كتب مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" توماس إردبرينك من العاصمة
الإيرانية طهران، تقريرا حول الحرب الكلامية الدائرة بين أمريكا والجمهورية الإسلامية، وذلك عقب تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب في الرياض الأسبوع الماضي، وأمام أكثر من 50 زعيما عربيا ومسلما، دعا فيها لمواجهة التطرف، وعزل إيران، التي عدها مسؤولة عن التوتر الحالي في المنطقة.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن ترامب، الذي لم يخف أبدا عداءه لإيران، دعا قبل أيام لوضع استراتيجية إقليمية كبرى بين الدول السنية لعزل إيران، لافتا إلى أن طهران تلقت تلك التهديدات بنوع من التوازن المثير للدهشة؛ لأنها تعرف أن إدارة ترامب عبرت عن استعداد للتعامل التجاري مع البلد.
ويقول الكاتب: "على السطح، هناك الكثير من الأخبار السيئة التي تلقتها الجمهورية الإسلامية، ففي أثناء القمة العربية الأمريكية في
السعودية كان ترامب ضيفا على
الملك سلمان بن عبد العزيز، العدو اللدود لإيران، ووقع البلدان عقود تسليح بـ110 مليارات دولار".
وتنقل الصحيفة عن ترامب، قوله: "حتى يظهر النظام الإيراني استعدادا للتشارك في السلام، فإنه يجب على الشعوب صاحبة الضمير أن تعمل معا لعزل إيران، ومنعها من تمويل الإرهاب".
ويلفت التقرير إلى أن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله خامنئي، قال فيما يبدو أنه رد على عقود التسليح، إنها ستقود إلى لا شيء، وأضاف: "هؤلاء المغفلون يعتقدون أن إنفاقهم للمال سيمنحهم صداقة أعداء الإسلام"، وتابع قائلا إنهم "مثل البقرة الحلوب التي تحلب حتى يجف حليبها، ومن ثم تذبح".
ويعلق إردبرينك قائلا إن "هناك اتهامات متبادلة بدت من الطرفين، إلا أن إيران تنتظر استلام أسطول من طائرات (بوينغ) الأمريكية الصنع، التي كانت نتاجا لصفقتين وقعتا بقيمة 22 مليار دولار، وتم توقيع آخر صفقة مع الشركة المصنعة للطائرات وشركة (أسمان) الإيرانية للطيران، بعد شهرين من تولي ترامب السلطة، ولم يكن الرئيس الذي رفع شعار (أمريكا أولا)، وتعزيز البنية الصناعية لأمريكا، راغبا بإلغاء عقد يوفر 18 ألف وظيفة للأمريكيين".
وتستدرك الصحيفة بأنه رغم وصف ترامب الاتفاق النووي بأنه الأسوأ في التاريخ، إلا أنه وقع في نيسان/ أبريل على عدد من الأوامر لإلغاء بعض العقوبات لئلا تتأثر صفقة الطائرات، وسمح للإيرانيين بمواصلة التجارة الدولية، والاستفادة من الأرصدة المجمدة في الولايات المتحدة.
ويورد التقرير أن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون في الرياض بعد خطاب ترامب، تعد إشارة إلى استعداد الإدارة التعامل مع طهران، حيث سئل إن كان سيرد على مكالمة من وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، فرد قائلا: "فيما يتعلق إن كنت سأرفع السماعة، فأنا لا أغلق الهاتف أبدا في وجه أي شخص يريد التحدث بطريقة بناءة".
ويقول الكاتب إن "إدارة ترامب فهمت على ما يبدو نقطة مهمة حول إيران، وهي ما تقلق حوله الإدارة الأمريكية بشأن التوسع الإيراني في المنطقة، ويجعل من المحتوم على البلدين الحفاظ على علاقة عمل، إذ ستجد واشنطن صعوبة في حل مشكلات المنطقة دون التعاون مع إيران: في لبنان، حيث تدعم حزب الله، وفي سوريا حيث تقوي حكومة نظام بشار الأسد، وفي العراق حيث تدعم حكومة حيدر العبادي وتدرب المليشيات الشيعية، وفي اليمن حيث تدعم ولمدى معين المتمردين الحوثيين ضد الحكومة".
وتجد الصحيفة أنه لهذا السبب، فإن المحللين يرون أن هناك مساحة للتسوية والتنازل لو جلس الطرفان حول الطاولة، حيث تقايض واشنطن سيطرتها على الاقتصاد الإيراني مقابل تنازلات في الشؤون الإقليمية من جانب طهران، مستدركة بأنه رغم فرض إدارة ترامب عددا من العقوبات على أفراد وهيئات إيرانية، لها علاقة بالاختبارات الصاروخية في شباط/ فبراير، إلا أنها متناسقة مع السياسات التي انتهجتها إدارة أوباما من قبل.
وينوه التقرير إلى أن لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس صادقت في يوم الخميس على سلسلة من العقوبات ضد إيران؛ بسبب انتهاكات حقوق الإنسان ودعم الإرهاب، مشيرا إلى أن مجلس الشيوخ فعل هذا رغم اعتراضات وزير الخارجية السابق جون كيري، الذي دعا اللجنة في الكونغرس لتجنب فرض العقوبات، ودعا في سلسلة من التغريدات على "تويتر" يوم الأربعاء، لعدم فرضها، وحذر من "المواجهة بدلا من الحوار".
ويذكر إردبرينك أن الرئيس الإيراني المنتخب من جديد حسن روحاني اقترح إمكانية فتح حوار بين البلدين، وبعدما تستقر إدارة ترامب، وبعد توفر الوقت الكافي لطهران لتقيم القيادة الأمريكية، وقال: "ننتظر أن تحقق الحكومة الأمريكية الجديدة استقرارا فيما يتعلق بالموقف والأجندة والعقلية، وعندها سيكون لدينا الرأي الصحيح حول واشنطن".
وتشير الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة وإيران قطعتا العلاقات الدبلوماسية بعد الثورة الإسلامية عام 1979، لكنهما تحادثتا مباشرة في أثناء المفاوضات على الاتفاق النووي، التي بدأت سرا عام 2013، وقبل انتخاب روحاني ذلك العام.
ويفيد التقرير بأن "الرئيس الإيراني يتعرض لضغوط من المتشددين في بلاده لعدم إجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة، لكنه يستطيع الحديث عن بعض المنافع الملموسة التي حققتها إيران من المحادثات وجها لوجه مع الغرب، حيث لم يكن الاتفاق النووي ليتحقق لو لم يحدث حوار مباشر، وساعد الاتفاق على التخفيف عن الاقتصاد الإيراني المخنوق، ووضع طهران على طاولة المفاوضات".
وينقل الكاتب عن روحاني، قوله: "لقد شاركوا في المفاوضات على الطاولة، وتحدثوا باحترام لممثلي الأمة الإيرانية"، في إشارة إلى ممثلي الحكومة الأمريكية في المفاوضات، وأضاف: "حصلنا على نتائج مريحة للجانبين، وأعتقد أنها لصالح إيران ومجموعة خمسة + واحد والعالم"، في إشارة إلى إيران بالإضافة إلى الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا والصين وفرنسا.
وتعلق الصحيفة قائلة إن "روحاني بحاجة إلى لقاءات كهذه ليحقق وعوده الانتخابية، والحصول من اللقاءات الثنائية لتخفيف العقوبات التي لا تزال تخنق الاقتصاد الإيراني، وفي الوقت الذي تم فيه رفع الكثير من العقوبات بموجب الاتفاق النووي، إلا أن الباقية منها تمنع البنوك الأوروبية من تقديم المال، الذي تحتاجه البلاد بشكل ماس؛ لتمويل الأعمال ومشاريع البنية التحتية".
ويورد التقرير نقلا عن روحاني، قوله يوم الاثنين، إنه في حال وافق المرشد الأعلى فإنه سيحاول البدء بعملية رفع العقوبات، "ستكون عملية صعبة، لكنها ممكنة".
ويذهب إردبرينك إلى أنه على الجانب الأمريكي، فإن خبرة العديد من مسؤولي الإدارة في القطاع الخاص تجعلهم راغبين بالتفاوض، حيث يقول المحلل الإصلاحي ما شاء الله شمس الواعظين: "ترامب وتيلرسون وغيرهما، هذه هي إدارة رجال أعمال، ويحلون المشكلات من خلال الصفقات لا القتال".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن المسؤول حسين شيخ الإسلام، وهو مستشار ظريف، لم يستبعد إمكانية عقد محادثات مباشرة مع الأمريكيين، لكنه قال إن الإيرانيين يحاولون فهم ترامب، وأضاف: "هو رجل أعمال، لكن حتى في عالم رجال الأعمال فإنه لا يزال يتصرف بطريقة انفعالية وغير متوقعة".