رغم دراستي للاقتصاد، ورغم أنني من الذين أشرفوا على مناقشة ميزانية
مصر في عام حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي، إلا أنني لا أدعي وصلا بليلى، ولكن ما افتتحت به مقالي هذا كان لازما للتأكيد على أن كاتب هذه السطور على دراية معقولة ومقبولة تؤهله للحديث في أمر خطير سيذهب بفقراء مصر إلى هوة سحيقة لا يعلم قاعها إلا الله، ثم الراسخون في العلم الذين ناقشناهم في التدابير التي يعمل عليها الجهاز المالي والاقتصادي في النظام المصري القابع على صدور المصريين منذ انقلاب الثالث من تموز/ يوليو.
هذه القرارات لن تفرق بين معارض ومؤيد، ولن يستطيع رأس النظام القول إن أهل الشر أو قائد الأسطول السادس الأمريكي هم من افتعلوها ليعرقلوا مسيرة النهضة التي تعيشها مصر، والمتمثلة في بناء العاصمة الإدارية الجديدة والمشاركة في سد النهضة وإعادة الحق لأصحابه على مدخل البحر الأحمر الاستراتيجي، ولا في ضريبة القيمة المضافة التي تُنهب بطريق غير مباشر من جيوب الفقراء.
فالنظام الحالي في مصر الذي لا يطبق بأي شكل من الأشكال العلة الضريبية، ولا التوزيع العادل للثروة، ولا حتى التدابير اللازمة لحماية الطبقات الفقيرة من آثار هذا الظلم
الاقتصادي الممنهج والمقر بقوانين مالية واقتصادية منحازة للطبقات الغنية على حساب الطبقات المتوسطة (المتلاشية بعامل الزمن) والطبقات الفقيرة والمعدومة، يسعى إلى جباية الأموال لصالح جماعته العسكرية ومن دار في فلكهم، دون النظر إلى حال المصريين أو ما ستؤول له حالهم بعد القرارات التي يتداولها أهل المال والاقتصاد في المصارف والبورصات وفي وزارتي المالية والاقتصاد.
بحسب مصادر من داخل البنك المركزي ووزارة المالية، فإن النظام يسعى لطباعه أوراق نقدية جديدة من ماده البوليمر الشفافة، مع وضع حد أقصى للسحب من ماكينات الصرف الآلي ومن داخل البنوك، الحديث على أن العملات المخطط تغييرها ستكون من فئات الـــ(10، 20، 50، 100) جنيه، مع صدور العملة الجديدة ستعطي الحكومة مهلة محددة لاستبدال العملات القديمة بالعملات الجديدة، وهو ما سيجعل الناس يتهافتون من أجل تبديل عملتهم، ومن يتكاسل فإن ما يدخره سيضيع عليه ولن تقبل عملته بعد المهلة المحددة.
هذا القرار تتخذه الدول في العادة لكشف الأموال غير المرصودة من قبلها والأموال المغسولة، لو صح التعبير، والداخلة إلى البلاد جراء عمليات غير مشروعة كتجارة المخدرات والسلاح وبيع الأعضاء (ملحوظة: مصر مصنفة عالميا ضمن العشرة الكبار في هذه التجارة القذرة)، ومن ثم تستطيع الدولة ضبط التهرب الضريبي ما يجعلها قادرة بشكل أكبر في زيادة مواردها وتنفيذ مشاريعها التي تصب في مصلحة الدولة، ولنا في ذلك مثاليين، فعلتها تركيا وغيرت العملة وتعيش الآن نهضة خدمية كبيرة، وفعلتها السودان في عهد البشير وأطاحت به الثورة لسوء الأوضاع الاقتصادية والخدمية.
بحسب دراسة أعدها اتحاد الصناعات المصري في عام 2018، فإن الاقتصاد الموازي في مصر يقدر بـسبعة تريليونات جنيه مصري، وعندما نعلم أن الإيرادات الضريبية تقدر بــ770.3 مليار جنيه، لكل أنواع
الضرائب سواء الدخل أو القيمة المضافة أو الجمارك أو العقارية، فإننا نؤيد بكل شجاعة ما سيتخذه النظام في مصر من قرار شجاع. لكن أين يذهب هذا الفارق الكبير بين ما تجبيه وزارة المالية من ضرائب وبين ما أظهرته دراسة اتحاد الصناعات؟ الإجابة: يفتح بها بيوت الفقراء في مصر.
الاقتصاد الموازي هو الاقتصاد الناتج عن كل نشاط غير مسجل في حسابات الناتج المحلي وغير مدرجة في الدخل القومي.. هذا التعريف بالنتيجة يجعل عم أحمد بائع الفول على عربته التي يجرها بنفسه يدخل تحت مظلة القرارات المالية المنتظرة، لكنه أيضا يخضع اقتصاد الجيش (الذي لا يعرف عنه أحد شيئا لأنه من الأسرار القومية) تحت نفس المظلة، ويخرج رجال الأعمال الكبار الذين يقدمون إقرارات ضريبية تعرف الحكومة أنها غير منضبطة ويدفعون على إثرها الفتات، من تحت تلك المظلة.
الناس لا يثقون في الدولة منذ وثب العسكر على السلطة في 1952. فقد بشروا (العسكر) بالعدالة الاجتماعية ومحاربة الرأسمالية المتوحشة التي تأكل قوت الشعب، فأكلوها هم واستبدلوا الرأسمالية العسكرية بالرأسمالية المدنية، حتى صار الضباط هم المتحكمون في مصائر العباد، ولم ير الشعب لا نهضة ولا تحسنا في الأحوال المالية ولا الاقتصادية.
الخلاصة لم تزد خطابات العسكر الشعب إلا فقرا، حتى أصبحت الحرب على الفقراء هي المعركة الوحيدة التي انتصر فيها العسكر في بلادنا.