في كلمة متلفزة تحدث رئيس
حكومة الوحدة الوطنية في
ليبيا، عبدالحميد الدبيبة، عن
البرنامج التنموي والذي أطلق عليه برنامج "إعادة إحياء
التنمية في ليبيا"، والذي وصفه بأنه برنامج كبير ويطال جميع مناطق ليبيا، إلا إنه لم يفصل في ذلك، وكانت الفكرة بأن يطرح ممثلون عنه البرنامج في المناطق الرئيسية الثلاث، الغرب والشرق والجنوب.
رئيس الحكومة ذكر بأن البرنامج التنموي يغطي كافة القطاعات الحيوية، التعليم والصحة والمرافق والإسكان والكهرباء وحتى المياه. ولأنه تطرق إلى استكمال مشاريع تم الشروع فيها قبل الثورة ولم تستكمل، إلا أنه وعد بتنفيذ مشاريع جديدة لم تندرج ضمن البرنامج التنموي الذي تم الشروع فيه بعد تسوية النظام السابق خلافاته مع الأطراف الدولية والذي تضمن تنفيذ آلاف المشروعات بتكلفة إجمالية تجاوزت 170 مليار دينار، أي ما يعادل 130 مليار دولار تقريبا، مقدرة بسعر الصرف القديم.
رئيس الحكومة وقد طرح هذا البرنامج لم يقدم إجابات عن أسئلة من الطبيعي جدا أن تتبادر إلى ذهن أي شخص متابع للشأن وملم بتعقيداته، منها:
ـ لم يطرح رئيس الحكومة أو من ينوبون عنه آلية اختيار وتحديد المشروعات، سواء التي لم تنته بعد أو تلك التي اقترحتها حكومته.
ـ لم يطرح أو حتى يشير إلى الأساس القانوني والمادي الذي تم بموجبه إسناد المشروعات إلى الجهات المنفذة، وما إذا كانت ليبية أو أجنبية، ونسبة هذه من تلك، وإمكانيات تلك الشركات ومدى جديتها في تنفيذ المشروعات في ظل الظرف السياسي والأمني العصيب.
ـ لم يوضح كيفية التعاطي مع التهديدات الأمنية والتي كانت من أبرز عوامل توقف المسار التنموي، فقد سبق تصريح رئيس الحكومة حول برنامج إحياء التنمية في ليبيا قطع الماء عن العاصمة ومدن الساحل لأسباب سياسية، وأن الإخفاق في استكمال الأعمال في محطة أوباري الكهربائية كان بسبب اختطاف المهندسين الأتراك.
ولقد كان تهريب أكثر من ستين حاوية (كونتينر) محملة بأسلاك توصيل الكهرباء والتي تم سرقتها من الشركة العامة للكهرباء مثالا حيا على عظم المخاطر التي تواجه البرنامج التنموي.
ـ لم يوضح رئيس حكومة الوحدة الوطنية كيفية تمويل برنامج إحياء التنمية في ليبيا، فالمشروع كبير بحسب وصفه ويمتد من الغرب إلى الشرق، ومن الجنوب إلى الشمال، ذلك أن الوضع المالي لا يسعف طموح رئيس الحكومة، ووفقا للبيانات المتعلقة بالمالية العامة فإنه من غير اليسير توفير مبالغ ضخمة تلبي تطلعات رئيس الحكومة.
الإيرادات العامة المتوقعة للعام الحالي لا يمكن بحال أن تتعدى مبلغ 28 مليار دولار في ظل سقف إنتاج النفط الليبي وأسعاره في الأسواق العالمية، ومع استبعاد مصاريف المؤسسة الوطنية للنفط والبالغة نحو 4 مليار دولار يصبح إجمالي عوائد النفط بالدينار الليبي 105 مليارات دينار، مقدرة بسعر الصرف الجديد، وهو بالكاد يغطي النفقات العامة وفق أخر مقترح للميزانية العامة، مع احتمال وقوع عجز.
ورد في تقارير المصرف المركزي وتقرير ديوان المحاسبة للعام 2020م وجود 26 مليار دينار كرصيد متبقي من رسوم بيع النقد الأجنبي، وحتى لو افترضنا أن الرصيد ما يزال على حاله بعد مرور ثمانية أشهر حافلة بالإنفاق العام، فإن اتفاق الإصلاحات الاقتصادية لا يسمح بإنفاقها على المشاريع التنمية، والاستثناء هو قطاع الكهرباء.
وعليه فليس أمام رئيس الحكومة الليبية إلا الالتجاء إلى الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، وبحسب بيانات ديوان المحاسبة في تقريره للعام 2020م الذي صدر مؤخرا، فإن حساب الأرصدة الأجنبية لا يتعدى 50 مليار دولار، ولا أتصور أنه بإمكان رئيس الحكومة استنزافه في برنامجه التنموي، وبرغم التقارب بين الرئيس ومحافظ المصرف المركزي فلا يتوقع أن يقبل الأخير استخدام الاحتياطي في المشاريع التنموية في ظل الظروف السياسية والأمنية الراهنة.