تمثل شركات صناعة الأفلام الأمريكية
حالة لفهم الواقع الجديد، إذ بدأت
الشركات منفردة، ثمّ سارت في طريق الاستحواذ أو
الدمج، لتخلق الأستوديوهات الستة الكبار؛ يونيفرسال، فاياكوم، باراماونت، وارنر
برذرز، كولومبيا، سوني.
بهذا انتقلت الشركات من النموذج الهرمي في الإنتاج
إلى الشبكي المسيطر على كل شيء، من الكومبارس حتى الجمهور، ما وفر الكثير من الأموال
ومنحها أرباحا هائلة. شغلت الجميع وفق رؤيتها، وأسهمت في خلق شبكات جديدة انبثقت
منها وتعتمد البيانات في عملها، مثل: نتفليكس، وأمازون، وتي إن تي، وأوبر.
نموذج هوليوود اعتمدته البنوك، وشركات
الاتصالات والسيارات، وشركات الأسلحة، ومحلات بيع التجزئة، وشركات التقنية
الجديدة، فلا خيار لديها ألا الاستحواذ أو الاندماج أو التلاشي.
ومن هنا، ظهرت المدن المغلقة الخاصة المسيطرة
على كل شيء داخلها، من الأسواق والسينما إلى محلات التجميل وبيع التجزئة، وغيرها؛
مدن محروسة بشركات وقوانين خاصة.
أردنيا، الدولة تسير بهذا الاتجاه، باعتماد
سياسة الدمج للقطاعات وإعادة توزيعها، وكان ذلك في القطاع العام، بحيث تخرج الدولة
من عصر القطاع العام إلى عصر العقود المحددة بزمن، ومن عصر إمبراطورية المباني
الضخمة إلى عصر تقليصها، ومن عصر الخدمات إلى البيانات، حتى يصبح الأردن دولة إلكترونية
عديمة الوزن، ضخمة البيانات، تسيطر على المفاصل كحارس سوق سلعي لا خدمي؛ سوق تقوده
شركات خاصة تتحكم في التصنيع والتسويق، من السيارات حتى أقلام الرصاص، مع أسقاط
قيمة العملة النقدية، مقابل استحداث الحواضن الإلكترونية والعملات الرقمية.
عصر لا يؤمن بالوظائف الدائمة، بل بعقود شراء
الخدمات المحدودة، فالهدف ليس الموظف بل ما يتقنه، بعيدا عن الفكر النمطي الرأسمالي
القائم على تقديس الأصول للحفاظ على المكتسبات، مقابل الأفكار والبيانات.
الانتقال السريع للعصر القادم حتمي، ويترتب
عليه مواجهة الرافضين لمبدأ الدمج والقبول بالأسواق الجديدة، من أصحاب الفكر
التقليدي البيروقراطي الذي يقف حجر عثرة في طريق تقدمهم.. فكر يؤمن بالأصول
المعتمدة على الجغرافيا والموارد كوسيلة حماية للدولة واستمراريتها بصورتها
الكلاسيكية، لا على البيانات الخاضعة لسيطرة "شرطة الفكر" وقادة
شركات الملكية الفكرية العملاقة، ودورها المرعب في حماية سيطرة الفئات النافذة على
العالم وأسواقه، المقيدة بخيوط شمولية يتحكمون بها من بعد!
فهل نشهد تطورا للعمل النقابي كسلاح مضاد لمواجهة
دول وشركات عصر البيانات، أم تكون النقابات جزءا من المشهد؟
لذا، فالقادم نفاذٌ وتسليعٌ للوجود اليومي
للأفراد واختراق خصوصيتهم، بوساطة شركات شبكية عملاقة، وحماية فكرية مشددة، تبيع
منتجاتها من بعد.
ربما أن القيمة الحقيقة لما يجري حاليا ترتبط
بالأفكار والإبداع والقدرة على مواكبة القادم، لا بالأصول المادية الثقيلة وعقلها
البيروقراطي السميك الذي يعيق حركة الحكومات.