أفكَار

كيف يستثمر الصائمون روحانية رمضان في ظل الجائحة؟

"كورونا" تفرض التباعد بين المصلين.. صورة لصلاة التراويح في مسجد خير البرية في كوبنهاغن- (عربي21)
"كورونا" تفرض التباعد بين المصلين.. صورة لصلاة التراويح في مسجد خير البرية في كوبنهاغن- (عربي21)

للعام الثاني على التوالي يأتي شهر رمضان الفضيل وتهديدات جائحة كورونا ما زالت قائمة، وتعصف بحياة الملايين وتهدد صحتهم حول العالم، وهو ما انعكس على استقرارهم المعيشي والاقتصادي، وأدّى إلى سلبهم حرية ارتياد دور العبادة من مساجد وكنائس ومعابد ضمن حزمة الإجراءات والتدابير الصحية الاحترازية التي توصي بها الجهات الصحية المعنية. 

ومن الملاحظ أن كثيرا من المسلمين يهرعون في شهر رمضان المبارك إلى المساجد، حرصا منهم على أداء الصلوات الخمس جماعة، وسعيا لحضور مجالس العلم والذكر، والانكباب على تلاوة القرآن الكريم، طلبا للأجر والثواب، واغتناما لهذا الموسم الإيماني الذي تقبل فيه النفوس على طاعة الله، وتجتهد فيه ما لا تجتهد في غيره، بما تجده في قلوبها من رغبة جامحة لعمل الخير والاستزادة من الباقيات الصالحات. 

لكن كثيرا من الصائمين سيفتقدون في هذا العام، كما حدث في السنة الماضية، تلك البيئة الإيمانية الرافعة للهمم، والمحفزة على فعل الخيرات، بسبب إغلاق المساجد في بعض الدول ضمن إجراءات الحظر الجزئي الذي يأتي على بعض الصلوات، أو إجراءات تقييد المكث في المساجد، وحظر مجالس العلم والذكر، أو حظر صلاة الجمعة والتراويح، وهو ما سيفقد الشهر كثيرا من روحانياته وأجوائه الإيمانية الخاصة به. 

مع غياب تلك الأجواء الإيمانية بسبب إغلاق المساجد أو تقييد المكث فيها، وغياب القيام والاعتكاف عن كثير من مساجد المسلمين، كيف يتمكن الصائمون من استثمار أجواء الشهر والنهل من بركاته في تزكية نفوسهم، وتهذيب أخلاقهم، وزيادة منسوب إيمانهم على الرغم من كل الصعوبات القائمة، وتقييداتها المرهقة؟ وهل ثمة فعاليات ونشاطات متاحة وممكنة تفضي إلى توظيف ما تبقى من أجواء رمضان لزيادة الجرعات الإيمانية في هذا الشهر الكريم؟

في هذا الإطار أكدت الباحثة السورية، هديل الزير أن "الوباء أثر بشكل كبير على الجانب الروحي في حياة المسلم في رمضان، وتجلى هذا بفقدان المسلمين لمظاهر الاجتماع والتلاحم، وهو جانب اعتنى به الإسلام بشكل كبير، فقد حض على حضور الجمع والجماعات في المواسم الدينية، وتشكل في الوعي الجمعي الإسلامي أن العبادة الجماعية والغدو للمساجد من أعظم القربات إلى الله".

 


 
وأضافت: "كما أن رمضان موسم للتزود بهذه النفحات عبر مجالس تحفها الملائكة، وتغشاها رحمات الله، لكن الإسلام كما ركز على الجماعة فقد اهتم بالعبادة الفردية للمسلم، والتزكية الذاتية، وثمّن الخصوصية الروحية بين العبد وربه، وقد وازن بينهما فمن "ذكر الله خاليا ففاضت عيناه كمن تعلق قلبه بالمساجد"، "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها كرجلان اجتمعا بالله وتحابا فيه".

وواصلت حديثها لـ"عربي21" بالقول: "وقد يكون التخفف من الاجتماعات فرصة ليقف الإنسان بين يدي ربه وقفة حساب لا شغل فيها ولا رياء، عزلة تكيف لا رهبنة فيها، عدا عن أنها فرصة عظيمة لتحويل بيوتنا لقبلة تجتمع فيها الأسرة على طاعة الله فتتحلحل العقد، وتزداد الحميمية، ويتفرغ كل رب أسرة لأهل بيته، وإعادة ما انقطع من أرحام، ورد للحقوق وهي فرصة جيدة لنقدم ما تأخر من طاعات بسبب ما اعتدنا عليه من عادات مرهقة كجبر خاطر مسكين، وتفقد جار فقير". 

ولفتت الزير إلى أن "الإسلام كما أرشد المسلمين إلى التكيف مع كل الظروف، شدة ورخاء ووحدة واجتماعا، فيجب عليهم تكييف أنفسهم مع واقعهم الجديد، فيستثمر الخطباء والدعاة انشغال الناس بهواتفهم، فيبادرونهم بالدخول إلى بيوتهم إن تعذر حضور الناس إليهم بما يتيسر من مشاهدات ترقق القلوب، وتحيي النفوس، وتبقي الصلات بين أهل العلم وعموم الناس". 

من جهته قال الداعية المغربي، رئيس رابطة علماء المغرب العربي، حسن الكتاني: "من المؤكد أن لرمضان بعيدا عن أجواء الحظر وتقييداته بسبب الجائحة طعما آخر، خاصة لعامة الناس، فكثير منهم لا يستطعيون إقامة الصلاة جماعة في بيوتهم، كما أنهم لا يتذوقون حلاوة القرآن بمفردهم، ربما لأنهم لا يتقنون التلاوة، أو لقلة علمهم وفقههم، وهو ما يتوفر لهم في الصلوات الجماعية، خاصة في صلاة التراويح". 

وأردف: "في السنة الماضية ابتلينا بالحظر التام، وهو ما أفقدنا روحانية رمضان وأجواءه الإيمانية العالية، وفي هذه السنة ثمة تقييدات وتضييق في فتح المساجد وإقامة الصلوات فيها في بعض الدول، وهو ما سيؤثر على الحالية الإيمانية برمتها، ويحرم الناس من استثمار تلك النفحات الربانية الخاصة بهذا الشهر". 

 

 


ولفت الكتاني الانتباه في حديثه لـ"عربي21" إلى إمكانية تعويض ذلك بجملة أمور، منها "الإكثار من تلاوة القرآن الكريم، وتخصيص ساعات للاستماع لتلاوة القرآن عبر التسجيلات المتاحة لكبار القراء ومشاهيرهم، على اليوتيوب أو القنوات الفضائية المخصصة لذلك، وثمة منصات يمكن المشاركة فيها لتعلم التلاوة وضبط قراءة القرآن عبر الإنترنت".

وأضاف: "إذا تعذرت إقامة صلاة التراويح في المساجد، فيجتهد كل مسلم لإقامتها بما يمكنه ويستطيعه مع أهل بيته، وكذلك تخصيص ساعات لتلاوة القرآن بشكل جماعي، والاستماع إلى أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام يوميا من كتاب كرياض الصالحين، وقراءة يومية في بعض كتب التفسير الميسرة والمختصرة".
 
وشدد الكتاني على أن "ذلك إنما يكون بعد أن تستنفد جميع الجهود المطالبة بفتح المساجد، إذ لا يجوز بأي حال من الأحوال إغلاق المساجد، ومنع الناس من ارتيادها وأداء الصلوات جماعة فيها، وهي سابقة من نوعها لم يحدث مثيل لها في التاريخ الإسلامي".
   
بدوره رأى الأكاديمي الشرعي، المتخصص في الفقه الاجتماعي، د. إبراهيم سلقيني، أن "الحال في هذه السنة يختلف عن السنة الماضية، إذ كان الحظر في السنة الماضية كليا بناء على توصية الجهات الطبية المختصة، بينما يمكن للناس في هذا العام أن يصلوا التراويح كما يمكنهم أن يصلوا الجمع في بعض الدول مع أخذ التدابير اللازمة". 

 



وأضاف: "كما أن اللقاح بات متوفرا، ويجب على الحكومات توفيره للمواطنين ليتمكنوا من أداء واجباتهم الحياتية كاملة، سواء منها الاقتصادية أو الدينية، وليس مجرد أداء واجباتهم الدينية وحدها، وكذلك فإن ساعات الحظر تساعد الناس على التفرغ للعبادة وقراءة القرآن، واجتماع الأسرة، وقيام الوالدين بواجباتهم الدينية والتربوية تجاه أسرهم وأبنائهم".

وردا على سؤال "عربي21" حول كيفية استثمار رمضان رغم كل الظروف القائمة، أرشد سلقيني إلى "ضرورة استثمار الظروف رغم صعوبتها بشكل صحيح، لتكون النتائج إيجابية ومثمرة، وذلك بالإكثار من الأعمال الصالحة الفردية بالذكر وقراءة القرآن والدعاء، وتفقد المحتاجين والمعوزين، وإغاثة الملهفوين". 

وذكر في ختام حديثه أن "جنة المؤمن في قلبه وإيمانه، وإذا ما منع من صلاة التراويح بسبب الحظر، وعدم توفير الحكومات للقاح بشكل كاف، فعليه الاجتهاد في إقامة الصلوات جماعة في بيته، وإقامة التراويح كذلك، وعقد حلقات القرآن والعلم في بيته بما تيسر، حتى لا يحرم نفسه من روحانية رمضان، مهما كانت الظروف صعبة ومعقدة". 


التعليقات (0)