قضايا وآراء

موسم "الرقص" الانتخابي في مصر

1300x600
1300x600
تاريخ الاستحقاقات "الديمقراطية" في مصر بعد الانقلاب

منذ الانقلاب العسكري في مصر عام 2013 على يد رأس النظام في مصر الآن، شهدت مصر عددا من الاستحقاقات التي من المفترض أن تكون في سياق تطبيق الديمقراطية، ولأن النظام الانقلابي أراد تصوير ما حدث في الثالث من تموز/ يوليو على أنه ثورة شعبية، فكان لزاما عليه أن يجري بعض الاستحقاقات يدفع فيها بموظفي الدولة والمجندين بلباس مدني لتظهر هذه الاستحقاقات على أنها شعبية جماهيرية، مع ذلك كان إعلام النظام في كل استحقاق يصرخ: أين الناخبون؟ أين الناس؟ حتى أنه في بعض الاستحقاقات كانت اللجنة المشرفة على هذه الاستحقاقات تمد أجل الإدلاء بالصوت ساعات وفي بعض الأوقات يوما كاملا حتى يدفع بالناس إلى مقار الإدلاء بالصوت..

فمن تعديل الدستور في 2013 إلى الانتخابات الرئاسية في العام 2014، ثم استحقاقين تشريعي ورئاسي خلال السنوات الأربع التي تلتهما، لتشهد مصر أخيرا استحقاقين خلال العام الجاري، لاختيار مجلس الشيوخ، ومنذ أيام بدأ استحقاق اختيار مجلس النواب الذي يجري على مراحل.

إقبال ضعيف ونسب عالية

رغم أن الإقبال في كل الاستحقاقات "الديمقراطية" التي شهدتها مصر بعد انقلاب الثالث من تموز/ يوليو كان ضعيفا، بشهادات المنظمات الحقوقية المراقبة لتلك الاستحقاقات، إلا أن اللجنة المشرفة على هذه الاستحقاقات كانت دوما تخرج نسب المشاركة على النحو الذي يرضي غرور قائد الانقلاب، ويحسّن صورته أمام المجتمع الدولي الشاخصة أبصاره تجاه بلد اغتصبت إرادته بانقلاب حاول الفاعل أن يصور فعلته على أنها علاقة شرعية حصلت بالتراضي، ولأن الغرب لا يقبل بإرادة شعبية تفرز إسلاميين، فإنه قابل على مضض انقلابا يهدم ثوابت الديمقراطية التي حارب من أجل أن يطبقها على شعوبنا المغلوبة على أمرها.

هذه الجريمة أفرزت استحقاقات ضعيفة بنسب حضور هزيلة مقارنة بكل الاستحقاقات التي تمت بعد ثورة يناير المجيدة، والتي عبرت عن إرادة الشعب الحقيقية ويكفي أن نضرب مثلا باستحقاق آذار/ مارس 2011 الذي أدلى فيه 18 مليون مصري بأصواتهم.

"الرقص" الديمقراطي بعد انقلاب 2013

لقد كان الإقبال الضعيف للتصويت على التعديلات الدستورية التي جرت في 2013 صدمة للنظام الذي صدّق نفسه بإبداعات المخرج خالد يوسف، والذي استطاع أن يصور بضعة ملايين على أنهم خمسين مليونا خرجوا في الثلاثين من حزيران/ يونيو، مطالبين قائد الانقلاب بالتحرك لإنقاذهم من الديمقراطية، ولما كان المشهد مخزيا، رغم الدفع بالموظفين والمجندين، فقد عاد النظام إلى أصحاب الخبرة في المجال، فاستعان النظام برجال الحزب الوطني الديمقراطي، المنحل بأمر الثورة لفساده، ليُخرج ما بجعبته من حيل وألاعيب لدفع الناس إلى الخروج والإدلاء بأصواتهم، لا سيما وأن الاستحقاق الأهم لقائد الانقلاب هو ذلك الاستحقاق الذي سينصبه على عرش مصر، كما رأى في حلمه المشهور والمسرب من الصحفي ياسر رزق، فعادت مصر إلى أساليب الترغيب بالرشاوى الانتخابية لشعب أقعده الجوع والفقر، فكانت السلات الغذائية يوزعها الجيش بنفسه، وكانت الأموال يوزعها رجال الأعمال والمنتفعون.

لكن الأهم في هذه الانتخابات هي ظاهرة الرقص أمام اللجان، وكانت تتم بشكل منهجي، فالعديد من وسائل الإعلام المقروءة والمرئية رصدت الظاهرة وساءلت بعض البنات اللائي وقفن يرقصن أمام اللجان، وأجابت كثيرات منهن بأنهن مستأجرات بخمسمئة جنيه في اليوم، حتى عُرفت الاستحقاقات الانتخابية في عصر السيسي بالرقص أمام اللجان.

البحر غضبان ما بيضحكش

في قصيدة نجيب سرور "البحر بيضحك ليه"، يقول: البحر غضبان ما بيضحكش.. أصل الحكاية ما تضحكش ثم يردف فيقول: البحر جرحه ما بيدبلش.. وجرحنا ولا عمره دبل.

وظاهرة الرقص التي كانت سمة من سمات انتخابات النظام الحالي اختفت في استحقاق مجلس النواب الذي بدأت أولى جولاته منذ أيام، وهي ظاهرة يجب الوقوف عندها، لكن النظام استبدل الرقص بالرشاوى الانتخابية ودفع الأموال. فبعد أن كوى ظهورهم برمضاء ارتفاع أسعار المحروقات، ما رفع معه أسعار المواصلات والسلع الأساسية، أراد أن يروي بقليل من الماء ظمأهم؛ بالجنيه الذي أصبح عزيزا على ملايين المصريين، فاستبدل الملايين التي كانت تدفع للراقصات أمام اللجان وسماسرتهم إلى الدعم المباشر بمئة جنيه أو حتى خمسين في بعض المناطق، مع ذلك فقد رصدت عدسات الكاميرات في تلفونات الشرفاء، تلك الجريمة والعراك عليها أيضا. فلأن النظام يمثل عصابة سرقت إرادة شعب، فمن الطبيعي أن يستعين بلصوص، فمن أوكل إليهم توزيع الرشاوى الانتخابية سرقوا الأموال المخصصة لرشوة الناخبين بعد وعود بالمال عند الخروج من اللجان، أو لعل البكوات الكبار أنفسهم من المرشحين هم من نصبوا على الناخب بوعود كاذبة في نظام تأسس بعد الانقلاب على الكذب، بالقسم الأشهر "لا والله ما حكم عسكر ولا في رغبة ولا إرادة لحكم مصر".

عودة الحزب الوطني المنحل بأمر السيسي

لعل من أهم المشاهد في الانتخابات الجارية الآن في مصر هو عودة الحزب الوطني الديمقراطي المنحل بعد ثورة يناير في ثوب جديد ومسمى جديد، باسم حزب مستقبل وطن، ولعل الانتقادات الكثيرة الموجهة للسيسي منذ الانقلاب وتهميشه الأحزاب، حتى تلك التي وقفت معه وأعطته الغطاء السياسي لانقلابه، جعلت الرجل ينتقل من مرحلة عبد الناصر الشمولية، إلى مرحلة السادات الديمقراطية الصورية.

ولعل الفيديو المتداول لأمين عام حزب مستقبل وطن في مدينة رشيد بمحافظة البحيرة، يكشف حقيقة حزب السيسي الذي صنعته الأجهزة الأمنية على عينها، يقول إبراهيم عجلان أمين الحزب في رشيد في الفيديو المتداول: "مستقبل وطن يملك البلاد مثلما كان الحزب الوطني سابقا، حزب مستقبل وطن هو مستقبل البلد، وهو حزب البلد اللي هو كان زمان الحزب الوطني، ده حزب البلد، ده النهارده النائب بتاعه يدخل على أي وزير يخلص مصلحته، النهارده جميع الأجهزة بتخدّم على حزب مستقبل وطن".. انتهى كلام عجلان وانتهى معه المقال وانتهت معه الديمقراطية.. لكن الثورة لم تنتهِ.
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الثلاثاء، 27-10-2020 04:12 م
... مقاطعة المواطنين للاستفتاءات والاستحقاقات الانتخابية الصورية بعد انقلاب يوليو 2013، لعدم اعترافهم في الأساس بشرعية السلطات التي تجريها، وليقينهم بأن القائمين على تنظيمها لا يتورعون عن تزوير نتائجها، لتأتي مؤيدة للنظام الانقلابي القائم، ومجملة لوجهه القبيح، ومحققة لأهدافه وممكنة لأزلامه من إحكام سيطرتهم على مقاليد الحكم والثروة، وحتى الذين لم بعترضوا على الانقلاب في المقام الأول، والذين سكتوا عن انتقاده ومواجهته، صدموا بالأداء المتهافت لمن يفترض فيهم تمثيلهم لمصالح الشعب في المجلس السابق، وانبطاحهم الكامل أمام سلطة الانقلاب المتنفذة، وعجزهم عن كفالة أدنى حقوق مواطنيهم، وقد أدى تكالب المرشحين على نيل الحصانة البرلمانية التي تحمي مصالحهم الشخصية، إلى تفاقم الصراعات والصدامات بينهم، التي ستؤدي إلى زعزعة تكاتفهم، وانفضاضهم عن دعمهم للانقلاب الذي لم يحقق لهم ما كانوا يرجونه من دعم لمصالحهم، ومع تعاظم سياسات الجباية، وتفشي الفساد والمحسوبية والعمالة لجهات خارجية، ورهن البلاد لصالحها، وإغراقها في الديون الداخلية والخارجية، وإهدار أموالها في مشروعات مظهرية فاشلة، والزج بمؤسسات الجيش في الأنشطة الاقتصادية واحتكارهم لها لصالح طغمة جنرالاته الفاسدة، التي أدت إلى إفقار غالبية أبناء الشعب، والانحدار بالبلاد إلى هوة الانهيار الاقتصادي، ومع غياب أي أفق للإصلاح السياسي والاقتصادي من داخل المنظومة الحاكمة الفاسدة، نقترب من لحظة انفجار وصدام مجتمعي، وثورة شعبية حقيقية وشيكة ستكون أشد عنفاً وضراوة من ثورة 2011 وما تلاها، والله أعلم.