قضايا وآراء

أزمة الإعلام في الأردن: الإدارة أم المحتوى؟

خالد عياصرة
1300x600
1300x600
ثمة أزمة إعلامية حقيقة يعيشها الأردن، من يملك الجرأة على الإنكار؟

الأمر ليس مرتبطاً بالأفكار أو المحتوى أو بالدعم المالي، بقدر اتصاله بالإدارات وإصرارها على التمترس خلف أزمة لا ينكرونها، لكنهم يخافون الاقتراب من نيرانها.

أزمة شعر بها الأردن خلال الإعلان عن صفقة القرن، داخلياً وخارجياً، تلمسها صانع القرار، وأسهمت في إعادة مشروع الدولة لعام 2011، للعلن، وهو مشروع قائم على هيكلة الإعلام، وإعادة التفكير في تأسيس منبر إعلامي خارجي من واشنطن، قادر على مخاطبة العقل الأمريكي بلسان أردني مبين، ربما الخلل آنذاك ارتبط بعدما كشفت الدولة حقيقة من استعانت بهم، لكنها أخطأت في تجميد المشروع.

الناظر لخارطة الإعلام يجدها تعتمد المناكفة لا التكاتف، والصراع لا المنافسة، والعمل الفردي لا الجمعي، إذ تم تخليق جبهات متصارعة متعددة الولاءات، تسيرها رؤى شخصية، لا منهجية علمية، ما زاد من عمق الأزمة.

هل يستطيع الإعلام تقديم مشهد متكامل عن السياسة الأردنية خارجياً؟ هل يستطيع الذهاب إلى أمريكا؟ أم تراه قادرا على التأثير في الرأي العام داخلياً دون السقوط أمام سيل الشائعات؟ فالرسالة الإعلامية ليست "ميك أب" جميل، وبدلة رسمية أنيقة أو فعل "فزعة" أو استعراضا، بل صناعة ووعيا وإعدادا وثقافة ومتابعة.

ولأنها صناعة يخاف البعض معها من تكرار الأخطاء دون علاجها، جر أحد التلفزيونات لحصر أفكاره عن التطوير بإعادة تصميم شاشة واستقدام وجوه مكرورة مُنحت ذات الثوب، دون المساس بجدران الخوف التي تمثلها الإدارة بذاتها، وتحول دون الرضوخ لاستجداء كوادرها لمساحات من الثقة الغائبة، هذا مع تفاقم أزمة غياب الإعداد والتحرير عن الأخبار وصناعتها، والبرامج والتحضير لها.

هذه السياسات خلقت حالة من الانفلات، تتطلب إيجاد مظلة واحدة تنضوي تحتها الوسائل الإعلامية، مشكلة من بيوتات الخبرة الأردنية، لا من سواها.. فكيف لكاتب إذاعي أن يقود فضائية؟ وكيف لمقدم برامج إدارة وكالة أنباء؟ وكيف لوزير صحة أن يكون ناطقاً رسمياً باسم الحكومة؟!

هي مظلة تخلق طاقماً إعلامياً يعمل لصالح الدولة، لا لمصلحة الممولين ومشاريعهم، أو الإدارات وأبوابها المغلقة، كجزء من وصفة بيوقراطية لإدارة الصراع الداخلي، المؤمن بخلق جزر إعلامية منفصلة، يتمترسون خلفها لضمانها، وتحييدها وقتما دعت الحاجة لذلك.

يقول العديد من أصحاب الاختصاص إن انتشال الإعلام من أزمته يبدأ من تقديم تفكير جديد بواسطة عقول إدارية جديدة من قلب المؤسسات الإعلامية لا من خارجها، يصنع برامج واضحة الرؤية، ويعيد النظر بالكثير من المعروض، وطرق إعدادها وإخراجها، وتحريرها، لتكون قادرة على إدارة المشهد، وترسيم خطوطه العريضة، بداية من الكوادر القريبة من الملك وليس نهاية بالإعلام الحكومي، باعتبارها ضرورة ملحة.

كما تستطيع فهم سياسية الدولة داخلياً وخارجياً، بعيداً عن الفعل الكلاسيكي التقليدي المرتكز على إعلام العلاقات العامة، الذي لا تشتعل جذوته إلا لحظة حصر وظيفتها في خبرٍ أو مقال ينتقد أحد المرجعيات أو المسؤولين، لذا وجب الرد عليه، حتى وإن كان الرد يخلق أزمة، بدل أن يحتويها.

فئات تسقطُ بشكل مدوٍ زمن الأزمات، وكأنها مقرونة بالعلاقات العامة، لا بتفعيل رسالة الدولة وسياستها، والدفاع عنها كثابت وطني لا كمتغير بشري.

إضافة لذلك، هل يفكر العقل الممسك بملف تطوير الإعلام بتفعيل المكاتب الإعلامية للسفارات الأردنية في الخارج، بحيث تستطيع مساندة إعلامها داخلياً لرسم سياسية موحدة. أليسوا في تلك المكاتب قادرين على صياغة الأخبار، والتقارير، وجمع المعلومات؟ فالصحفي الغربي إذ يزور الأردن يكون حاملاً لتصور كاملٍ عما يريده، بالاعتماد على مكاتب سفارته، فلماذا لا نصير مثلهم بأن نملك الكوادر هناك؟ أجزم بأن النظرة للإعلام الأردني ليست شمولية مستمدة من سيطرة الأخ الأكبر في رواية 1984!

ما ينطبق على إعلام السفارات، يمتد لدور الناطقين باسم الوزارات والهيئات الحكومية، وتدريبهم على الصحافة، لا رجال ياقات بيضاء وعلاقات عامة وصور"سيلفي"!

ولهذا فائدة، إذ يقلل من منسوب الأخبار والوثائق المسربة للخارج، ويحول دون ترك الداخل عرضة للسيطرة من قبل من يمتهن هذه التجارة كاستثمار مُربح.

أليس خلق كيان جامع للإعلام وإيضاح رسالته، وتطوير أدواته، وتدريبها، يدعم سياسية الأردن خارجياً ويحصنه داخلياً، خصوصاً في هذه المرحلة؟

إذن، متى تنطلق قاطرة الإرادة، للقيام بذلك؟
التعليقات (0)