هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في الصحراء القاحلة، بعيدا عن الناس وعن العمران، على ربوة يجلس علاء الدين، لص الشارع، بمواجهة جعفر وزير السلطان.
جعفر: ماذا يدعونك؟
علاء الدين: علاء الدين.
جعفر: علاء الدين؟ يجب على أمثالنا أن يكونوا واقعيين.. كنت مثلك في الماضي لصا عاديا لكن طموحي كان أكبر. عندما تسرق تفاحة فأنت لص وإن سرقت مملكة تصبح حاكما. الضعفاء فقط من يبقون على حالهم. إما أن تكون الأقوى في الغرفة أو تكون لا شيء. فرصتك تبدأ معي اليوم. يمكنني أن أجعلك ثريا بما يكفي لإثارة انتباه الأميرة. لكن كل شيء له ثمن.
علاء الدين: ما الذي عليّ فعله؟
جعفر: هناك كهف قريب من هذا المكان وبداخله يوجد مصباح زيت بسيط. أحضره لي وسأجعلك ثريا يثير إعجاب الأميرة. أنت الآن نكرة بالنسبة إليها. حياتك تبدأ الآن.
المشهد من فيلم (علاء الدين ـ 2019) للمخرج غاي ريتشي.
لقاء بين أميرين
لكن العودة لقصاصات الأخبار تحيل على مشهد مشابه يحكى أنه جمع أميرين عربيين خلال رحلة تخييم، قبل سنوات قليلة، تحولت معها معالم الكيان الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط بشكل دراماتيكي. صار أحد الأميرين وليّا لعهد والده باسطا سلطته ونفوذه على مملكة مترامية الأطراف كانت إلى عهد قريب أختا كبرى لبقية الإمارات الخليجية قبل أن تتحول سياساتها الخارجية إلى العدوانية في تدبير الخلافات، إن وجدت، أو تأزيم الأوضاع وإشعال الحرائق هنا وهناك، والعهدة على صحيفة وول ستريت جورنال.
لقد تحولت رحلة تخييم جمعت المحمدين ابن زايد وابن سلمان إلى عقد واتفاق وتحالف كاثوليكي بين الرجلين أساسه سلطة ومال برعاية صهر الأخ الأمريكي الأكبر، تاجر العقارات الذي صار أقوى الرؤساء على وجه الأرض.
ولأن الخيانة طبع أصيل في نفوس المتسلقين، فقد كان جزاء علاء الدين، في الفيلم، الإلقاء به في الكهف الملتهب غدرا بعد أن ظن جعفر أن المصباح السحري صار له ملكا. يعرف اللصوص أن الثقة عملة مفقودة في تعاملاتهم. لقد تحول علاء الدين بفضل تملكه بالسرقة للفانوس السحري إلى أمير يسعى للزواج من ابنة سلطان أغرابا.
في القصة الواقعية التي جمعت الأميرين العربيين لا تزال فصول التحالف مستمرة وإن بدا أن كلا الطرفين يلعبان لعبتهما الخاصة في انتظار ساعة الصفر، فالغدر والخيانة صارا ماركة مسجلة في مواجهة الأعداء والحلفاء على حد سواء.
عودة إلى علاء الدين..
خلال حفل استقبال على شرف الأمير علي/علاء الدين بقصر سلطان مملكة أغرابا، يتصادف "الحليفان" وإن أعمى سحر الجني جعفر عن معرفة مخاطبه الأمير الجديد/اللص القديم.
جعفر: أعرف من تكون.
علاء الدين (وقد تملكه الخوف): حقا؟
جعفر: أنت رجل طموح وعظيم مثلي.
علاء الدين: لم يحصل لي شرف التعرف إليك قبلا.
جعفر: أنا جعفر، وزير السلطان. قد أكون حليفا قيّما لمساعدتك على بلوغ هدفك. هذا عرض لن يكون على الطاولة لوقت طويل.
شكل الخامس من حزيران (يونيو) 2017 منعطفا تاريخيا في العلاقة بين دولة قطر وجزء من جيرانها
منعطف تاريخي
لقد شكل الخامس من حزيران (يونيو) 2017 منعطفا تاريخيا في العلاقة بين دولة قطر وجزء من جيرانها تحولت معها التهديدات والمؤامرات في الكواليس إلى العلن، وهو ما أظهرته كثير من التقارير والأفلام بعد أن تحرر مالكوها من التزام التحفظ والكتمان.
وبينما كان جعفر في فيلم (علاء الدين) يبحث عن "الماسة الخام"، الفانوس السحري، باعتباره كفيلا بمنحه القوة والثراء، كانت العين في الواقع على حقل الشمال للغاز القطري الأكبر بالعالم الذي كانت السيطرة عليه تعني سيطرة السعودية على سوق الطاقة العالمي نفطا وغازا، خصوصا مع ما تتطلبه المشاريع الفرعونية المتضمنة في "رؤية 2030" من مصادر طاقة لم تعد المملكة قادرة على توفيرها. الاتفاق الموقع قبل أيام لشراء الغاز الأمريكي لعشرين سنة قادمة أكبر دليل.
لم يكن المال المحرك الوحيد لمغامرات الحليفين بل كان الهدف إظهار حجم السطوة والقدرة على "إذلال" كل من تسول له نفسه التغريد خارج المنهاج الإماراتي السعودي الجديد المتحالف مع "أعداء" الأمة، وفق ما تقره "صفقة القرن" من إجراءات تنهي القضية الفلسطينية وتحول إسرائيل لحليف في مواجهة المد الشيعي.
جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، شكلت حتى اللحظة القشة التي قصمت ظهر الطموح الجامح للمحمدين
لا أهمية لنقض العقود أو تشتيت العائلات أو تدمير الحواضر العربية أو المقامرة بمقدرات المنطقة أو تحويلها لمجرد بقرة حلوب للراعي الأمريكي أو تلقي الإهانات العلنية يوما عن يوم. كل ما سبق يهون لتحقيق المجد الشخصي ولو على حساب المبادئ والعهود والأعراف والشعوب. المؤامرات عنصر أساسي في لعبة العروش.
باستخدام قدرات جني الفانوس السحري، أصبح جعفر سلطانا بالانقلاب على حاكم أغرابا.
كانت أولى قراراته أمرا أصدره لقائد الجيش حكيم، الذي بايعه في الحين على السمع والطاعة، باعتقال السلطان السابق وابنته الأميرة، ثم الأمر بغزو الجارة شيرابات.
جعفر: حكيم.. ادفع بالجيش لغزو شيرابات.
الأميرة: لا يمكنك...
جعفر: أعتقد أننا سمعنا ما يكفي منك يا أميرة. حان الوقت لتبدئي بعمل ما كان عليك عمله من البداية.. ابق صامتة. خذوها (مخاطبا الحراس).
الأميرة: حكيم. الواجب ليس شرفا دائما. جعفر ليس جديرا بإعجابك وتضحيتك.
جعفر: كل ما أسعى إليه هو المجد لمملكة أغرابا.
الأميرة: أنت تبحث عن المجد لنفسك وتسعى لكسبه على حساب شعبي. هؤلاء الرجال سيتبعونك حيث تقودهم يا حكيم. يعود الأمر لك بالسكوت بينما يدمر جعفر مملكتنا الحبيبة أو فعل الصواب والوقوف مع شعب أغرابا.
عندما انحاز حكيم لـ "الشرعية" لم يبق لجعفر غير الجني لتحقيق طموحه وإرضاء غروره لبدء معركة كسر مؤيديه ومعارضيه.
جعفر: سأخلق امبراطورية لا يمكن للتاريخ تجاهلها. يمكنني تدمير مدن وتدمير ممالك. ويمكنني تدميرك أنت أيضا.
علاء الدين: هذا صحيح. لكن الذي جعلك سلطانا ثم ساحرا سيبقى دوما أكثر قوة منك. الجني منحك القوة ويمكنه نزعها منك.
جعفر: إنه يخدمني.
علاء الدين: لقد قلتها، إما أن تكون الأقوى في الغرفة أو تكون لا شيء.
يرفع جعفر سقف طموحه ويطلب أمنيته الثالثة بالتحول لأقوى كيان في الكون يفوق قوة الجني.
وبينما يتفاخر جعفر بجبروته متوعدا بغزو شيرابات، يفطن أنه لم يعد قادرا في التحكم بقراراته.
عندما أسرف بن زايد وبن سلمان في استخدام قوة اعتقداها خارقة.. ارتكبا من الأخطاء ما يجعل دائرة نفوذهما الفعلي في حجم فانوس.
علاء الدين: لا شيء يا جعفر. تلك كانت أمنيتك. الجني يملك قوة كونية.
الجني: لكنه يحيا في مساحة عيش ضيقة. الجني بدون سيد يعود إلى مصباحه.
وكان ذاك السجن الذي لا يملك جعفر/القوي التخلص منه إلا عبدا لسيد يحرره منه لخدمته.
ليس هناك من مال كاف أو سلطة على الأرض لتحس بالرضا فلا تشرب من تلك الكأس. كانت تلك نصيحة الجني لعلاء الدين حين وصل إليه أول مرة داخل الكهف المسكون.
عندما أسرف ابن زايد وابن سلمان في استخدام قوة اعتقداها خارقة، وصارا يجولان في الجغرافيا العربية تزييفا للحقائق ونشرا للدسائس وإشعالا للحرائق ارتكبا من الأخطاء ما يجعل دائرة نفوذهما الفعلي في حجم فانوس.
جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، بكل ما مثلته من عنجهية وتكبر واستخفاف بالعالم، شكلت حتى اللحظة القشة التي قصمت ظهر الطموح الجامح للمحمدين، خصوصا ولي العهد السعودي الذي صار منتهى تحركاته داخل المملكة أو في بلدان الرباعية وبعض من دول الخصاص على الهامش الدولي. أما السعودية والإمارات فصارتا في مرمى طائرات مسيرة بدائية الصنع أو عمليات "تخريب" في المياه الإقليمية مقدمة لنذر حرب يعتقدون أنهم يملكون مفاتيح إخمادها كما إشعالها، وما هم إلا يظنون.