جَرت العادة في النظم الديمقراطية أن تُقدم الحكومة النابعة عن صناديق الاقتراع حصيلةَ عملها لمائة يوم، إما مباشرة عبر وسائل الإعلام، أو بشكل غير مباشر عبر مؤسسات التمثيلية والوساطة (البرلمان أساسا)، أما الحكمة في هذه القاعدة فهو تمكين الناخبين والمواطنين عموماً على أن الحكومة التي صوتوا عليها، ومنحوها الشرعية الانتخابية تسير في تناغم مع برنامجها ووعودها الانتخابية، وأنها فعلا تربط الشرعيةَ الانتخابية بشرعيةِ الإنجاز.
وحيث أن رئيس حكومة "العدالة والتنمية" الثانية يستعد لتقديم حصيلة حكومته بعد أن تجاوزت المائة يوم بقرابة الشهرين )05 أبريل 2017ـ 11 سبتمبر 2017(، فإن أسئلة كثيرة تُثار حول مدى جِدية الحديث عن الحصيلة؟ ، وهل هناك حصيلة أصلا تستحق تنوير الرأي العام بمضمون انجازاتها؟. لا نتردد في الجزم بأن حصيلة هذه الحكومة حتى الآن بيضاء، وخالية من أي إنجاز يستحق الذكر، وأنها حتى الآن عبارة عن "حكومة تصريف الأعمال" ليس إلا، إذ باستثناء تقديمها وموافقتها على قانون المالية الجديد، وهو ما يدخل في باب الضرورات، ليس في رصيدها ما يُلفت الانتباه، ويُشعر المواطن بأن صوته الانتخابي كان من نصيب من يستحق، وأن من حسن حظه لم يذهب سُدى.
لذلك، سيكون من باب تحصيل الحاصل الحديث عن الحصيلة، اللهم إذا امتلك رئيس الحكومة جرأة تقديم ما لم تنجز حكومته وكان عليها أن تُنجزه، أو يكون صادقاً مع الجسم الإنتخابي الذي منحه الشرعية الانتخابية، ويقدم نقدا ذاتيا عن بياض شرعية ا انجاز حكومته، وهو ما نحن متأكدين بأنه لن يجرأ على قوله، أو الإقدام حتى على التفكير فيه. أما أسباب ذلك فنحللها في الآتي:
نُذكِّر القارئ َ الكريم بأن حكومة " العدالة والتنمية" الثانية تشكلت بعد مرور ستة أشهر على اقتراع 07 أكتوبر 2016، الذي منح الفوز مرة أخرى ل " الإسلاميين" ، أما عن تعذر الإعلان عن الحكومة في إبانها، ووفق ما ينص عليه الفصل 47 من دستور 2011، فالأسباب متعددة، وقراءاتها تنوعت بتنوع زوايا النظر، والحال أن الواقع كشف مع مرور الوقت أن التأخر لم يكن صُدفة، وأنه حدث لأسباب ذات صلة بالمجال السياسي وتجاذب فاعليه. الشاهد هنا استبدال رئيس الحكومة السابق بالشخص الثاني في حزبه، ليقود الحكومة الثانية، وإيجاد مخرج لتكوين الأغلبية الحكومية من الأطراف التي أريد لها أن تكون، وتاليا تنصيب الحكومة وفق الرؤية التي أفضى إليها تأخر نصف سنة بعد الإعلان عن الاقتراع النيابي لسابع أكتوبر 2016. نحن إذن أمام حكومة قيل عنها أنها متكاملة ومتناغمة وقوية بأغلبيتها العددية، غير أنه في الواقع تحمل أكثر من عِلّة لضعفها، ومحدودية قدرتها على الفعل والإنجاز.
يتعلق العنصر الثاني بفشل الحكومة الثانية في تدبير أزمة ما يسمى " حراك الريف"، والحقيقة لم ينحصر فشلها في التعاطي مع هذا الملف المهم والخطير فحسب، بل كان دورها سلبيا من زاوية فهم جذور المشكل وتفسير أبعاده، حيث ذهبت بعيدا، استناداً على معطيات وزيرها في الداخلية، إلى وسم الحراك والمعنيين به بالدعوة إلى الانفصال وخدمة "أجندة خارجية"، وهو ما خلق شرخاً عميقا بين مواطني هذه الجهة الترابية من المغرب والحكومة الممثلة لجميع المغاربة ، والمعبرة عن مصالح الكل، وهو ما أفضى إلى تعميق فقدان الثقة في وظيفة التمثيلية والوساطة للحكومة وأحزاب أغلبيتها من قبيل مواطني الحراك، وتأجيج رفضهم لأية مبادرة حكومية لإيجاد حلول ممكنة لمطالبهم. يُضاف إلى هذا الفشل، فشلها في فرض احترام سلامة معتقلي الحراك الجسدية والمعنوية، وتمكنيهم من نفاذ القانون في حقهم مع احترام كل الإجراءات والضمانات ذات العلاقة، وقد شهد التقرير المسرب ل " المجلس الوطني لحقوق الإنسان"، وهو هيئة دستورية، ببعض مظاهر الانتهاكات الحاصلة.
يُضاف إلى العنصرين المشار إليهما أعلاه عنصر ثالث له صلة بحزب رئيس الحكومة، وليس بالحكومة ولا بسياقها السياسي، لكن سيكون له، في تقديرنا ، بالغ الأثر السلبي على قدرة رئيس الحكومة على قيادة العمل الحكومي بإقتدار، وتحقيق الإنجازات التي ستعزز شرعية حكومته الإنتخابية، يتعلق الأمر بما يمكن أن نسميه " الترهّل harcèlement الذي يطال حزب العدالة والتنمية، وقد يقوده إما الإضعاف وتآكل أرصدة مخزونه الشعبي، أو يُعرضه من حيث لا يدري إلى الانشقاق الداخلي، وهو مصير عاشته الكثير من الأحزاب المغربية، لعل آخرها حزب " الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" الذي خرج شبه ميت من تجربة قيادة العمل الحكومي )1998 ـ 2002/2007(. فما يعتمل داخل " العدالة والتنمية" من احتكاك، وملاسنات، واصطفافات ، يؤشر إلى أن الحالة الصحية للحزب ليست بخير، وأنه قادم على تحولات داخلية.
نعي تمام الوعي، ونحن نبين ما يمكن أن يمثل عوائق بنيوية لتفسير الحصيلة الصفرية لحكومة السيد "عز الدين العثماني"، بأن مائة يوم أو حتى نصف سنة قد لا تشكل مقياسا نهائيا للحكم على نجاح أو عدم نجاح الحكومة المعنية في هذا العمود، لكن كما يقال " العشاء الجيد والطيب تفوح رائحته منذ المساء"، أي قبل حلول أوان التحلق حول مائدته..ومن هنا الخوف كل الخوف أن يستمر المغرب سجين هذا القوس السياسي الذي كان لحراك " الريف" ابلغ الأثر على حصوله..المغرب في حاجة إلى وثبة نحو المستقبل كي يكمل إصلاحاته، ويوطدها، ويوطنها في ثقافة أبنائه.
رئيس الحكومة اسمه "سعد الدين العثماني" وليس "عز الدين العثماني"
مولاي الحسن عمرات
الثلاثاء، 12-09-201705:29 م
استاذي الكريم .هو فعلا ما قلته صحيح .تحليل واقعي ومنطقي لقد قمت بعملية تشريح حقيقية للواقع السياسي المغربي وهذا ما لمسناه في كل المحاضرات التي القيتها في مدرجات القاضي عياض بمراكش في سنوات 89_90_91 حين كنا طلبة بكلية الحقوق