هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
دعم القاهرة للمشروع العسكري الانقلابي وعرابه المشير خليفة حفتر كان استراتيجيا وأسهم في تقوية المشروع وتمكينه من رقعة واسعة من الأرض وحشد الأنصار له داخليا وخارجيا. ونجحت القاهرة في اختراق المنظومة السياسية الليبية وجرها إلى خانة حفتر، ولم يقتصر هذا على البرلمان في طبرق، بل وصل التأثير المصري إلى طرابلس، حيث حكومة الوفاق.
وكانت الأمور تسير كما يشتهي النظام المصري ومن معه في المخطط الانقلابي من الحلفاء الإقليمين والدوليين، إلى أن تدخلت تركيا على خط الصراع ونجحت في ترجيح كفة القوات التابعة لحكومة الوفاق في صدها للعدوان على العاصمة.
من هناك، ومع التغير في الموقف الأمريكي، والذي كان ليس فقط مباركا للعدوان على العاصمة بل وشريكا فيه كما كشف التقرير الخاص الأخير للأمم المتحدة، والذي أظهر أن دوائر قريبة من الرئيس ترامب متورطة في دعم خليفة حفتر في عدوانه على طرابلس بمبلغ 80 مليون دولار ومرتزقة وأسلحة متطورة.
بداية التغيير في السياسة المصرية
فشل خطة السيطرة على العاصمة بالقوة جراء التدخل التركي، وتغير موقف البيت الأبيض بسبب ضغوط المؤسسات العسكرية والأمنية من وزارة دفاع ومجلس أمن قومي ومخابرات والتي أقلقها كثيرا تعاظم الدور الروسي في ليبيا، دفع القاهرة إلى التراجع عن موقفها الداعم بشكل مطلق لحفتر ومغامراته العسكرية، والاتجاه إلى المسار السياسي والرهان على الأدوات الدبلوماسية لتحقيق بعض ما فشلت في كسبه عبر الانقلاب.
إن النظام المصري يجعل محور سياسته تجاه ليبيا اليوم إخراج تركيا من البلاد وذلك بعد أن تعاظم نفوذها إبان وبعد العدوان على طرابلس.
إعلان القاهرة كانت بداية التغير العلني في السياسة المصرية، فقد استند مضمون الإعلان وطريقة إخراجه على تقديم عقيلة صالح، رئيس برلمان طبرق، على حفتر، قائد الجيش التابع له، وفي ذلك إشارة إلى الاتجاه صوب الحوار والمفاوضات، ولقد أدى هذا التغيير إلى جفوة بين عقيلة وحفتر بعد أن كانا حليفين، ليصل الأمر إلى تصريح عقيلة صالح بأن العدوان على العاصمة كان خطأ وأنه يتجه إلى تصحيحه.
أيضا دفع التغيير في السياسة المصرية إلى تباعد في الرؤى بين القاهرة وأبوظبي حول الملف الليبي، ليس فقط على مستوى التصريحات، فالقاهرة خطت خطوات باتجاه التقارب مع حكومة الوفاق، وها هي أول عاصمة يتجه إليها قادة السلطة التنفيذية الجديدة المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي.
محور ارتكاز السياسة المصرية تجاه ليبيا
يمكن القول إن النظام المصري يجعل محور سياسته تجاه ليبيا اليوم إخراج تركيا من البلاد وذلك بعد أن تعاظم نفوذها إبان وبعد العدوان على طرابلس. فالقاهرة تدرك أن ورقة حفتر محروقة في ظل تمترس تركيا في ليبيا، كما أن الانتقال الإيجابي في البلاد سيجعل حظوظ تركيا الاقتصادية كبيرة وعلى حساب المصالح الاقتصادية المصرية، فشركات البناء التركية لا تنافسها حتى الشركات الأوروبية، والسلع التركية هي اليوم في الصدارة في السوق الليبي، لهذا ليس أمام القاهرة إلا الرهان على إخراج تركيا ليتحقق لها التوازن الذي يخدم مصالحها الأمنية والاقتصادية.
سبيل القاهرة في مناكفة تركيا وإخراجها من ليبيا أو تحجيم نفوذها هناك هو عبر التماهي مع الموقف الأوروبي والأمريكي غير الراضي عن السياسة الخارجية التركية وتدخلاتها الأخيرة في مناطق عدة ومنها ليبيا. فبالرغم من أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا تمنح مصر مساحة نفوذ اقتصادي بحري أكبر مما تحصلت عليه من اتفاقيتها مع قبرص واليونان، إلا إنه لا يحقق لها ما تريده من تحجيم الوجود السياسي والأمني والعسكري للأتراك في ليبيا، ويضعف نفوذها إقليميا.
اتجاه القاهرة إلى التقارب مع حكومة الوحدة الوطنية الليبية يخدم أهدافا عدة من بينها تأكيد النظام المصري على ابتعاده عن روسيا، الخصم اللدود للإدارة الأمريكية الجديدة، وقد كانت القاهرة في خندق واحد معها، وتحويل ثقلها السياسي والدبلوماسي إلى خيار مقبول من قبل الأمريكان وهو إخراج الأتراك من البلاد، كما سبقت الإشارة.
أما الحديث عن المصالح الاقتصادية المصرية الحيوية المتعلقة بملف العمالة والنفط والاستثمارات الليبية، فهي ذات طبيعة استراتيجية لا تناسب مهام الحكومة الجديدة والتي قد لا يتجاوز عمرها العشرة أشهر.