هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
رغم كل ما تعيشه تونس من مشاكل اقتصادية وأزمات سياسية ومخاطر أمنية، يبقى الانتقال الديمقراطي (وما وفّره من حريات فردية وجماعية ومن احتكام إلى إرادة الناخبين) مكسبا يغبطها عليه أغلب العرب، سواء في الدول التي انتكس فيها الربيع العربي أو في تلك التي لم تصلها الموجات الارتدادية للثورة التونسية.
ولكن المشاكل التي عاناها الانتقال الديمقراطي في مرحلته "السياسية"، والتي يعاني منها الآن في مرحلته "الاقتصادية والاجتماعية"، تظل كابوسا مخيفا قد يغري البعض باستثماره للانقلاب على المنجز الديمقراطي الهش، وقد يغري آخرين بتوظيف الوضعية الحرجة التي تعيشها تونس لإدارة الأزمة (تحت غطاء الشرعية الانتخابية)، لكن مع تبرير عجزهم عن إيجاد حلول جذرية اتفق أغلب الفاعلين الجماعيين على أن المدخل إليها هو "محاربة الفساد".
ولعل التناقض الأكبر في الحالة التونسية هو أن أهم الفاعلين السياسيين الذين يُفترض بهم محاربة الفساد؛ قد أصبحوا هم أنفسهم (إلا نادرا) متهمين بالفساد أو على الأقل بالتواطؤ معه في الحد الأقصى، أو التغطية عليه والتساهل معه في الحد الأدنى.
التناقض الأكبر في الحالة التونسية هو أن أهم الفاعلين السياسيين الذين يُفترض بهم محاربة الفساد؛ قد أصبحوا هم أنفسهم (إلا نادرا) متهمين بالفساد أو على الأقل بالتواطؤ معه في الحد الأقصى، أو التغطية عليه والتساهل معه في الحد الأدنى
ما يظهر من "إجماع وطني" على ضرورة محاربة الفساد، فإنه يخفي اختلافات كبيرة في تحديد موضوعه أو استراتيجياته. وهي اختلافات تشق الائتلاف الحزبي المشكل للحكومة وأحزاب المعارضة على حد سواء
هل هي حكومة "وحدة وطنية"؟
إن تركيبة الحكومة ذاتها هي عنصر "لا وظيفي" في مشروع محاربة الفساد، أو في الدفع نحو الاستقرار السياسي اللازم لمواجهة اللوبيات المالية والجهوية والنقابية والإقليمية المتنفذة من وراء الستار.
فالحكومة لا تعكس انبثاق "كتلة تاريخية" بالمعنى الغرامشي، رغم تشكلها من العائلات السياسية والأيديولوجية الكبرى (اليساريون والإسلاميون والقوميون والتجمعيون الجدد أو الدساترة كما يُسمون أنفسهم)، كما أنها لا تتأسس على تفاهمات جدية أو تسويات قابلة للحياة. إنها أقرب إلى حكومة "الضرورة" التي تبدو عاجزة عن بناء توافقات صلبة، سواء في إدارة الملفات الداخلية أو الخارجية. وهو ما نعتبره مظهرا من مظاهر فشل الانتقال الديمقراطي في طوره السياسي، أي استمرار الأنساق السياسية ذاتها دون أية مراجعات أو نقد ذاتي. ولن يكون الجمع بين تلك الأنساق في حكومة "وحدة وطنية" إلا ضربا من الترصيف، أو من بناء علاقات التجاور التي لا يعني اشتراك أحزابها في الحكومة وجود مشروع موحّد للحكم.
لقد أثبتت اللائحة التي تقدمت بها زعيمة الحزب الدستوري الحر (المعروف في مواقع التواصل الاجتماعي بـ"حزب البوليس السياسي" أو "حزب محور الشر") وجود انقسامات عميقة بين الأطراف المشكلة للحكومة، وهي انقسامات تجعل من العبثي بناء توصيف للحقل السياسي التونسي على أساس ثنائية الحكومة/ المعارضة.
كما أثبتت تلك اللائحة رغم الفشل في تمريرها (لأنها لم تتحصل على عدد النواب اللازم لذلك وهو 109 نائبا)، أنّ أمام حركة النهضة، كما قال الناشط السياسي والباحث رياض الشعيبي، "مراجعات كبيرة للخروج من عزلتها السياسية". فالنهضة "التوافقية" ما زالت بعيدة عن تكوين تحالفات استراتيجية تتجاوز الحزام الإسلامي أو القريب من الإسلاميين، ويمثله أساسا ائتلاف الكرامة.
النهضة "التوافقية" ما زالت بعيدة عن تكوين تحالفات استراتيجية تتجاوز الحزام الإسلامي أو القريب من الإسلاميين، ويمثله أساسا ائتلاف الكرامة