حظي الجانب الترفيهي في رؤية المملكة 2030 باهتمام لافت لزيادة مستوى السعادة في المجتمع السعودي، وكانت الهيئة العامة للترفيه هي الذراع المنفذة لهذه الخطة الترفيهية، والحقيقة أن هذه الهيئة الوليدة حققت في فترة وجيزة منجزات حركت المياه الراكدة في مجتمع تعود على نمط ممل وبطيء وطارد للفرح والسعادة لعقود طويلة، والنتيجة للأسف كارثية على جميع الصعد الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
فالكل منا ينتظر أي إجازة للهرب من البلد إلى الدول المجاورة، ليس لممارسة سلوكيات خارجة عن المألوف، بل لمشاهدة فيلم سينمائي، أو مسرحية، أو حفلة غنائية لفنانين معظمهم سعوديون، أو لقضاء وقت ممتع في مطعم مع العائلة في أجواء طبيعية من دون حواجز مغلقة تعزل البشر عن بعضهم كما هو معمول به في مطاعمنا، وكأننا ذئاب بشرية جاهزة للانقضاض على فرائسها في أقرب فرصة.
هذه البيئة الطاردة لها أسباب عدة، منها السياسي والديني، ولن أطيل في بعض الحوادث السياسية التي مرت بنا وجعلها البعض شماعة، وسبباً لتوقف الحياة والترفيه والسعادة وثقافة الانغلاق للأسف، والتي خلقت حالة هشة جعلت بعض التيارات الإسلاموية السياسية تختطف المجتمع وثقافته وتحرم كل شيء بدواعٍ دينية، وهي تنطلق من تفسيرات ضيقة للدين، فحرمت الموسيقى والفنون، وخلقت أشكالاً مشوهة له من مسارح نسائية وأخرى رجالية، وهي حالة محلية فريدة من نوعها في العالم، والغريب أن من حاربوا الفنون والترفيه نجد رموزهم في المؤتمرات والفعاليات السياسية في الخارج وهم يجلسون بجانب نساء مشاركات في تلك الفعاليات، والغريب أن أتباعهم في الداخل لم يغيروا قناعاتهم ويكتشفوا زيف طرحهم واستمروا ضحايا لهذا التناقض الصارخ.
وانطلاقاً من «رؤية 2030»، التي انتقدها البعض بأنها تركز فقط على الجانب الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط كمصدر وحيد للطاقة، إلا أنها أعطت واهتمت بالإنسان السعودي في سعادته من خلال الترفيه وبأنشطة متنوعة تلبي أغلب رغبات مكونات المجتمع، وتقدم العديد من الفعاليات ذات البعد العالمي، ولم تهمل النشاطات ذات البعد المحلي وآخرها الحفلة الفنية للفنانين محمد عبده وراشد الماجد، والتي احتضنتها العاصمة الرياض، إذ كانت حفلة جميلة امتدت لساعات ولم تهتز أو تتغير قناعات المجتمع في ثقافته كما كان يروج البعض من خطورة مثل هذه الحفلات، والتي كانت تعشش في مخيلاتهم لأهداف سياسية وشخصية، وللأسف كان يصدقهم الكثير منا.
المهم الآن انطلقت العربة وعلينا التفاعل والدعم لها في الداخل، فلا يعقل أن بلداً مثل المملكة لها ثقل سياسي واقتصادي ومكانة عالمية أن تتقوقع على داخلها بسبب قلة تحاول أن تفرض رؤاها الضيقة على الكل، والغريب أن بعض الأقلام التي كانت تنادي بالتنوع الثقافي أصابتها «الفوبيا» من حركة التغير بسبب بعض المشاهد والمقاطع المصاحبة لبعض الفعاليات الترفيهية، والتي ضخمتها جماعة الرفض؛ إذ إننا نجدهم في أطروحاتهم العامة والخاصة ينادون بالتدرج في مجال الترفيه، وكأن هذه الفعاليات خارجة عن المألوف وهذا غير صحيح ومبالغ فيه.
في الختام، علينا أن نؤمن بأحقيتنا بالسعادة والفرح وأنسنة مدننا وقرانا بنشر ثقافة الترفيه والفرح، حتى نحب وطننا أكثر.
عن "الحياة" اللندنية