدليين وهم حفتر والقذافي وادبيبة سيقود إلى مزيد من التأزيم، فبالنسبة لجبهة الشرق المطلوب أقصاء الاثنين، وبالنسبة لجبهة الغرب ترشح حفتر وسيف الإسلام خطوط حمراء خاصة إذا تم إقصاء ادبيبة، وقس على ذلك استبعادهم جميعا.

الخيار الثاني هو تأجيل الانتخابات الرئاسية وتقديم انتخابات المجلس التشريعي، وهو الأقرب بالنظر إلى العوائق التي تواجه الأولى، ويتطلب تمرير هذا الخيار مناورة وضغوط دولية قوية على الأطراف الرافضة للفصل بينهما، وهم الأقلية على الأرجح.

يبقى احتواء الخلاف حول السلطة التنفيذية الحالية وحكومة الوحدة الوطنية والذي يشكل تحديا كبيرا قد ينعكس سلبا على إعادة ترتيب ملف الانتخابات، ويمكن القول إن الحراك الأمني والعسكري الذي يجري في العاصمة اليوم والذي انطلق بعد إقالة آمر منطقة طرابلس العسكرية قد يكون دافعا لتحريك النزاع حول الحكومة. ولأن تغيير رئيس الحكومة محتمل بعد تأجيل الانتخابات، إلا أن يسحب ادبيبة ترشحه، سيعتمد الانتقال السلس على البديل ومواقفه وعلى التيار الذي ينتسب إليه.

الزيارات العديدة التي قامت بها ستيفاني ويليامز والتي تعدت الجهات المعنية بالانتخابات يؤشر إلى إدراك ويليامز للمختنقات والمعالجة المطلوبة لاحتواء الفشل، والتي تتطلب تصحيح الانحراف عن خارطة الطريق في مسارها السياسي وضمان أن لا يقود الخلاف حول المسار السياسي إلى انهيار المسارين الأمني والاقتصادي. وبات من المؤكد أن لدى ستيفاني الرغبة في تمديد العملية السياسية حتى منتصف العام المقبل.

وبالمجمل، فإن الفترة المقبلة، وحتى الموعد الجديد للانتخابات، ستشهدا حراك سياسيا وأمنيا وعسكريا في اتجاهات عدة عنوانه إعادة رسم خارطة القوى السياسية والعسكرية وإعادة تموقع سياسي وعسكري سيغير المشهد السياسي والعسكري الراهن.


التعليقات (0)