هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعلن المجلس الدستوري الجزائري يوم الأحد؛ استحالة تنظيم الانتخابات الرئاسية المقررة في تموز/ يوليو 2019، مبررا قراره بعدم وجود وجود مرشحين، بعدما ألغى ملفي مرشحين اثنين وحيدين تقدما لخلافة الرئيس "بوتفليقة". وبهذا الإجراء يكون القضاء الدستوري قد فصل نهائيا في إمكانية إجراء اقتراع رئاسي وفق ما دعا إليه الرئيس بالنيابة، ودعمته مؤسسة الجيش على لسان رئيس أركانها "أحمد قايد صالح".
ثمة أكثر من قراءة لهذا الإعلان، والنتائج المتوقعة لما سيحصل بعده، وهي في كل الأحوال قراءات غير مالِكة للحقيقة، ولا خالية من هامش الخطأ وعدم حسن التوقع. فهناك من اعتبر الاستحالة تحصيلَ حاصل، وأن الشارع الجزائري عبّر من خلال استماتته في الحراك، واستمراره متمسكا بالمطالب التي أعلن عنها منذ أن فُكّت عُقدة لسانه في 22 شباط/ فبراير 2019، عن رفض أي انتخاب في ظل بقاء رموز النظام ومصادر قوته. بل إن إجراء الاستحقاق الرئاسي مرتبط جوهريا بتوفير شروط جديدة لإعادة بناء شرعية السلطة ومشروعية مؤسسات الدولة، وفي صدارتها مؤسستي الرئاسة والبرلمان.
وفي المقابل، هناك قراءة تذهب إلى أنه أمام المأزق الذي تواجهه السلطة، والذي عزّ عليها الإقدام على خطوات أكثر جرأة وشجاعة في اتجاه التوافق مع مطالب الحراك، فإنها تسعى إلى كسب الوقت أكثر، وربما تُراهن على عَياءِ قوى الحراك وتراجع قوة نَفَسِ أصحابه، لا سيما وأن البلاد مقبلة على فصل صيف، يعد بطبيعته فصلا ميتاً وغير جاِذب للحراك والنضال. والواقع، قد يكون لهذا الرأي قدر من الوجاهة، حيث أن قرار المجلس الدستوري أوكل بصريح منطوقِه للرئيس المؤقت "عبد القادر بن صالح"؛ إمكانية تمديد استمراره إلى حين إجراء انتخابات جديدة وأداء الرئيس المنتخب القسم لمباشرة عمله، وهو ما يتعارض مع أحكام الدستور، التي حددت حَصرياً مدة الولاية المؤقتة لإجراء الانتخابات وإنهاءّ الطابع المؤقت لمؤسسة الرئاسة (9 تموز/ يوليو 2019). ومن هنا نفهم لماذا ذهب متابعو الشأن الجزائري، من النخبة الجزائرية ومن غيرها، إلى اعتبار تأويل المجلس الدستوري لأحكام المادة 102 في غير محله، ويُجانب روحَ الوثيقة الدستورية.
قد يُضعف التأجيل جذوة الحراك، وينزع عن أصحابِه أكثر الشعارات قوةً وتحفيزا على التماسك والتعاضد. ومن جهة أخرى، قد يمكن الأحزاب التقليدية، التي رفضها الحراك، من العودة مجددا إلى الساحة السياسية، وربما الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما لا يقبله الحراك
الجزائر (والجزائريون أعرف الناس بأوضاعهم، وأقدرهم على تدبيرها) أمام مفترق طرق دقيق وصعب وعلى درجة عالية الحساسية.. فكما أسلفنا في مقال سابق، كلما تقدم الوقت على حصول توافق وطني، يضمن للجميع قدراً من الرضا والشعور بالتقدم نحو الأفضل في تدبير مرحلة ما بعد " بوتفليقة"، كلما ازدادت إمكانيات الحل السلس لمرحلة الانتقال تعقيداً وصعوبة. ومن يقرأ بعمق منحنيات تطور الشعارات المرفوعة داخل صفوف الحراك، يلاحظ بروز شعارات ومطالب لم تكن مطروحة خلال الأسابيع الأولى من الحراك، من قبيل التوجه مباشرة إلى شخص رئيس الأركان ورفع شعارات ضده.. لقد بقيت مؤسسة الجيش طيلة أسابيع الحراك مُقدرةً، ومنظورا إليها بحسبها مؤسسة وطنية قادرة على حماية مطالب الشعب وتطلعاته للتغيير. لذلك، قد يدفع الاحتقان، وانسداد آفاق التغيير، إلى إعادة الحراك في بعض مطالبه، لا سيما تلك التي لها صلة بمؤسسة الجيش، بل إن بعض المتظاهرين لم يستثنونها من لائحة من طالبوا برحيلهم، وهنا تكمن في الواقع مخاطر انزلاق الحراك في الجزائر.
قد يدفع الاحتقان، وانسداد آفاق التغيير، إلى إعادة الحراك في بعض مطالبه، لا سيما تلك التي لها صلة بمؤسسة الجيش، بل إن بعض المتظاهرين لم يستثنونها من لائحة من طالبوا برحيلهم،