قضايا وآراء

متى نصدق السلطة في رفضها لصفقة القرن؟

سليمان سعد أبو ستة
1300x600
1300x600
أعلن السفير الأمريكي في الكيان الصهيوني ديفيد فريدمان عن وجود قنوات اتصال سرية بين السلطة وواشنطن للتفاوض حول صفقة القرن، فسارعت السلطة لنفي ذلك، وتأكيد موقفها الرافض للصفقة، فهل السلطة صادقة في رفضها ذلك؟

في الحقيقة السلطة أعلنت من قبل عن أشياء كثيرة ولم تقم بتنفيذها، فقد أعلنت أكثر من مرة عن إيقاف التنسيق الأمني ولم يتوقف، وأعلنت عن مقاطعة الكيان الصهيوني وما زالت اللقاءات التطبيعية مستمرة، وأعلنت عن نيتها إجراء الانتخابات البلدية ثم التشريعية ولكنها تراجعت، وأعلنت عن توجهها نحو خيار الوحدة الوطنية، وزيارة عباس لقطاع غزة، ولم يحدث على أرض الواقع أي شيء. وأعلنت من قبل عن نيتها عقد الإطار القيادي لمنظمة التحرير ثم تناست الأمر، وكل ما سبق يؤكد حقيقة يعلمها كل من لديه اطلاع على عالم السياسة، وهي أن الأقوال لا قيمة لها ما لم ترتبط بأفعال تؤكدها.

وبغض النظر عن صدق السلطة أو كذبها في زعمها مواجهة صفقة القرن ورفضها، فلا بد من التساؤل عن السبب الذي أوصلنا إلى هذه الحالة التي باتت تمثل بيئة نموذجية لتحقق صفقة القرن، فإذا ما غيرنا تلك البيئة كنا صادقين في مواجهة الصفقة، وإذا واصلنا الأفعال ذاتها فتلك الطامة الكبرى التي تعني أحد أمرين، إما أننا لا نفقه في عالم السياسة شيئا، وتلك مصيبة كبيرة بلا شك، وإما أننا نعلم، ونصر على مواصلة الطريق ذاته، أو عاجزين عن التوقف عنه، وهذا يعني أننا شركاء في تلك الصفقة، سواء كان ذلك برغبتنا وتلك خيانة كبرى، أو لعجزنا وهذا يعني أن علينا الرحيل، ليحل الشعب الفلسطيني مشكلته بنفسه، وهو على ذلك من القادرين.

ذلك أن الذي أوصلنا إلى صفقة القرن هو التنسيق الأمني، الذي سمح للاستيطان بالتهام الأرض دون حسيب أو رقيب، والاعتقال السياسي الذي سحق النخبة الفلسطينية التي كان من الممكن أن تقود جهود الجماهير الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، ولا يمكن لشعب أن ينهض أو يتحرر أو يتقدم دون نخبة فاعلة، فكيف بنا وقد قتلنا نخبتنا بأيدينا، والذي ساهم في تحقيق الصفقة هو رفض السلطة لخيار الوحدة الوطنية القائم على مقاومة الاحتلال، بل سعيها لاعتبار نزع سلاح المقاومة شرطا للمصالحة، وتلك بلا شك مأساة كبيرة، فلم يذكر التاريخ شعبا تحرر دون مقاومة، ولم يذكر أن احتلالا رحل دون أن يصبح ثمن احتلاله أكبر من فوائده. وآخر التجارب الشاهدة على ذلك تجربة أفغانستان، حيث اضطرت واشنطن للتفاوض مع طالبان حول شروط الانسحاب الأمريكي.

والذي أوصلنا لصفقة القرن هو رفض السلطة للعودة إلى صناديق الاقتراع، التي كان من الممكن أن تفرز قيادة جديدة أكثر شجاعة من القيادة الحالية التي ما زالت تواصل فشلها السياسي عاما بعد عام، مع إصرار السلطة على احتكار شرعية تمثيل الشعب الفلسطيني في منظمة التحرير، وهي الكيان الذي بات عاجزا تماما ولا نسمع له صوتا، ولا نرى له أي أثر. وما أوصلنا للصفقة هي الإجراءات العقابية التي تمارسها السلطة بحق الموظفين في قطاع غزة، والتي شلت حياة المواطنين، وشغلتهم بظروفهم المأساوية، وآلامهم المتصاعدة تحت ضغط الحرمان من رواتبهم.

كل ما سبق أوصلنا لصفقة القرن، وخلق لها البيئة النموذجية لتنمو، والسلطة ستكون في غاية الصدق في نيتها مواجهة الصفقة إذا أنهت كل المظاهر السابقة، عندئذ ستفشل الصفقة تلقائيا، وسيندحر الاستيطان. فليست مشكلتنا اليوم أن المستوطنين أقوياء وشجعان، بل مشكلتنا في عجزنا عن مواجهتهم، وردعهم من خلال مقاومة حقيقية ولو بالحد الأدنى، وبأقل الإمكانات.
التعليقات (2)
محمد قذيفه
الثلاثاء، 03-03-2020 06:52 م
السلطة التي تتفاوض 30سنة اما أنهاغير حرة في قرارها أو أنها خائنة فاذا كانت الاولى فعليها أن تصارح الشعب واذاكانت الثانية فعلى الشعب أن يرميها في سلة المهملات ويختارقيادة جديدة فاطالم يحدث فالشعب يحتاج ال وعي وحس وطني
رائد عبيدو
الإثنين، 02-03-2020 04:51 م
السؤال الأعم هو ما دليل صدق أي حكومة أو حركة أو شخص يقول إنه يرفض صفقة القرن؟ صفقة القرن هي خطة اتفق عليها ترمب ونتنياهو وغانتس، وأي حكومة ما زالت لها أي علاقة بأي منهم فهي لا ترفض صفقة القرن، وأي شخص يمدح أي حكومة ما زالت لها أي علاقة بأي منهم فهو غير صادق في رفض صفقة القرن. إن كانت السلطة تنفي أي تواصل مع الإدارة الأمريكية منذ عامين فهناك حكومات ما زالت تتواصل معها علانية وتستقبل جنودها وتشتري أسلحتها الحربية وتدعي رغم ذلك أنها ترفض صفقة القرن، وإن كانت السلطة لها علاقات تطبيعية بصهاينة تزعم أنهم يوافقون على المبادرة العربية ويعارضون الاستيطان في المناطق المحتلة عام 1967 فهناك حكومات لها علاقات علنية سياسية واقتصادية وسياحية مع النظام الصهيوني نفسه، وتحظى رغم ذلك بمديح حركات وأشخاص يقولون إنهم ضد صفقة القرن وضد التطبيع.