هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: الحماية القانونية لحقوق مصر المائية في نهر النيل
في ضوء القانون الدولي
الكاتب: السفير عبد الله الأشعل
الناشر: مكتبة جزيرة الورد ـ 2019
يناقش كتاب الحماية القانونية لحقوق مصر المائية في نهر النيل لمؤلفه السفير عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية الأسبق، قضية مهمة وساخنة تمس جوهر الوجود المصري لتعلقها بنهر النيل الذي يلعب دورا رئيسيا في حياة المصريين، وهو ما جعل الشعور المصري تجاه سد النهضة يحمل كل هذه الحساسية وهذا الرفض للسد، لأنه يمس هذا الكيان ووجوده بشكل مباشر، بمعنى أنه صراع وجود وليس صراعا على كميات مياه أو إنشاء سدود أو إنتاج كهرباء وخلافه، بحيث صار الأمر تهديدا مباشرا لهذا الشعب بل وإبادته طبقا لما أورده الكاتب في كتابه، وتحديدا في مقدمة الكتاب، التي اتهم فيها إثيوبيا بالتآمر على مصر والعمل لإخفائها من الوجود بقوله: "القضية التي يعالجها هذا الكتاب بإيجاز هي أن إثيوبيا لديها نية مبيتة للقضـاء على مصر وليس مجرد الإضرار بها، وهو أمر يدخل في إطار القانون الجنائي الدولي وجريمة الإبادة الجماعية، والوسيلة هي السدود وأهمها سد النهضة وآثاره المـدمرة المؤكدة، ضمن مخطط مدروس طرفه الآخر إسرائيل لإبادة الشعب المصري ومسح مصر من الخريطة".
كما يتهم الكاتب السلطة المصرية بالتفريط في حقها التاريخي بنهر النيل، سواء بحسن نية أو سوء تفاوض عبر إعلان مبادئ الخرطوم في آذار (مارس) 2015، وقد تأكدت الحكومة المصرية أنها وضعت ثقتها في غير محلها إذ استغلت إثيوبيا الوقت الذي ضـيعته في المفاوضات العبثية.
ويركز الكتاب على ثلاث نقاط أساسية، الأولى وتتمثل في الأسس القانونية الداعمة لحقوق مصر التاريخية والمكتسبة في مياه النيل، والثانية تفنيد المزاعم الإثيوبية لتبرير جريمتها ضد مصر وإثبات أن بناء السد قرار سياسي، هدفه الإضرار الجسيم بمصر، وأخيرا الفرص المتاحة لمصر للدفاع عن بقائها ضد هذا المخطط وآفاق التحرك المصرى، لإجبار إثيوبيا على وقف جريمة إبادة الشعب المصري، وذلك من خلال احترام القانون الدولي للأنهار الدولية، حتى يتم تفادي الفوضى في العلاقات الإقليمية وبداية عصر جديد من الصراع من أجل البقاء.
ويشمل الكتاب خمسة فصول و11 ملحقا تضمنت نصوص اتفاقيات ومعاهدات وخرائط وسدود وإيرادات لمياه النيل..
ملاحظات أولية
وقبل تناول عرض الكتاب، علينا أن ننوه إلى عدة ملاحظات، فرغم أهمية الكتاب وحساسية الموضوع الذي يناقشه وما احتواه من مادة علمية وجهد كبير مشفوعا بملاحق توثيقية، فهناك بعض المآخذ من قبيل استعمال لفظ إبادة للتدليل على الضرر الذي يقع على مصر جراء سد النهضة، فرغم الضرر جراء هذا السد، إلا أن استعمال لفظ إبادة ربما يكون مبالغا فيه بعض الشيء، لأنه لا يمكن أن تختفي دولة من الوجود بهذه البساطة سواء بسبب وجود بدائل تحافظ عليها حتى ولو جزئيا من مياه بحار جوفية أو ما يأتي إليها من كميات قليلة من النيل أو الأمطار، أيضا أن العالم لن يسمح بأي حال من الأحوال، أن تبيد دولة دولة أخرى بهذه البساطة خاصة إذا كان الأمر لا يتعلق بحرب مباشرة فضلا عن أن مصر ليست دولة صغيرة أو قليلة الأهمية، كما أنها تتواجد بمحيطها العربي والإسلامي وكل هذا لا يسمح بهذا السيناريو وإن كنا نقدر تحمس الكاتب لمدى خطورة الأمر.
النقطة الأخرى هي أن الكاتب حمل الرئيس الراحل أنور السادات جزءا كبير جدا من مسؤولية بناء السد، بسبب عملية السلام مع إسرائيل وتراجع دور مصر الإفريقي، رغم أن هناك بعض المصادر التي تؤكد على رفض السادات أمر بناء سد النهضة مبكرا ووجه تحذيرا شديد اللهجة لإثيوبيا وقتها، وإن كان هذا لا يعفيه من المسؤولية، ونحن هنا لسنا بصدد الدفاع عنه لأننا نرفض التطبيع مع هذا الكيان، ولكن كان يجب التركيز بشكل أكبر على دور عبد الفتاح السيسي في هذا الأمر بعد توقيعه على إعلان الخرطوم عام 2015، وفرد مساحة أوسع بالكتاب عن هذا الدور وإن كانت هناك مساحة حول هذا الأمر، لكن أعتقد أنها كانت تحتاج إلى تعميق أكبر.
الملاحظة الأخيرة تتعلق بالجانب الفني للكتاب من حيث الأخطاء الإملائية الكثيرة أو من حيث إفراد باب مستقل للوثائق في الجزء الأخير من الكتاب، ورغم أن هذا معمول به في بعض الكتب الأخرى، إلا أننا نرى أنه كان من الممكن توزيع الوثائق على فصول الكتاب، للربط بين مضمون الفصل الواحد والموضوع المشار إليه وبين هذه الوثيقة لتساهم في توثيق المعلومة من ناحية ووحدتها من ناحية أخرى.
الفصل الأول
يتناول الكاتب في بداية هذا الفصل أنواع المياه والقوانين التي تحكمها وكذلك عدد الأنهار وأهمها في إفريقيا وعلى رأسها نهر النيل والسدود التي بنيت عليه، ثم يفرد مساحة خاصة بسد النهضة والذي يعتبره الكاتب عنوانا للجريمة الإثيوبية ضد مصر التي تتذرع بعدد من المزاعم لتبرير هذه الجريمة التي ستتحقق عندما يبـدأ التخـزين، حيث ستعاني مصر معاناة فائقة عندما يـنخفض منسوب المياه فتتأثر الرقعة الزراعية وتتوقف الخزانات بما فيها السد العالي.
ويؤصل الكتاب لفكرة سد النهضة، حيث ترجع بدايته إلى دراسة قام بها مكتب الإصلاح الزراعي الأمريكي عـلى النيل الأزرق بين عامي 1956 و1964، عندما شب الصراع بين الولايات المتحدة ومصر وكذلك إسرائيل، ثـم حددت الحكومـة الإثيوبية موقع السد عـلى النيـل الأزرق في تشرين الأول (أكتوبر) 2009، وحدث تواصل للحكومة مع الشـركات العالمية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2010، ثم أعلن رسميا عن هذا المشروع في 31 آذار (مارس) 2011 من شـركة إيطاليـة إسمها "ساليني" للإنشاءات ووضعت حجـرالأساس في 2 نيسان (أبريل) 2011 على يد رئيس الوزراء ميليس زيناوي، ودخلت مصر منـذ ذلك الوقت مع إثيوبيا في مفاوضات للحصول على المعلومات التي وعدت بها إثيوبيا، وكـان واضـحا منـذ البداية أن أثيوبيا تستغل ظروف مصر بعـد ثـورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011.
ويشير الكاتب هنا إلى إصرار إثيوبيا على الإضرار بمصر ضررا لا يمكن إصلاحه، يصـل إلى حد الإبادة، لمجرد رغبة إثيوبيا أو تذرعها بتوليد مزيد من الكهرباء، ولكن المياه التي ستستخدم في توليد الكهرباء سوف تحجز خلف السد لاستخدامات الزراعة، أي أن بداية ملء السد سوف يكون جرس إنذار للعد التنازلي للقضاء على مصـر.
الفصل الثاني
ويتطرق الكتاب في الفصل الثاني إلى حقوق مصر التاريخية في نهر النيل وقانونية هذه الحقوق، مؤكدا على أن حقوق مصر المائية كانت مرتبطة باحتياجاتها وقـد حرصـت مصـر وبريطانيا على تأمين هذه الاحتياجات دون تحديدها بوصفها عاملا متغيرا، ولكنها منعت الدول الواقعة في أعالي النيل من أن تمس تدفق المياه إلى مصر ومنحتها حق الاعتراض على أي عمـل في أعـالي النيـل يهددها بالضرر.
كما استعرض الكتاب الاتفاقيات الضامنة لهذه الحقوق، بدءا ببروتوكول روما عـام 1892 بعـد احتلال بريطانيا لمصر بعشرة أعوام مرورا بالاتفاقات الرئيسية الأخرى وأهمها الاتفاقية البريطانية المصرية عام 1929، وكذلك الاتفاقية المصرية السودانية بتقاسم واستغلال مياه النيل عـام 1959، مرورا بالخطابات المتبادلة بـين رئـيس وزراء مصـر والمنـدوب السامي البريطاني عام 1944.
أما بخصوص مصـادر تهديد حقوق مصر المائية فقسمها الكتاب إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول يرتبط بمصر تحديدا والقسم الثاني يـرتبط بإسرائيل والقسم الثالث يرتبط بدول أعالي النيل ومواقفها المستحدثة، حيث أكد الكتاب على أن هذا الجزء يعتمد اعتمادا مطلقا على تطور وزن مصر الإقليمي والدولي وعـلى أوراق القوة التي تحوزها مصر في كل مرحلة، مشيرا إلى مرور مصر في هذا السياق بمرحلتين، الأولى قبــل عام 1979 وتوقيع معاهدة السلام مع إسرائيل والثانية ارتبطت بتداعيات 1979 على مصر ووزنها وسياساتها فى المنطقتين العربية والإفريقية.
حقوق مصرالمائية كانت مرتبطة باحتياجاتها وقـد حرصـت مصـر وبريطانيا على تأمين هذه الاحتياجات دون تحديدها بوصفها عاملا متغيرا، ولكنها منعت الدول الواقعة في أعالي النيل من أن تمس تدفق المياه إلى مصر ومنحتها حق الاعتراض على أي عمـل في أعـالي النيـل يهددها بالضرر.
ثم يتطرق هذا الفصل لنقطة مهمة تتعلق بالتغلغل الإسرائيلي بإفريقيا وعلاقة ذلك بمياه نهر النيل، مؤكدا على أن إسرائيل توغلت في إفريقيا على حساب مصـر وكانـت تقصـد تجفيف المياه التي تصل إلى مصر فخططـت للتعامـل عـلى هـذا الأسـاس بتعزيـز علاقاتها مع دول الحوض، وخاصة إثيوبيا.
وهنا يشير الكاتب إلى تجربة خاصة به يدلل بها على ذلك قائلا: "عندما كنت سـفيرا لمصر في بوروندي بين 1994 و1998 لاحظت أن إسرائيل كان لها سفير واحد متجول في دول البحيرات العظمى الإفريقية، وكان يعقد الصفقات التي اشتهرت بها إسـرائيل وترتكز على تأمين رؤساء الدول والتدريب الزراعي، وكذلك بيع الأسلحة لإشعال الحروب الأهلية مقابل الماس الذي تزخر به الدول الإفريقية".
وحول مصادر حقوق مصر المائية من الناحية القانونية فـقد قسمها الكتاب إلى مجموعتين الأولى وهي مجموعة الوثائق التي تشكل مصادر القـانون الدولي للمياه والثانية هي الوثائق التي تنص مباشرة على حقوق مصر المائية والتزام أهم الدول وهي إثيوبيا بهذه الحقوق ويقول الكاتب هنا: "يهمنا في هذا المقام أن نشير إلى أن إثيوبيا قد التزمت عدة مرات بحقوق مصر المائية وعدم المساس بها وأولها بروتوكول روما بين إثيوبيا وإيطاليا ثم في عام 1993 البيان المشترك في القاهرة عقب زيارة رئيس وزراء أثيوبيا، حيث أكدت أثيوبيا تعهدها باحترام حقوق مصر المائية وعدم المساس بها".
كما فند الكاتب اعتراض إثيوبيا على المعاهدات التي أبرمتها بريطانيا مع أوغندا ومصـر، عـلى أنها معاهدات غير متكافئة قائلا: "إن ذلك مردود عليه بعدم اعتراض أوغندا على معاهـدة 1929 بينهـا وبين بريطانيا".
أمـا اعتراض دول الحوض وفي مقدمتها إثيوبيا على معاهدة مصر والسودان عام 1959، فأكد الكاتب على أن هذا أمـر ميسور الرد عليه كما يقول لأن كمية المياه التي تصل إلى السودان يتم تقسـيمها بـين مصـر والسودان، وهذه القسمة تتم في مياه وصلت بالفعل انحدارا مـن أعالي النيـل وأن هذه القسمة لا تخص أحدا سوى الدولتين.
وتطرق هذا الفصل أيضا إلى مصادر مصر القانونية التي تحمي حقوقها المائية، وقسمها إلى قسمين أو مجموعتين: الأولى وهي التي تشكل مصادر القانون الدولي للمياه والثانية وهي التي تنص مباشرة على حقوق مصر المائية والالتزام بها، مشيرا إلى عدد من المعاهدات في هذا السياق، منها معاهدات متعددة الأطراف والمعاهدات الثنائية والفقه الدولي بشأن حقوق الإنسان، ومنها الحق في المياه والحفاظ عليها نظيفة دون تلوث مؤكدا على أن ما يهدد مصر الآن ليس تلوثا ولكن منع المياه ذاتها، مما يعد جريمة إبادة شعب وهذا يعرض إثيوبيا للمحاكمة أمام القضاء الجنائي الدولي بسبب سد النهضة.
ويشير الكاتب هنا إلى نقطة هامة، تتعلق بحق مصر في إبطال أي اتفاق يلحق بها الضرر أبرمته حكومة مصرية أو حكم به قضاء غير مستقل أو صدق عليه برلمان تابع للسلطة، طبقا للقانون الدولي.. وهنا يقول الكاتب: "فإن كل هذه الأطراف تنضم للطرف الأجنبي المضر للشعب والدولة المصرية، وعليه، يمكن لأي حكومة جديدة أن تبطل هذا الاتفاق لأنه يعد جريمة إبادة شعب يدان فيها كل من شارك في هذا الاتفاق وهي غير محدودة هنا بالقضاء الداخلي، بل بالقضاء الدولي لأنها جريمة دولية".
وحول التحكيم الدولي يشير الكاتب هنا إلى عدة تجارب سابقة أنصفت فيها دول المصب، مدللا على ذلك بحق مصر في التقاضي الذي يمنحها حقها، ومن هذه التجارب الدولية، قضية نهر الدانوب بين المجر وتشيكوسلوفاكيا وناميبيا وجنوب إفريقيا وأورغواي والأرجنتين.
وأنهى الفصل مؤكدا على أن مصر دولة المصب الوحيدة في جميع الأنهار الدولية التي تتمتع بحماية القانون الدولي للأنهار، حيث من حقها التمسك بحقوقها التاريخية والمكتسبة وحمايتها من أي أضرار من جانب دول أعالي النيل، التي لا يمكنها إقامة أي مشروعات، إلا بموافقة مصر وكذلك من حقها الاعتراض على أي إشغالات تؤثر على حصتها في مياه النيل.