قضايا وآراء

كوتا النظام المصري وإعادة صناعة الإله

1300x600
1300x600
معنى الكوتا وتطبيقها في الدول الديمقراطية

في تطبيق الكوتا لم يثبت لدي، سواء من خلال البحث أو دراسة القانون، كما لم يثبت لدى أساتذتي في القانون الدستوري الذين تواصلت معهم قبل أن أكتب هذه السطور، أن أيا من الدول التي تتخذ من الديمقراطية أساسا للحكم؛ تعتمد الكوتا في المجالس النيابية التي تمثل الشعب.

والكوتا ببساطة هي تخصيص مقاعد معينة لفئة معينة كالأقليات أو المرأة لتشجيعها على المشاركة السياسية، وهي تلك التي تجمّلوا في تسميتها أو جمّلوها باسم الكوتا الإيجابية، مع ذلك فإنها في حال تطبيقها تكون من خلال تحديد نسبة من قوائم الترشيح، وليس في البرلمان من خلال مقاعد في البرلمان.

المجالس المنتخبة تأبى التعيين

يضرب المثل بالبرلمان البريطاني في عدم قبول المعينين بين جنبات المجلس المنتخب. وتبدأ الحكاية من القرن الثامن عشر، حيث يعد البرلمان البريطاني من أقدم البرلمانات التي عرفها العالم، ويرجع إلى الفترة بين القرنين الثامن والحادي عشر الميلاديين. وبدأ كمجلس للأعيان يضم مستشاري الملك والنبلاء ورجال الدين، وشهد نقلة نوعية خلال القرن الثالث عشر بعدما اصطدم الملك هنري الثالث مع النبلاء، فأدخل الملك 12 ممثلا للمقاطعات من غير النبلاء.

وفي القرن الرابع عشر أصبح ممثلو الشعب والنبلاء والملك يجلسون سوية في قاعة واحدة في ما يسمى مجلس العموم، لكن ممثلي الشعب أبوا أن يجالسوا المختارين من الملك، لينفصل مجلس العموم إلى غرفتين؛ تمسكت المنتخبة منها بالتسمية التاريخية للبرلمان فأصبح مجلس العموم للمنتخبين، بينما سمي المجلس الذي يضم المعينين من الملك بمجلس اللوردات، وهكذا ضرب الإنجليز المثل لما يعنيه صوت المواطن في اختيار نائبه، كما ضربوا المثل لأمانة ما حملوا من هذا التمثيل.

شعار المرحلة العودة إلى الخلف

وكأن كل شيء في مصر يرجع إلى الوراء، ففي دستور 1971 الذي سطره وعدله السادات من أجل أن تدوم رئاسته أبد الدهر، أعطي رئيس الجمهورية كوتا من مقاعد المجالس النيابية لاختيار وتعيين أعضاء حُددوا بخمسة وأربعين في مجلس الشورى وعشرة أعضاء في مجلس الشعب، وبعد إسقاط مبارك بثورة يناير، كان من أهم مطالب الثورة إسقاط كوتا رئيس الجمهورية، وجاء دستور الثورة في 2012 ليسقط هذه الميزة عن الرئيس المنتخب مباشرة من الشعب من غير تزوير ولا ترويع ولا تسويد، مع ذلك لم يعد من صلاحيات رئيس الجمهورية حجز مقاعد معينة في الغرفة الواحدة التي اكتفى بها دستور الثورة.

وبعد انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 عادت الدكتاتورية لتتكرس في دستور الانقلاب، بإعطاء الحق للدكتاتور الجديد بتعيين أعضاء في المجالس النيابية.

توظيف الكوتا لكسب الشعبية

في 16 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، أصدر رأس النظام في مصر قراراً جمهورياً بتعيين 20 امرأة في مجلس الشيوخ الجديد، ما يعني مضاعفة حصة النساء في التشكيل البرلماني. فوفقا للمادة 24 من القانون المنظم لمجلس الشيوخ يحق للسيسي تخصيص ما لا يقل عن 10 في المئة من 100 عضو معين.

ولا يخفى في أحاديث السيسي تعويله كثيرا على المرأة، هو شيء محمود لو كان الأمر يتعلق بمشاركة فعلية لجزء مهم من المجتمع يجب أن يمثل بكفاءته المطمورة بفعل حكم العسكر على مدى السبعين عاما الماضية، لكن أن يكون الأمر محاولة لكسب شعبية بتجميل وجه النظام القبيح قاتل الديمقراطية، فهذا ما لا يقبل. وعلى غرار المرأة، يعيّن السيسي نوابا من مسيحيي مصر للترضية وكسب الشعبية والتأييد.

كيف ينظر العالم لتعيينات السيسي؟

دعوني هنا أقتبس من تصريحات كلير إيفانز، المديرة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط في المحكمة الجنائية الدولية، لموقع كراكس، الذي يصف نفسه بنبض الكاثوليك، تعليقا على حادثة وقعت في المنيا بين مسلمين ومسيحيين. تقول إيفانز: "إن السلطات المصرية تسعى لضمان الصمت وليس السلامة".

إذن فالمسيحيون المعينون في المجالس النيابية يرون في تعيينهم رشوة للسكوت، إذ تضيف إيفانز: "الحكومة في عهد "الرئيس السيسي" تمارس الطابع المؤسسي لثقافة الصمت ومعاقبة أي شخص يتحدث بحرية عن التحديات التي يواجهها. لقد بذلت الحكومة الكثير من الطاقة لتظهر للغرب كيف يروجون للحرية الدينية، لكنهم لم يتخذوا خطوات ملموسة لحماية الحرية الدينية".

وعلى مبدأ الترضية نأخذ مثالا للممثل يحيى الفخراني، والذي ساند قرار السيسي بالتنازل عن الأراضي المصرية للسعودية، وهو نفس الموقف الذي اتخذه رئيس حزب الوفد بهاء أبو شقة من تقنين الجريمة، لكن تبقى نظرة العالم متمثلة في كلمات كلير إيفانز تلخص هذه الكوتا والتعيينات.

الكوتا بعث جديد لصناع الحاكم الإله

فكرة تعيين النواب في المجالس المنتخبة هي بمثابة صلاة بدون وضوء أو صلاة في ثوب مسروق، فالمجالس المنتخبة من المفترض أن تمثل الشعب، وكون الحاكم يريد أن يسيطر عليها، هو حق غير مشروع تسعى إليه كل الأحزاب إذا كان رئيس الجمهورية هو رئيس الحزب، لكن في حال بلادنا هو محاولة لترسيخ فكرة تأليه الحاكم المعطي المانع والخافض الرافع، والذي يستطيع أن يطرد من رحمته المتمثلة في الوجاهة الاجتماعية والميزات اللوجيستية والمرتبات المليونية، وفي ذلك يتنافس "الــ..." فضعاف النفس وبائعي الضمير لا يهمهم إلا مصالحهم، فيعبدون الحاكم ويقدمون له القرابين من دم الشعب وقوته، لينالوا رضاه وليبقيهم في ملكوته الزائل بثورة شعب جديدة تكسر الأصنام وتطيح بالسدنة والعبيد.
التعليقات (0)