أفكَار

بعد تسارع حمى التطبيع.. كيف تبقى فعالياته معزولة ومستنكرة؟

وزير الخارجية السعودي: التطبيع سيحقق "فوائد كبيرة" للمنطقة (الاناضول)
وزير الخارجية السعودي: التطبيع سيحقق "فوائد كبيرة" للمنطقة (الاناضول)

تعكس تصريحات وزير الخارجية السعودية، الأمير فيصل بن فرحان الأخيرة بشأن ترحيب السعودية بكل المواطنين الإسرائيليين من كل الأديان في المملكة، وليس المسلمين فقط في حال حدوث تقدم في "القضية الإسرائيلية ـ الفلسطينية" مدى قبول السعودية رسميا بالتطبيع مع إسرائيل إذا ما حدث تقدم على مسار القضية وفق وصفه.

وتثير مثل تلك التصريحات هواجس الرافضين للتطبيع والمحذرين من توسيع دوائره رسميا وشعبيا، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول أنجع السبل لمحاصرة كل فعاليات التطبيع شعبيا، وإبقائها في إطار معزول، وضمن دائرة الاستهجان الشعبي الواسع، لمواجهة التطبيع وإفشال فعالياته في الأوساط الشعبية العربية والإسلامية. 

في هذا السياق يرى الكاتب المصري، د. حاتم الجوهري أن "ما يحدث ليس هو مشروع التطبيع القديم، الذي كان مجرد علاقات دبلوماسية في الحالة المصرية، تطورت بضغوط ومغريات أمريكية لتأخذ شكلا اقتصاديا مع الأردن في اتفاقيات "الكويز" ثم لحقت بها مصر". 

وأضاف: "فما يحدث الآن ليس تطبيعا، إنما هو استلاب كامل للرواية الصهيونية في الصراع والترويج لها، فالغطاء السياسي لعملية الاستلاب كان "صفقة القرن" و الغطاء الثقافي ظهر مع (الاتفاقيات الإبراهيمية)، والولوج من مدخل المشترك الديني وفق التأويل الصهيوني على الطبعة المسيحية ـ اليهودية، والدور الإماراتي سيء المآل في هذا السياق، الذي يضرب عرض الحائط بكل مسلمات الأمن القومي العربي، بحثا عن نفوذ خاص بها". 

 



وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقولك "يكفي أن تذكر من ضمن تصريحات وزير الخارجية السعودي أنه قال: "تطبيع مكانة إسرائيل في المنطقة سيحقق فوائد هائلة للمنطقة كلها، إن كان في الجانب الاقتصادي، الاجتماعي والأمني"، فما جاء في التصريح ليس تطبيعا دبلوماسيا مع حضور رمزي لاتفاقية (الكويز) مثل الحالة المصرية والأردنية". 

وتابع: "بل هو استلاب وترويج للصهيونية ودولتها كممثل للتقدمية والتحديث والذات الأوروبية، فهو يتحدث عن تطبيع (المكانة)، وليس تطبيع (الوجود) كما في الحالة القديمة للتطبيع مع مصر والأردن، تطبيع (المكانة) بنص حديث وزير الخارجية السعودية، أي الاعتراف بالرواية الصهيونية عن تفوقها والاستلاب لدورها المزعوم فيما يسمونه (الشرق الأوسط) بدلا عن (الدول العربية)"، منبها على أهمية التفريق "بين الاعتراف بالآخر دبلوماسيا، وبين الاعتراف برواية الآخر و(مكانته) المزعومة". 

ولفت إلى "أننا في ظرف تاريخي حرج ومتداخل للغاية، ظهرت فيه (صفقة القرن)، مع صعود ترامب في لحظة مد شعبي عربي ثوري يطالب بالتغيير تم إحباطه عبر توظيف فرق الدين السياسي في الوطن العربي كله وإغوائها من جانب (دولة ما بعد الاستقلال) لامتصاص هذا الحراك مؤقتا".

وأشار إلى أن "الغرب سيحاول تنفيذ الاختراق الثقافي عبر (الاتفاقيات الإبراهيمية) والمشترك الديني، وعبر تكتيك (تفجير التناقضات) في كافة مكونات مستودع الهوية العربي، لكن القاعدة الشعبية العربية ستعبر عن حضورها في لحظات معينة تصحح فيها المسار، حتى يظهر مشروع عربي مركزي جديد يتجاوز التناقضات السياسية والأيديولوجية والاجتماعية، إرث القرن الماضي و(المسألة الأوروبية) ومتلازماتها الثقافية".

من جهته قال الكاتب والباحث التونسي في الشؤون السياسية، نورالدين الغيلوفي "الكيان الصهيوني يراهن على القوى الناعمة لتطبيع وجوده في المجال العربي، فالصهاينة يعرفون أنهم سيظلون جسما غريبا عن المنطقة وإن حوّلوا دولتهم إلى ثكنة عسكرية تحرسها الأسلحة المحظورة". 

وتابع: "ولا يعني شيئا إقامة علاقات مع أنظمة عربية يعرفون أنها تفرض نفسها على شعوبها بالقوة، فقوتها من قوتها، ونعني بالقوة الناعمة المثقفين والفنانين ومن كان على نهجهم من السياسيين من قبيل تركي الحمد في العربية السعودية، وعبد الخالق عبد الله في دولة الإمارات العربية المتحدة".

وأردف في حديثه لـ"عربي21": "المزاج الشعبي العام ضد التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني ترافقه القوى الحية، وتلك لها امتداد شعبي كبير داخل دولها تحقنه بروح المقاومة رغم أنها مقهورة بأنظمة متسلطة تفسد كل شيء ولكنها لم تفلح في إفساد المزاج العام ولا في تحويل وجهة الهوى العربي الفطري الذي يكره الجبروت للتطبيع مع الكيان الصهيوني إذ يراها علامة عليه". 

 


وعن دور المقاومة الفلسطينية في الداخل الفلسطيني لفت الغيلوفي إلى أن "قوى المقاومة في الداخل الفلسطيني هي المعول عليه، وهي التي تدعم مشاعر الشعوب العربية بما تنجزه من بطولات ليس أقلها الثبات ورفض الانسحاق، فأصداء بطولات المقاومين تبقي روح الممانعة حية في القلوب، وفي العقول، وتمنع من تسلل فيروس التطبيع". 

واعتبر "تشجيع الديمقراطية بمثابة المضاد الحيوي لفيروس التطبيع، إذ إن مشاركة الشعوب العربية في صنع سياسات دولها يحافظ على رفضها المبدئي لكل أشكال التطبيع التي لا تعدو انسحاقا أمام آلة عسكرية اسمها إسرائيل ليست سوى كيان وظيفي متقدم للإبقاء على الحالة الاستعمارية في المنطقة العربية". 

وأردف "كما أن متابعة أخبار ثورات الربيع العربي، والاهتمام بها، وتشجيع أنصارها يبقى جدارا يمنع كل تطبيع، ويُبقي الدولة العبرية دولة احتلال غاصبة لا مكان لها في المجال العربي".
 
وفي ذات الإطار لفتت الكاتبة الأردنية، إحسان الفقيه إلى أن "الأنظمة العربية عولت على عامل الزمن في تسطيح القضية الفلسطينية في وجدان الشعوب، مستغلة الخلافات بين الفصائل في الترويج لانسداد آفاق الحل، والتأكيد على حتمية طي صفحات الصراع العربي الإسرائيلي، والرضا بالأمر الواقع". 

وأضافت :"لكن القضية الفلسطينية ما زالت ضاربة في أعماق الشعوب رغم ما يظهر من ضعف التفاعل معها في الأجيال الجديدة، ولذلك ينبغي على النخب الثقافية والسياسية والدينية الحرة سرعة التحرك الممنهج تجاه الجماهير لمحاصرة فعاليات التطبيع، والتصدي لمحاولات تهميش القضية في وجدان الشعوب، حتى لا ينشأ جيل لا يعرف عن فلسطين سوى اسمها، وهنا تكون الكارثة".

 


 
وعن أنجع الوسائل لتذكية تلك الروح الشعبية الرافضة للتطبيع بكل أشكاله، أكدّت الفقيه لـ"عربي21" على "ضرورة استغلال الفضاء الرحب الذي تتيحه الشبكة العنكبوتية، ومواقع التواصل الاجتماعي لإبقاء تلك الجذوة مشتعلة، على أن يتم ذلك من خلال لجان خاصة تدير الحراك الالكتروني، والأهم من ذلك عدم الاقتصار على التلقين، بل لا بد من إطلاق أنشطة يكون للجمهور فيها دول بالنزول إليهم، وعقد لقاءات معهم حول القضية والتحذير من خطر التطبيع، ونشر هذه المواد وإشاعتها لأهميتها في تفجير حماسة الخاملين".

واقترحت "توظيف الأنشطة الفنية والثقافية التي يقوم بها المهتمون بالقضية حسب إمكاناتهم في التأكيد على أن الكيان الإسرائيلي هو العدو الأول، فهذه الأنشطة تؤثر في الجماهير أكثر من الخطب والمواعظ، فمقطع على اليوتيوب يتضمن مشهدا تمثيليا حول التطبيع سيكون تأثيره في الجماهير أبلغ من الكلمات الحماسية".

ودعت في ختام حديثها إلى "أهمية إبراز قادة للرأي من النخب عبر لجان محلية في كل دولة تتولى نشر ثقافة المقاطعة الشاملة للكيان الصهيوني، وتحذر من كل أنشطة التطبيع على كافة المستويات، ومن أبرزها الأعمال الفنية التي ترعاها الحكومات، وتروج من خلالها للتطبيع وتهون من القضية الفلسطينية، وكذلك المناسبات الرياضية التي يجري من خلالها التطبيع، إضافة إلى تعزيز المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الصهيونية، وفي الوقت نفسه تكثيف الجهود حتى نعيد للخطاب الإسلامي حول القضية حيويته، من غير أن تسترهبنا فزاعة معاداة السامية" وفق وصفها.  


التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم