السينما لدينا مظلومة، والكل يتخلى عنها من الأجهزة الرسمية، على رغم المطالبات الشعبية بالترخيص لدور سينما في المملكة، التي كان يوجد دور سينما فيها، خصوصا في الأندية الرياضية، ولم يحدث ثورة على الأخلاق والأعراف في تلك الأزمنة، بل إن من عايش تلك الفترة وتجربة السينما لدينا يتذكرونها كتجربة جميلة في حياتهم، والبعض منهم انفتح على الفن العربي والعالمي من باب السينما.
تلك تجربة قُتلت من ثقافة سادت المجتمع في ثمانينات القرن الماضي، ولا يزال المجتمع يعاني من نتائجها من حيث الانغلاق والتقوقع على ثقافة محلية اختلطت بمفاهيم دينية فرضت من بعض الجماعات الدينية السياسية، وعلى رغم أن بعض رموز هذا التيار انقلبوا على خطابهم المتشدد تجاه الفنون ومنها السينما، إلا أن مخرجات تلك المرحلة ما زالت راسخة في عقول الكثير منا، ونجد مواطني بلدنا هم الزبائن الأكثر لدور السينما في الدول المجاورة، وهي سينما طبيعية ومختلطة وعندما يطرح موضوع السينما لدينا نجد تبريرات عجيبة واشتراطات أن تكون هناك سينما للعوائل وأخرى للعزاب مثلا، ومن يطرحون هذه الآراء تجدهم مع عوائلهم في الصفوف الأمامية في دور السينما بالخارج ولم يتغير فيهم شيء من حيث السلوك أو الفكر. علينا ألا نفكر بأكثر من شخصية، فنحضر سينما طبيعية في الخارج ونطالب بالعزل بالداخل. هذا باعتقادي نوعا من الفصام المجتمعي.
لن أتحدث عن صناعة السينما كمورد اقتصادي لأي دولة في العالم وما تدره من البلايين في اقتصادات تلك الدول، ولا عن أهمية السينما في قوة الدول من حيث نشر ثقافتها بقالب فني حول العالم، سأركز على أننا مجتمع نعيش في ندرة من حيث وسائل الترفيه في مجتمعنا، وإن وجدت فلها اشتراطات تقتل فكرة الترفيه الأسري. لا أبالغ إذا قلت أن سلوكيات فئة من شباننا مثل التفحيط وتعاطي المخدرات والسرعة الجنونية بالقيادة قد يكون لها علاقة مباشرة بالكبت الترفيهي الذي يعاني منه المجتمع، لا يكفي أن يكون هناك أعمال سينمائية سعودية تعرض بالمهرجانات العربية والدولية، فلا نريد أن يلحق بالسينما ما لحق بالحفلات الغنائية للفنانين السعوديين، إذ قال الفنان محمد عبده أن الفن السعودي مهاجر ويتمنى أن يلتقي بجمهوره داخل الوطن.
أعتقد أن الهيئة العامة للسياحة كان عليها دور مهم في السماح للسينما في السابق، ولكنها للأسف لم تقم به وهي تعرف أن وجود سينما ومسارح سعودية سيكون أكبر رافد للسياحة المحلية، وأذكر أن أحد مسؤوليها صرح أكثر من مرة أن هذه من مسؤوليات وزارة الثقافة والإعلام.
الآن مع إنشاء هيئة عامة للترفيه، عليها أن تتخذ هذا القرار المهم بتنظيم دور السينما في مجتمعنا، وأنا على قناعة أن الكثير من الشركات السعودية والأجنبية لن تتردد في الاستثمار في السينما لدينا، ولكن بشرط البعد عن العمل بمفهوم الخصوصية المحلية الواهية.