هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أصدر المجلس الرئاسي قرارا يقضي بتفعيل منح الأبناء الأقل من 18 عاما والمطلقات وممن لا يتقاضين مرتبا من الخزانة العامة، ويأتي القرار ضمن وعود رئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج، بالاستجابة لمطالب الحراك الشعبي والتي تتركز في أغلبها حول تحسين الخدمات العامة وترقية الوضع المعيشي لليبيين.
الإضافة والعبء في قرار الرئاسي
يمكن أن تحقق الإعانات التي وعد الرئاسي بمنحها فارقا في الأوضاع المعيشية وذلك بالنظر إلى مستوى الدخول المنخفضة لليبيين والتي لا تتعدى في المتوسط 800 دينار ليبي، وبالنظر إلى معدل الإعالة خاصة لمن تقل أعمارهم عن 18 عاما. بمعنى أن الإعانات يمكن أن ترفع متوسط دخول معظم الليبيين بنسبة تصل إلى 30%.
غير أن السؤال الجوهري هو: هل سيتمكن الرئاسي من توفير الغطاء المالي لهذه النفقات الإضافية؟ إذ من المتوقع أن يضيف قرار الرئاسي نحو 6 مليار دينار ليبي إلى بند النفقات في الميزانية العامة، وحساب ذلك يكون من خلال العلم بأن من تقل أعمارهم عن 18 سنة يشكلون نحو 55 ـ 60%، وتمثل هذه الفئة العمرية نحو 4 مليون نسمة، مما يعني أن المنحة المخصصة لهم ستصل إلى 4.8 مليار دينار في السنة، وذلك دون احتساب المنح الأخرى الخاصة بالمطلقات وغير العاملات...ألخ.
محاذير عقبات
الرئاسي عازم على تغطية هذه المبالغ الكبيرة من إيراد الرسوم المفروضة على بيع الدولار، وهو ما يثير أسئلة ويواجه محاذير عدة أهمها:
ـ أن محظر اعتماد الإصلاحات الاقتصادية يقضي بأن توجه الإيرادات المترتبة عن بيع الدولار بعد فرض الرسوم إلى تغطية الدين العام ومشروعات التنمية والقطاعات الخدمية، وفي مقدمتها الكهرباء التي تواجه وضعا صعبا جدا.
ـ أن الخزانة العامة تعاني شحا بعد إغلاق حقول وموانئ تصدير النفط منذ كانون الثاني (يناير) الماضي، وهو ما دفع الحكومة إلى إعادة النظر في حجم الانفاق وفق النسخة الأولى للترتيبات المالية للعام 2020م وخفضها من 53 مليار دينار إلى فقط 38 مليار دولار، إذ تأتي الإعانات الجديدة "القديمة" في ظرف قاهر لا يسمح بتغطيتها العجز المالي الذي تشهده البلاد.
ـ أن الإصلاحات الاقتصادية والقرارات التي لحقتها تقرن بين صرف العلاوات المشار إليها في قرار الرئاسي الأخير وبين رفع الدعم عن الوقود، وفي حال وقع هذا، وذلك لتقليل الهدر في المال العام وتوفير مبالغ لتمويل النفقات الإضافية، فإن ذلك قد يفقد القرار الجديد والإعانات الإضافية قيمتها الاجتماعية وأثرها الاقتصادي.
بدائل أنجع
من الواضح أن القرار اتخذ على عجل وتحت ضغوط الحراك الشعبي، وأنه لم يدرس الظروف الراهنة والمآلات والنتائج المتوقعة، ولهذا قد تواجه الرئاسي عقبات كبرى تحول دون تنفيذ القرار وتحقيق وعوده للرأي العام، أو أنه سيضطر إلى مضاعفة العجز وزيادة الدين العام الذي وصل خلال العام 2018 إلى أكثر من 100 مليار دينار.
خيار الاستدانة أمامه عقبات هو الآخر، ذلك أن المصدر الوحيد لتمويل الإنفاق هو المصرف المركزي، ولأن المركزي هو المتحكم في تسييل المخصصات وتنفيذ القرارات المالية، ولأن خلافا حادا واقع بين المجلس الرئاسي والمصرف المركزي لم يتم تسويته بعد، ولأن المركزي يملك من الذرائع ما يدفعه لعدم تنفيذ قرار الرئاسي، فإن القرار سيكون حلقة إضافية من حلقات النزاع، وقد لا ينفذ.
ولا أدري لماذا لم يتم التخفيف من حدة الضغوط التضخمية ونقص السيولة وتدنى مستوى الدخول، وذلك بإعادة النظر في الرسوم المفروضة على بيع الدولار لتكون الأداة لخفض سعر الدولار وإنهاء الازدواجية في سعر صرفه، وقرن ذلك برفع القيود على منحة أرباب الأسر، ويبدو أن الخلاف وشخصنة النزاع حال دون الأخذ بالبديل الأنجع.