قضايا وآراء

لماذا "لا نريد" أن نكون فلسطينيين في الضفة الغربية؟

إبراهيم خطيب
1300x600
1300x600

أظهرت خطة ترامب إمكانية ضم جزء من أهل الداخل الفلسطيني إلى "الدولة" الفلسطينية العتيدة، وفق نص وثيقة "صفقة القرن" في الصفحة رقم 13 من الخطة، والتي نصّت على ضم جُل قرى ومدن المثلث إلى نفوذ السلطة الفلسطينية.

 

وتقترح الخطة الأمريكية ضم التجمعات السكنية في المثلث، المكوّنة من كفر قرع وعرعرة وباقة الغربية وأم الفحم، وقلنسوة، والطيبة وكفر قاسم والطيرة، وكفر برا، وجلجولية، وبموافقة الأطراف، لسيادة الدولة الفلسطينية المستقبلية.

وفي معرض تسويغ هذه الفكرة، تقول الخطة من ضمن ما تقول، إن هؤلاء السكان (يبلغ عددهم نحو 300 ألف شخص) يشعرون أنهم فلسطينيو الهوية، وبالتالي فضمهم "للدولة" الفلسطينية طبيعي ومبرر.

في محاولة لقراءة هذا البند، والذي تمت إضافته (بالقطع) من السلطات الإسرائيلية ونتنياهو وهذا ما أشارت إليه صحيفة هارتس، يمكن الالتفات لعدة نقاط، والتي يمكن الاختلاف حول مقدار وأهمية كل واحدة منها وتحتاج لبحث علمي موسّع لسبر أغوارها وحقيقة كل واحدة منها، ولكنها تبقى إمكانيات واردة..

أولا، تظهر غياب مفهوم المواطنة في عرف الدولة اليهودية، وتبنيها يهودية الدولة على ديمقراطيتها وعلى مفهوم المواطنة فيها. فما زالت لا ترى بالفلسطينيين في الداخل مواطنين كما هم سائر مواطنيها، وتشير إلى أن الاختلاف الهوياتي، متمثلاً بالأبعاد الوطنية والقومية والدينية، هو الذي تحدد من خلاله من هو المواطن المرحب به من عدمه. وبالتالي، وبناءً على ذلك، فإننا نتحدث عن كيان اثنوقراطي ونظام يستخدم أدوات العنصرية والفصل العنصري، يميّز لصالح مجموعته القومية على حساب المجموعات الأخرى التي تشاركها نفس التعريف القانوني للمواطنة.

وبالمناسبة مع كل هذا، فإن العالم لا يمتعض من ذلك، ولو أن هكذا اقتراح، بنزع مواطنة بعض السكان لهويتهم القومية أو الدينية، تم في دولة أخرى، لكانت تعتبر من أشد الدول عنصرية!

ثانياً، النقاش في صفوف الفلسطينيين في الداخل، وسأقف عنده ملياً، يعارض خطة ترامب بمجملها كما يعارضها مجمل الشعب الفلسطيني وشعوب العالم، ولكن جزئية ضم المثلث حازت على اهتمام كبير ومعارضة واضحة، يمكن عزوها لأسباب عدة. وكما أسلفت، يجب فحص مدى تأثير كل سبب على مواقف الناس بشكل دقيق للتعامل معه بما يناسبه من توجه، وهنا يكمن دور الباحثين ومسؤولية قيادة الفلسطينيين في الداخل.

وعودة للأسباب الممكنة لتفسير معارضة الفلسطينيين في الداخل لفكرة ضم المثلث، فنقسمها لعدة أسباب:

1. معارضة نابعة من أنهم (الفلسطينيين في الدخل) لا يريدون أن يكونوا سلعة أو شيئاً يباع ويشترى في سياق حفاظ إسرائيل على هويتها اليهودية وتفوقها الديموغرافي، والذي تُرسل من خلاله أهل المثلث لـ"الدولة" الفلسطينية.

2. الفلسطينيون في الداخل، وخصوصاً في منطقة المثلث، يريدون كل ممتلكاتهم وأرضهم التي تمتد إلى حيفا (وهي حقهم بكل الأحوال) إذا ما أُريد الحديث عن حل الصراع. واقتراح كالمذكور مرفوض لانتقاصه حقوقهم.

3. المعادلة الصفرية التي من خلالها يرى الفلسطينيون في الداخل أن أي اقتراح أو توجه إسرائيلي هو بالضرورة سيكون موجهاً ضدهم، ويسعى لهضم حقهم ويكيد لهم، وبالتالي تجب معارضته، وخصوصاً مع عدم الثقة بينهم وبين المؤسسة الإسرائيلية وخصوصاً نتنياهو وشركاءه. وهكذا التعامل مع صفقة القرن وضم المثلث، فالساسة الإسرائيليون وعلى رأسهم نتنياهو هم من دعموا هذه الفكرة، ومن المؤكد أنهم لم يقصدوا من خلفها مصلحة الفلسطينيين في الداخل بل مصلحة الإسرائيليين اليهود.

لكن بنفس الوقت، أرى من الضروري أن أتطرق إلى أسباب أخرى، يمكن أن تكون مساهمة في معارضة بعض الفلسطينيين في الداخل لضم المثلث، وهذا الأسباب، ببعض أجزائها، تتجاوز هويتهم الفلسطينية وحرصهم المبدئي على حل الصراع بشكل عادل يضمن لكل الشعب الفلسطيني حقه، ونابع من وقت صعب يمر به الناس، وتغيّر الواقع الفلسطيني وحالة الترهل العامة التي تصيب الأمة. هذه الأسباب الممكنة كالتالي:

1. مع أوسلو وتبعاتها، بات الفلسطينيون مقسّمون مكاناً واهتماماً، فبتنا نرى الضفة الغربية وغزة (ومؤخرا باتت لكل واحدة اهتماماتها وقضاياها بمعزل أو بتراجع عن القضية الفلسطينية وحلها، وعن المشروع الفلسطيني العام المغيّب)، وبات الفلسطينيون في الشتات لهم مشاكلهم وقضاياهم المحلية، وكذا انعكس الأمر على الفلسطينيين في الداخل. هذا الأمر حدا بهم لموضعة أنفسهم في الصراع في سياق خاص، وأن لهم كياناً منفصلاً عن باقي الفلسطينيين، ليس بالمعنى الجغرافي وحسب، بل بالمعنى السياسي ونظرتهم لأنفسهم سياسياً في صراع المواطنة الإسرائيلية والهوية الفلسطينية، بالإضافة لاهتماماتهم وواقعهم وحتى "مستواهم الاجتماعي"، مما يجعلهم يتخذون هكذا موقف مناهض لضم المثلث.

2. أسباب تتعلق بالمواطنة، وأقصد بها رؤية الفلسطينيين في الداخل بأنهم "مميزون" بمواطنتهم الإسرائيلية، وإن كانت مشوّهة، وحالهم السياسي أفضل من غيرهم. ويترافق ذلك مع وجود سلطة القانون، وإن كانت مجتزأة، وبعض الحريات السياسية، والتي وإن كانت منقوصة ومضطهدة بازدياد فإنها مع حال العالم العربي المؤسف تبقى أكثر توفراً من تلك في العالم العربي والضفة الغربية وفق ما يراه البعض. كل ذلك صحبه توجه بعض القيادات الفلسطينية في الداخل إلى ترسيخ مفهوم المواطنة وتشجيع نوع من الاندماج في السياق الإسرائيلي والنضال السياسي المنبثق من هذه الهوية، والذي يحاول التركيز على مكانة الفلسطينيين في الداخل وعلى قضاياهم اليومية بمعزل عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي العام ودورهم فيه.

3. أصبح بعض الفلسطينيين في الداخل جزءا من نسق اجتماعي واقتصادي غربي، أقرب منه للإسرائيلي من الفلسطيني، وهذا بفعل الاحتلال والوضع الفلسطيني الداخلي الذي جعل حال الفلسطينيين في الضفة الغربية متأخراً في هذا المضمار، وجعل الفلسطينيين في الداخل "مستفيدين" من التقدم الاقتصادي والاجتماعي الإسرائيلي ومعتادين عليه (بحسناته وسيئاته).

4. الواقع الفلسطيني المركّب الذي يُظهر أن أي دولة فلسطينية ممكنة وفقاً للحلول المطروحة غير قابلة للحياة والتطور ولا تلبي رؤية، تطلعات واحتياجات الفلسطيني في الداخل. وبالتالي لن يرضى الفلسطيني في المثلث أن يكون جزءا من هكذا كيان، أو كما سميته في مقال سابق دويلة "الكانتونات"، ناهيك عن أن أي دويلة فلسطينية ستبقى مرتهنة بإسرائيل ونظامها الاحتلالي، وبالتالي يكون الحديث عن واقع صعب وتغيير للأسوأ.

أخيراً، مع كل الإمكانيات الواردة، والأسباب المختلفة لرفض فلسطيني الداخل وخصوصاً في المثلث لضمهم لدولة فلسطينية منقوصة، فيجب على القيادة الفلسطينية في الداخل التأكيد على أن رفض خطة ترامب بنقل أهل المثلث للدويلة المقترحة، نابع من الرفض للخطة بمجملها، ولأنها لا تعطي الفلسطينيين حقهم، ولتكون الأسباب لرفض الخطة وضم المثلث متعلقة برؤية ذواتنا كجزء من حل أكبر وأنفسنا كجزء من الصراع، فلا نقبل كل الحزمة التي ظهرت فيها مسألة ضم المثلث.

كما يجب التأكيد والعمل على تثبيت هوية الفلسطينيين في الداخل، وإعادة ضمهم للمشروع الوطني الفلسطيني العام (الذي يجب إعادة بنائه ليشمل الكل الفلسطيني)، والتشديد على أن الكيان الإحلالي الإسرائيلي هضم حق وأرض ومقدسات الشعب الفلسطيني بكل امتداداته. وحل الصراع يكون بإحقاق الحق كل الحق لأصحابه كحلٍ يشمل الكل الفلسطيني، ويكون عادلاً بإعادة الحق لأصحابه. أخيراً، التأكيد على أن وجودنا في هذا البلاد نابع من أنه وطننا وليس من مواطنتنا التي استحدثت بفعل تغّير الواقع في هذه البلاد.

 

التعليقات (0)